الأقباط متحدون - بُكاء هويدا القبطية: الضحية تُصلى من أجل الجلاد!
أخر تحديث ١٨:٠٠ | السبت ٢ نوفمبر ٢٠١٣ | بابه ١٧٣٠ ش ٢٣ | العدد ٣٣٠٠ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

بُكاء هويدا القبطية: الضحية تُصلى من أجل الجلاد!

صوره تعبيريه
صوره تعبيريه

 راعنى كما راع ملايين المصريين الذين رأوا، أو سمعوا، أو قرأوا- المجزرة الإخوانية أمام كنيسة العذراء بمنطقة جزيرة الوراق، بحى إمبابة، محافظة الجيزة، ظهر الأحد ٢٠/١٠/٢٠١٣، والتى راح ضحيتها خمسة قتلى، وأكثر من خمسة عشر جريحاً، كانوا قد احتفلوا بعُرس أقاربهم، وخرجوا لتوّهم من الكنيسة لإتمام زفة العروسين فى موكب شعبى. وحسب رواية الضحايا فإن سيارة قطعت الطريق أمام الكنيسة، لينقض راكبا موتوسيكل برشاش على الموكب وهما يُرددان «الله أكبر.. الله أكبر»!

 
وكان من ضمن ضحايا هذه المجزرة من المسلمين المدعوين إلى عُرس جيرانهم وأصدقائهم الأقباط، كما هى عادة وتقاليد هذا الحى الشعبى العريق، طوال الثلاثمائة سنة الأخيرة، التى هى عُمر حى إمبابة، قتيل ومُصابان اثنان.
 
توجهت أنا وزُملاء من مركز ابن خلدون، ومن الحركة الوطنية المصرية، لزيارة عائلات الضحايا، وجرحاهم، فلم نجد منهم أحداً فى الوراق.. حيث علمنا أنهم جميعاً فى مستشفى القوات المُسلحة بالمعادى، أو فى معهد ناصر بشُبرا، فتوقفنا فى كنيسة العذراء، والتقينا الأب داوود إبراهيم، راعى الكنيسة، وقدمنا له العزاء، وتوجهنا فى اليوم التالى لمستشفى القوات المُسلحة فى المعادى، حيث زُرنا ثمانية عشر جريحاً من الأطفال والنساء والرجال. وعلمنا أن خمسة على الأقل من الذين نُقلوا إلى المستشفى قد توفاهم الله مُتأثرين بجراحهم.
 
كان كل ضحية يحكى قصته، وينتهى بالسؤال: لماذا فعل بنا الإخوان ما فعلوه، ونحن أناس بُسطاء فقراء، نعيش فى منطقتنا الشعبية، مسلمين ومسيحيين، فى وئام وسلام، وليس لنا دخل بالسياسة؟
 
وحقيقة الأمر أنه لا توجد إجابة بسيطة على أسئلة الضحايا؟
 
فهم لا يعرفون الجُناة، ولا يعرف الجُناة أياً منهم بشكل شخصى.. كل ما هو معروف أن الجُناة إسلاميون مُتطرفون، والضحايا كانوا يُغادرون كنيسة بعد مراسم عُرس قبطى، أى أن الجُناة كانوا يعلمون هوية معظم الضحايا، أى أنهم فى الغالب من الأقباط، وأنهم استهدفوهم بهذه الصفةـ أى لكونهم أقباطاً.
 
وأغلب الظن، إلى أن تنتهى التحقيقات والمُحاكمات، هو أن الجُناة فعلوا فعلتهم الدنيئة هذه لعدة أسباب، منها:
 
١ـ سبب نفسى، فالجُناة مُحبطون مما جرى لتنظيماتهم الإخوانية، التى فقدت السُّلطة، وفقدت تعاطف معظم أبناء الشعب المصرى، بعد سنة واحدة فقط من اعتلاء مقاعد السُّلطة فى البلاد.
 
٢ـ أن الإخوان لا يستطيعون مواجهة سُلطة الدولة المصرية مُباشرة، فيلجأون إلى أى كبش فداء... ولأن أقباط مصر، مثل معظم مسلميها، أناس مُسالمون، لا يحملون أسلحة أو ضغائن ضد أحد، فإنهم هدف سهل للتنفيس عن الإحباط الإخوانى المكبوت.
 
٣ـ أن اختيار الهدف، وهو عُرس قبطى وأمام كنيسة، يضمن أكبر وأوسع تأثير دعائى، للإعلان عن قوة التنظيم الإخوانى من ناحية، وعجز الدولة المصرية من ناحية ثانية.
 
٤ـ استثارة الأقباط المصريين ضد الدولة، التى تعجز عن حمايتهم كمواطنين مصريين، وتعجز عن حماية دور عبادتهم (كنائسهم).
 
٥ـ أن قيادة جماعة الإخوان المسلمين إما أنها اعتمدت خطة لحرب استنزاف ضد الدولة المصرية، أو أنها هى نفسها عاجزة عن التحكم فى أعضاء الجماعة، وخاصة من الشباب الإخوانى المُحبط، الذين بدأوا يتصرفون من عندياتهم.
 
٦ـ أن اختيار عناصر إخوانية لأهداف قبطية يعكس فى النهاية تنشئة عدائية ضد «الآخر»، غير الإخوانى، وغير المسلم. فأعضاء جماعة الإخوان يتربون على اعتقاد جازم بأن المسلم الحقيقى لا بد أن يكون «إخوانياً». فإذا لم يكن إخوانياً فهو غير مسلم.. أو أنه ناقص الإيمان وناقص الإسلام، ويحق عقابه.. أما غير المسلم فيحق ابتزازه بفرض الجزية عليه، أو التخلص منه بنفيه خارج البلاد، أو تصفيته جسدياً.
 
والسؤال فى النهاية: ماذا عسى على الدولة المصرية أن تفعل؟ وماذا عسى على المجتمع المصرى كله أن يفعل؟ وماذا عسى على الأقباط أن يفعلوا؟
 
إن إجابة كل من هذه الأسئلة الثلاثة تحتاج إلى مقال مستقل، إن لم يكن دراسة مستفيضة.. ولكن يكفى أن نقول فى عُجالة إن كل سلوك إنسانى يبدأ كـ«فكرة» فى عقول البشر. فالحب أو المحبة يبدأ كفكرة يتعلمها البشر، وكذلك الكراهية والتعصب يبدآن كفكرة فى عقل أى إنسان.. أى أننا جميعاً، كبشر، لم نولد كارهين أو مُحبين أو مُتعصبين، ولكننا نتعلم هذه الأفكار، وما يُصاحبها من مشاعر، إما من الأسرة، أو المدرسة، أو الإعلام، أو من الجماعات أو الأحزاب التى ننتمى إليها، أو التى تُحاول استمالتنا، وضخ أفكار ومشاعر بعينها فى عقولنا وقلوبنا.
 
وما دام الحال كذلك فبدهى أن أى خطة ناجحة لعلاج التعصب والكراهية والعدوانية تجاه الآخر المختلف دينياً أو عِرقياً، تبدأ بالتعليم، ثم بالإعلام، ثم بالتطبيق الصارم للقانون.. فهل لوزيرى التعليم والإعلام أن يسمعا، وأن يتحركا؟
 
فى نهاية زيارتنا للمصابين فى مستشفى القوات المسلحة سألت هويدا، التى فقدت طفلاً، وتلقت رصاصتين فى ساقها، عما عساها أن تقول، فقالت بابتسامة هادئة صافية: الصلاة لروح من أطلقوا علينا الرصاص، فهم بالقطع فعلوا ذلك بجهالة.. فليسامحهم الله. وبكينا تأثراً بسماحة هذه السيدة القبطية البسيطة، التى تصلى من أجل من حاولوا قتلها هى وابنها.
 
وعلى الله قصد السبيل.
 
المصرى اليوم 

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع