بقلم يوسف سيدهم
كنت واحدا ممن استعصي عليهم إدراك حقيقة مايحدث في سوريا منذ عدة سنوات سابقة علي انفجار الثورة الحالية...استعصي علي قبول توريث السلطة لبشار الأسد عقب رحيل والده حافظ الأسد حتي أنني كتبت وقتها في هذا المكان مقالا بعنوان...والجمهوريات تورث أيضا!!...كما استعصي علي تفهم حالة الهدنة غير المعلنة-لكن المعاشة-بين سوريا وإسرائيل فلا سلم ولاحرب...واستعصي علي أيضا ابتلاع السياسات الوحشية التي انتهجها بشار الأسد ونظامه وجيشه لقمع الانتقاضة الثورية التي انفجرت في سوريا منذ نحو عامين .
كنت واحدا ممن استعصي عليهم إدراك حقيقة مايحدث في سوريا منذ عدة سنوات سابقة علي انفجار الثورة الحالية...استعصي علي قبول توريث السلطة لبشار الأسد عقب رحيل والده حافظ الأسد حتي أنني كتبت وقتها في هذا المكان مقالا بعنوان...والجمهوريات تورث أيضا!!...كما استعصي علي تفهم حالة الهدنة غير المعلنة-لكن المعاشة-بين سوريا وإسرائيل فلا سلم ولاحرب...واستعصي علي أيضا ابتلاع السياسات الوحشية التي انتهجها بشار الأسد ونظامه وجيشه لقمع الانتقاضة الثورية التي انفجرت في سوريا منذ نحو عامين وكيف تلطخت يداه بالدماء وتمادي في قتل شعبه غير عابئ بالصرخات والاحتجاجات التي أطلقها العالم مستنكرا ذلك,فكان كالطاغية الذي فقد عقله وبات يدافع بشراسة عن كرسي السلطة لايريد أن يتركه حتي وإن ظهر في صورة الجلاد الذي يستحل إبادة شعبه..
كانت مصر وقتها تعبر أولي مراحل ثورة 25يناير2011 منضمة إلي قافلةالربيع العربي حيث سبقتها تونس وتبعتها اليمن وليبيا وها هي سوريا تلحق بالركب...وكان الحماس ينتاب الكافة أن المنطقة التي نعيش فيها والتي سيطرت عليها لعقود طويلة أنظمة استبدادية قمعت شعوبها قد استيقظت وتمردت علي جلاديها مطالبة بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية...لكن بالرغم من تشابه الواقع الذي ثارت عليه تلك الشعوب ظلت مصر تتميز عن غيرها في مسار ثورتها-أو هكذا ما تصورناه وقتها-فهي الأقل عنفا ودموية,وهي التي انحاز جيشها لإرادة شعبها,وهي التي تنحي رئيسها عن السلطة دون عناد أو مكابرة وظل يعيش علي أرضها لم يهرب منها....نعم تلك الأمور وضعت ثورة مصر في صدارة ثورات الربيع العربي إذا ما قورنت بالثورة التونسية التي نجحت بعد هروب رئيسها زين العابدين بن علي إلي السعودية,والثورة اليمنية التي نجحت بشق الأنفس بعد مقاومة وعناد شديدين من رئيسها علي عبدالله صالح,ثم الثورة الليبية التي انتزعت إرادة شعبها من القذافي الطاغية المجنون الذي أبكي وأضحك العالم في وقت واحد وهو يمعن في قتل شعبه ويتوعده بالعقاب والانتقام لأنه تجرأ ورفض حكمه بعد أربعين عاما من الاستبداد والإذلال...من أجل ذلك وقفنا جميعا متوجسين من الضربات التي كالها بشار الأسد للثوار السوريين نتساءل:هل يسير بشار علي درب القذافي؟...وهل يسانده جيشه في ذلك إلي النهاية...وهل يسكت العالم علي مايجري؟.
وبينما كان الموقف في سوريا يشتعل وشوكة الثوار تقوي,ظهر جليا هنا في مصر صعود تيار الإخوان المسلمين ومن بعدهم السلفيون وفي أثرهم سائر جماعات الجهاد والإسلام السياسي,وقفزهم علي ثورة المصريين وإصرارهم علي اختطافها لحساب تطلعاتهم وأجنداتهم الخاصة التي تسحب مصر بعيدا عن حضارتها ووسطيتها ومدنيتها وحتي وطنيتها...وسرعان ما انقسم المصريون بين أنصار الدولة الدينية وأنصار الدولة المدنية ودار الصراع طويلا مريرا -ليس هذا مجال الخوض فيه تفصيلا-إلي أن جاء الخلاص علي يد حركةتمرد وخروج المصريين في 30يونية2013 لاستعادة ثورتهم وإنقاذ بلدهم..
في هذه الأثناء أذكر جيدا كيف كان أصدقاؤنا السوريون-سواء من منهم يعيش في مصر أو من نزح إليها أو من كان يزورها-يدخلون معنا في منافشات حامية يدافعون فيها عن بشار الأسد ويؤيدون استماتته في حربه ضد الثوار وجيش التحرير,مصرين علي أنه لا يفعل ذلك من أجل السلطة والبقاء فيها إنما من أجل الحفاظ علي سوريا الدولة المدنية وإنقاذها من الوقوع في براثن تيار الإسلام السياسي الصاعد فيها بشراسة سواء عناصره التابعة للإخوان المسلمين والسلفيين أو غيرهم,والمهتمين جميعا بالتحالف مع عناصر منظمة حماس ومنظمة القاعدة,وأن سقوط سوريا في أيدي هؤلاء وأولئك سيكون وبالا علي سوريا وعلي المنطقة علي السواء..
بدأت أنظر إلي سوريا بمنظور مختلف-خاصة وأننا في مصر كنا وقتها نذوق ونتجرع فصول حكم جماعة الإخوان وأسلمة الدولة وأخونة مؤسساتها وهدم أركانها الأساسية وسلطاتها وإقصاء كل من لا ينتمي إلي الإخوان-ومن هذا المنظور أخذت أتعرف علي الوجه الآخر للأزمة السورية ودأبت علي تفحص الأخبار التي ترد إلينا عن جيش التحرير وتحركاته وأساليبه وتعاملاته مع الشعب السوري في الأماكن التي يبسط نفوذه عليها...وانفجر صراع في داخلي...فجزء مني لا يستطيع قبول استمرار العنف والقتل من جانب بشار الأسد,والجزء الآخر يقرأ جيدا مشهد استنساخ جماعة الإخوان ومعسكر الإسلام السياسي-العنيف والدموي أيضا-في الثوار وجيش التحرير السوري!!.
وأفقت من هذا الصراع علي صراخ العالم من ضحايا يسقطون نتيجة استخدام السلاح الكيماوي اللعين المحظور دوليا في ساحات الحروب والصراع...وانهالت الاتهامات من كل جانب, تارة تتهم بشار الأسد بهذه السقطة الإجرامية وتارة تتهم الثوار وجيش التحرير بذلك...حتي القوي العالمية انقسمت فيما بينها,فالولايات المتحدة وبعض دول أوربا تتهم الأسد بينما روسيا وبعض دول أوربا تتهم جيش التحرير...ولا تقولوا لي كيف يضرب جيش التحرير الجنود أو الناس في المناطق التي يسيطر عليها بالأسلحة الكيماوية؟... فقد توقفنا عن استغراب أي شئ بعد أن رأينا بأنفسنا كيف كان أنصار الإخوان ومتظاهروهم في مصر يضربون زملاءهم من الخلف بالرصاص للإيهام بأنهم سقطوا ضحايا رصاص الجيش والشرطة!!!.
إذا الأزمة السورية ماتزال رهينة البحث عن الحقيقة,وهناك إدراك متزايد أن توزيع الأدوار فيها ليس بالضرورة يعطي بشار الأسد وجيشه أدوار الشياطين بينما يعطي للثوار وجيش التحرير أدوار الملائكة...ولعل مايحضرني هنا تصريح أحد الخبراء الاستراتيجيين الأمريكيين الشهر الماضي حين قال:إذا قامت الولايات المتحدة بتوجيه ضربة عسكرية لسوريا ستكون بمثابة ضربة استباقية لإجهاض قدرتها علي استخدام الأسلحة الكيماوية ضد شعبها,لكنها أبدا لن تكون ضربة للإطاحة ببشار الأسد لأن الإطاحة به تعني تسليم سوريا وشعبها إلي مجموعة من السلفيين المرتبطين بتنظيم القاعدة..
الإعلام يصرخ... والسلطة إيدها في المية الباردة!!
الإعلام يخوض حربا شعواء من أجل تحرير الرهائن-الأقباط والمسلمين-المحتجزين بواسطة الإرهاب في كرداسة ودلجا...بينما السلطة والشرطة والجيش لايزالون يمارسون أقصي درجات ضبط النفس والتأني والدراسة ووضع الخطة قبل التدخل لتحرير الرهائن!!!
إلي متي سيتحمل المصريون هذا التروي الذي يستفزهم وهم يعايشون احتلال الإرهاب لكرداسة ودلجا وسيناريو يومي للتنكيل والإذلال؟...ليس المصريون وحدهم الذين يدفعون الثمن بل هيبة الدولة وقدسية القانون أيضا.
أليس من حق كرداسة ودلجا أن تعاملا بذات الحسم والاصرار مثل رفح والشيخ زويد؟!!