الخميس ١٧ اكتوبر ٢٠١٣ -
١١:
١٠ ص +02:00 EET
بقلم: فاروق عطية
لا أدرى إلى أين نحن ذاهبون فالبوصلة قد فقدت رشدها ولم تستبين الشمال من الجنوب، وكلما اقتربنا من نهاية النفق المظلم الذي نسير فيه نكتشف أننا ما زلنا في بداية الطريق. حين هبت رياح ما أطلق عليه الربيع العربي، وحين وصلت لنا شرارتها ظننا أننا قد اهتدينا للطريق ولكننا بعد لأي اكتشفتنا أن الربيع العربي ما هو إلا خريف رهيب، وأن ما حسبناه ثورة على الديكتاتورية والتوريث كان سرابا.
وبدلا من أن توصلنا لسكة السلامة أوصلتنا لسكة الإخوان، أي سكة اللي يروح مايرجعش. وحين هب الناس في الثلاثين من يونيو بالملايين بملأون الميادين والشوارع والطرقات تلبية لنداء الفريق أول عبد الفتاح السيسي، هذا النداء الذي جاء في وقته وأوانه لأنه كان في الحقيقة مطلبا وأمنية لكل الشعب بكل فئاته وطبقاته، عمّني الفرح واستبشرت خيرا. هذه الجموع الهادرة تطلب الخلاص من الفاشية الدينية الهمجية المسماة بالإخوان المسممين والانتهاء من الرِدة للعصور الوسطي والعودة للمسار الصحيح، لتعود مصر دولة مدنية علمانية يتساوى فيها الكل بلا تفرقة. وحين طلب الفريق أول عبد الفتاح السيسي الشعب بالخروج في 26 يوليو لتفويضه بالتصدي للإرهاب، أسرعت الملايين بتلبية النداء. حمدت الله أن الشعب قد قام بثورته الحقيقية المنبثقة عن إرادته دون تخطيطات أو ضغوط أجنبية .
كما حدث في فورة يناير 2011. ولكن بعد ما لاحظته من تطورات متتالية، والاطلاع على كل ما قيل ونشر في وسائل الميديا المحلية والعالمية تبينت الحقيقة، أننا ما زلنا كقطع الشطرنج تتداولنا أيادي اللاعبين دون إرادة حقيقية منا، بل نحن ننقاد ونُساق كالأنعام لنكون وقودا للثورات. اكتشفت وأرجو أن يكون ما اكتشفته غير حقيقي أن ما حدث في 30 يونيو كان بتدبير وتخطيط الدولة العميقة, من شرطة ومباحث أمن الدولة التي اُعتُدِى عليها بعُنف وسفالة، وقضاء شامخ حاولوا أذلاله وتحقيره وأخونة أعضائه، ومؤسسة عسكرية ومخابرات حاولوا القضاء على هيبتها، ووسائل الميديا المصرية التي حاول الإخوان الخلاص منها، وأنصار الحزب الوطني وأيتام المخلوع الذين تم إقصائهم من الحياة السياسية، ردا على فورة 25 يناير التي أطاعت بهم واعتلاها شرذمة الإخوان المسممين بالغدر والخديعة, الذين تناسوا كل الوعود وحنثوا بكل قسم وعملوا على التمكين بكل الطرق لأخونة كل مرافق الدولة.
أرى الآن محاولات دءوبة وممنهجة لتشويه كل رموز العلمانية اللبرالية وأحزاب المعارضة بلا استثناء ومحاولة وصمهم بالخيانة وإطلاق لقب الطابور الخامس عليهم. اتُهِم حزب الدستور بالعمالة ورئيسه محمد البرادعي الذي كان يطلق عليه أيقونة ثورة يناير بالتخاذل والعمالة الأمريكية الإخوانية لمجرد اعتراضه على استخدام القوة في فض اعتصامات الإخوان في رابعة والنهضة. قد يكون البرادعي له وجهة نظر تنبع من قناعاته، وقد يكون مخطئا في هذا التصرف ومعظمنا لا يتفق معه في ذلك خاصة وأنه قد اختار التوقيت الخاطئ للاستقالة من منصبه كنائب لرئيس الجمهورية المؤقت.
ولكن محاولة إلصاق كل النقائص به يدعو للتفكير والعجب. أيضا محاولات ممنهجة ومستمرة لجماعة 6 أبريل تصفهم بالخيانة والعمالة الصهيوأمريكية لأنهم قد تلقوا تدريبا أمريكيا صربيا في كيفية مقاومة الحكم الديكتاتوري وتهيئة الناس للثورة، قد يكون هناك أفراد منهم سيئوا النية أو غُرر بهم والآخرين وطنيون حسنى النية ولكن محاولة تشويه الجميع يدعو للتفكير والعجب. حزب الوفد العتيد، الحزب العلماني العتيق اتُهِم بأنه حزب بلا جمهور ولا مبادئ، قد يكون رئيسه السيد البدوي غير موفق في بعض توجهاته ولكن محاولة تشويه تاريخ وحاضر الحزب يدعو للتفكير والعجب.
وحدث ولا حرج على ما أصاب حمدين صباحي وخالد على وعمرو حمزاوي من همز ولمز ونشكيك في كل مناسبة وبلا مناسبة، ألا يدعو ذلك للتفكير والعجب؟ حتى ذلك الرجل المثقف اللبق ذو الحجة والمنطق مصطفى حجازي، الخبير الدولي في مجال التطور المؤسسي والتخطيط الاستراتيجي وحوكمة الكيانات الاقتصادية والاجتماعية، ويشغل الآن مركز مستشار الرئيس المؤقت للشؤون الاستراتيجية، يحاولون ضمه للطابور الخامس والعمالة ألا يدعو ذلك للتفكير والعجب؟ مقدمي برامج التوكشو الذين كان لهم باع طويل وتاريخ مشرف في مقاومة حكم الإخوان .
ومنهم على سبيل المثال محمود سعد ويسري فودة وريم ماجد وباسم يوسف الآن يصنفون كمارقين وطابور خامس لمجرد اعتراضهم على بعض التوجهات الآنية للحكومة ألا يدعو ذلك للتفكير أو العجب؟ كل أحزاب المعارضة والرموز اللبرالية والعلمانية الآن تحت مطرقة التخوين، وكل الأحزاب التي أنشئت على أساس ديني مرفوضة شعبيا, فماذا بقي لنا لتسيير عجلة العملية الديموقراطية؟!!
لا بأس أن تكون فورة 30 يونيو ردا لاعتبار الدولة العميقة ولا بأس من عودتها بشرط أن تكون عودة وطنية خالصة ولا نية لعودة مبارك أو أي من أسرته، لا لعودة الفساد وتزاوج السلطة برأس المال أوحكم حزب أو فصيل واحد، لا للأحزاب الدينية، ومرحى بدولة مدنية علمانية تؤمن بتبادل السلطة، ولا بأس من حماية الجيش لمكتسبات الثورة. قام الفريق أول عبد الفتاح السيسي بعمل وطني رائع سيخلد اسمه في سجل عظماء التاريخ ولكن أرجو ألا ينقاد لجوقة صناع الفراعين الذين ينفخون فيه لخلق ديكتاتور جديد وأن يظل متمسكا بوعده كزعيم حامي لحقوق الشعب مكتفيا بقيادة الجيش ولا ينزلق لما يريدون.
نرجو ألا نتجه إلى سكة الندامة بحكم بوليسي عسكري كما كنا قبل المخلوعين، ومرحبا بدستور يحدد الاختصاصات لكل سلطة من السلطات، ويعلى شأن المواطنة الحقيقية التي لا تفرق بين الناس بناء على النوع أو الدين أو الجنس بل يكون الكل متساوين في الحقوق والواجبات. فليكن طريقنا جليا مرسوم الخطوات يؤدى لسكة السلامة. وليعلم الجميع أن المارد قد خرج من القمقم ولا سبيل للسيطرة عليه غشا أو خداعا، خاصة وأن الشعب الآن قد تم التلاعب به مرتين في ثورات مصطنعة ولن يقع في الخية مرة ثالثة، فقد وعى الدرس وعركته التجارب ولن ينساق مرة أخرى وراء سراب وسيحافظ على مكتسباته والطريق إلى الميادين متاح ولن يستطيع أيا من كان الوقوف ضد إرادته. نتعشم أن يعي الشعب أيضا الدرس ويفيق من كبوته ويأخذ الزمام في يده ولا يدع أي قوى خارجية كانت أو داخلية اللعب به وبمقدراته.
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع