الأقباط متحدون - سلوكيات مريضة تعمق أزمتهم ولا تحلها
أخر تحديث ٠٠:٢١ | الأحد ٣ نوفمبر ٢٠١٣ | بابه ١٧٣٠ ش ٢٤ | العدد ٣٣٠١ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

سلوكيات مريضة تعمق أزمتهم ولا تحلها

عبداللطيف المناوى
عبداللطيف المناوى
ما تتعرض له مصر الآن هو مؤامرة من بعض أبنائها تدعمهم وتصرف عليهم أطراف إقليمية ودولية، الهدف الرئيسى هو خلخلة أركان الدولة ودفع الشعب إلى حالة من التذمر الذى يمكن أن يصل به إلى الثورة على أوضاعه مرة أخرى، فتسقط الدولة ويتحقق الهدف القديم الذى فشلوا فيه حتى الآن وهو «سرينة» الحالة المصرية، أى أن تكون مصر كسوريا فى وضعها الراهن، بلد متناحر ممزق أهله، مقزم جيشه ومنهك. ما يفعله أتباع هذه الجماعة ومن يسوقونهم بالمال هو نشر حالة من الفوضى والانتشار ولو بأعداد قليلة فى أماكن متعددة بأصوات عالية لإعطاء الانطباع أنهم يشكلون حضورا حقيقيا كبيرا، وهم لا يعلمون هنا أنهم بهذا الشكل يتحولون إلى ظاهرة صوتية تصيبنا بالصداع، لكن لا تحقق نتائج. ولا يتورع هؤلاء عن استخدام وسائل شريرة لنشر هذه الفوضى وتحقيق الوجود الأجوف، وهذا يفسر سلوكهم العدائى على الأرض، وهو سلوك يتسبب فى تحقيق جزء من مخططهم وهو إحداث حالة ارتباك فى الحياة اليومية، ومن بين هذه الآليات الشريرة استخدام وسائل الإعاقة للطرق وابتكار وسائل جديدة لشل حركة المرور فى العاصمة، من بينها تعطيل سياراتهم على الكبارى والمحاور المهمة مروريا، والتظاهر إن أمكن فى مناطق تؤدى إلى إعاقة الحركة وتتسبب فى اشتباكات مع الأمن أو الأهالى ليصرخوا بعد ذلك فى وسائل إعلامه يشتكون من سلوك نظام «الانقلاب» مع المتظاهرين «السلميين» الذين لا يفعلون شيئا سوى إفساد حياة البشر حولهم، ولا بأس من بعض الجرحى والقتلى. وكاد يكون من بين ضحايا هذه السلوكيات المريضة صديق لى كاد يصاب فى حادث عندما كان فى طريقه من مطار القاهرة إلى فندقه، واختلت عجلة القيادة فى يد السائق بعنف بسبب الزيت الملقى على مطلع كوبرى أكتوبر، لم يفهم الرجل الذى يزور مصر لأول مرة بعد سقوط الإخوان المنطق الذى يجعل مواطنين من ذات البلد يمارسون أفعالا شريرة تجاه إخوانهم، أو هكذا يفترض، وعندما سمع حكايات أخرى لم يستطع أن يصدق أن يكون هذا السلوك المريض هو رد فعل لعقلاء.
 
تتحدث أطراف مختلفة من المتعاطفين مع الجماعة ومن حلفائها المعلنين والمتخفين وممن يدعون الحكمة والعقل عن مصالحة وطنية، وسوف أجارى هذا المنطق فى الحوار، وأؤكد أنه لا مجال لعيش مستقر دون أن يكون المجتمع فى حالة مصالحة حقيقية، لكن الأمر الأكيد هنا أن هذه المصالحة يجب أن تكون على أسس وقواعد تقرها أغلبية المجتمع، والأمر الآخر أن من أخطا عليه أن يتحمل مسؤولية خطئه ويعلن اعترافه بالخطأ ويطلب من المجتمع السماح على ما فعل. وأتمنى، وإن كنت لا أعتقد أن هذا سيحدث، أن يقف محمد مرسى غداً أمام المحكمة ليعتذر للمصريين عما فعلت يداه ويد جماعته فى الشعب المصرى، وعن الخراب الذى كانوا سببا فيه، وعن الوضع الذى يدفعون الوطن إليه فى محاولة لإرباكه وإسقاطه. لا مجال هنا لمصالحة دون مصارحة واعتذار عما جنت أياديهم.
 
والأكيد أن شعار المصالحة الوطنية يبقى فارغا من مضمونه إذا لم تسبقه المصارحة، حيث يمكن أن يكون كلمة حق يراد بها باطل. ففى تجربة جنوب أفريقيا الأشهر فى هذا المجال، اعترف الجناة أمام الشعب، وأمام ضحاياهم (إن كانوا أحياء)، وذوى الضحايا، وطلبوا الصفح والسماح والعفو منهم. وقد يكون ذلك أحد المداخل المهمة لتهيئة الأوضاع لمصالحة حقيقية، وهذا لا يقتصر فقط على جماعة الإخوان التى كانت حاكمة بل على كل من مارس عملا عاما وشاب موقفه تساؤلات، ينبغى حسم هذه الشوائب ليبدأ الجميع العيش فى ظل مجتمع تخلص من عقده المتبادلة بين أبنائه.
 
وقد يكون من المناسب استعادة حكاية مفوضية الحقيقة والمصالحة Truth and Reconciliation Commission -TRC والتى كانت هيئة لاستعادة العدالة على شكل محكمة شُكلت فى جنوب أفريقيا بعد إلغاء نظام الفصل العنصرى. الشهود الذين كانوا ضحايا لانتهاكات سافرة لحقوق الإنسان تمت دعوتهم للإدلاء بشهاداتهم حول تجاربهم، واختير بعضهم لجلسات إفادة عامة (مذاعة). مرتكبو العنف كان بإمكانهم الإدلاء بشهاداتهم وطلب العفو من الملاحقة المدنية والجنائية، وكانت الشهادات تتم أمام اللجنة المنعقدة بهيئة محكمة، ويقوم مدعون بجلب ضحايا ليقدموا شهادات مضادة بغرض الوصول إلى الحقيقة.
 
وكان بإمكان اللجنة منح عفو للمتهمين ما لم يرتكبوا جنايات، وتقرر اللجنة موعد منح الأهلية السياسية التى تتيح للمتهم مزاولة حقوقه السياسية، التى قد تكون مباشرة بعد المحاكمة أو بعد بضع سنين أو يـُحرم منها.
 
هذه التجربة التى أسس لها الزعيم الأفريقى نيلسون مانديلا وتولاها القس ديزموند توتو- الحائز على جائزة نوبل للسلام عام ١٩٨٤- ورفاقه، الغاية منها كانت ترسيخ مبادئ حقوق الإنسان للبناء للمستقبل، دون إجراءات عقابية على تجاوزات الماضى. الحصيلة جاءت إيجابية جدا حتى الآن، ومنها انطلقت جنوب أفريقيا على طريق الديمقراطية وتداول السلطة.
 
مفوضية الحقيقة والمصالحة لعبت دوراً محورياً فى إعادة اللحمة الوطنية دون إهدار لحقوق ضحايا النظام السابق، ودون حرمان الطبقة الحاكمة السابقة من فرصة إعادة تأهيلها.
 
وقد يكون التعبير الأخير دقيقا فيما يتعلق بتيار الإسلام السياسى، وعلى رأسه جماعة الإخوان، أظن أن احتياجهم إلى تأهيل متعدد الجوانب قد يكون خطوة مهمة ينبغى اتخاذها قبل بدء مشروع المصالحة. سلوك الجماعة وتابعيها خلال فترة حكمهم والأسابيع التالية للتخلص منهم حتى الآن يثبت أنهم فعلا فى حاجة إلى إعادة تأهيل ذهنى ونفسى وقيمى، هم بحاجة ليدركوا أن هذا القدر من السواد الداخلى والرغبة فى الانتقام لن يؤدى إلا إلى عزلهم شعبيا إن طال الوقت أو قصر، وفرصتهم الأولى أن يفاجئنا «مرسى» ببداية الطريق غداً فى محاكمته فيصارحنا بتجاوزاته وجرائم جماعته ويطلب العفو.

نقلاً عن المصري اليوم

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع