كتب: علي سالم | الأحد ٣ نوفمبر ٢٠١٣ -
٠٥:
٠٦ م +02:00 EET
صوره أرشيفيه
يا لقوة المصطلح الشعبى وقدرته على وصف ما يمر به البشر من مآزق تاريخية. الوقوع فى حفرة لا يشكل مأساة فى حياة البشر، فبقليل من المجهود تستطيع الخروج منها، المشكلة الحقيقية تبدأ بعد الخروج منها، ففى غمرة الفرحة بالنجاة تقع فى دحديرة لم تكن تتنبه إلى وجودها من قبل. والدحديرة هى المنحدر، فجأة تكتشف أنك تنحدر إلى قاع لا تراه، وتحاول أن تتشبث بشىء يوقف انحدارك فلا تجد، هكذا يتحول الأمر إلى كابوس ثقيل. هذا هو بالضبط ما يحذرك منه المصطلح الشعبى، عندما تخرج من الحفرة، انظر حولك جيداً وتنبه لخطواتك، تأكد أنه لا يوجد منحدر ملاصق للحفرة. ابحث عن ممر آمن تمشى عليه على أرض صلبة.
لا أعتقد أن أحداً من المصريين تنبه إلى أنه من الممكن أن يخرج من حفرة مبارك ليقع فى دحديرة محمد مرسى، كان من السهل الخروج من حفرة مبارك، ولكن فى غمرة الفرحة لم نتنبه إلى وجود الدحديرة، ويا لها من دحديرة. والسؤال هنا هو: وجود دحديرة بجوار الحفرة، هل هو قانون، أم قاعدة تاريخية؟
مازلت أذكر بشائر الثورة الإيرانية، التى تحولت فى أيام إلى دحديرة ترصع جدرانها المشانق، كان الشاه هو الحفرة، وكان العالم كله سعيداً بخروج الشعب الإيرانى منها، فقد كانت سمعة الشاه سيئة للغاية، وهو ما تسببت فيه أجهزته الأمنية، كانوا سعداء بالخمينى ليس لميزة فيه ولكن لأنه سيخلص العالم كله من شاه مستبد، لم يفكر أحد فى ذلك الوقت إلى أى دحديرة سينزل الخمينى بالشعب الإيرانى، شخص واحد فقط هو الشاعر سنجور تساءل: أنا فى دهشة من أمرى.. رجل يصرح علناً بأنه سيعود بالمرأة فى بلاده إلى القرن الرابع عشر.. بين تصفيق الغرب وتهليله.
الغرب كله كان متحمساً لخروج الشاه، وربما لم يكن يشعر بالخطر لأن كل تلامذة الخمينى ومساعديه كانوا ليبراليين يؤمنون بالحرية، ولكن حكاية معاداة الغرب لم تكن تخطر لهم على بال، ولكن الغرب استيقظ من هذا الحلم الجميل عندما فوجئ بمعظم هؤلاء التلاميذ والمساعدين وقد عُلِّقوا جثثاً على أعمدة الكهرباء. لقد خرج الشعب الإيرانى من الحفرة ليقع فى دحديرة آيات الله.
وتمر السنوات والحكم فى إيران ينتج بضاعة واحدة، هى الكراهية للغرب وأمريكا على وجه الخصوص. ولكى يلعب على العواطف العربية، اتخذ طريق الممانعة الشهير، وأعلن الحرب الكلامية ضد إسرائيل، الواقع أنه لا توجد مشاكل على الأرض بينه وبين إسرائيل، كما لا توجد مشاكل حقيقية بينه وبين أمريكا، ولذلك وبعد نهاية حكم نجاد، سقط حائط الكراهية وبدأت مرحلة التفاوض بين الطرفين.. اسمعها منى: الحلف القادم فى الشرق الأوسط وفى خلال الشهور القادمة هو بين أمريكا وإيران وإسرائيل.
بالطبع سيوجد فى إيران من يناضلون ضد تحقيق علاقات طبيعية بين الأطراف الثلاثة، غير أن الشعب الإيرانى نفسه، بعد سنوات طويلة من الكراهية والفشل، هو من سيدعم هذه العلاقات. فى كل مجتمعات الشرق الأوسط توجد جماعة من أصحاب الثقافات الحامضة التى لم تعد تصلح للاستهلاك الآدمى.. إنها نفس الثقافات والمواقف السياسية التى أوصلت الشعب السورى لأكل أوراق الشجر.
على كل حكومة فى المنطقة أن تنقذ نفسها بإمكانياتها أو تضيع، لأن أمريكا اختارت طريقاً آخر يمكن تلخيصه فى «لا شأن لنا بما يفعله هؤلاء الناس ببعضهم البعض»، هذا هو بالضبط ما نشرته صحيفة الحياة فى صفحتها الأولى (الأربعاء 30 أكتوبر): «وارتأت إدارة أوباما الجلوس فى المقعد الخلفى والنأى بالنفس حيال ملفات الحروب الأهلية والنزاعات والثورات الداخلية، ومن بينها الوضع فى مصر وضجيج الربيع العربى فى ليبيا وتونس واليمن».
عندما تعجز عن فهم جماعة من البشر، عندما يقفون مع السلام ومع الحرب بنفس القوة والكيفية، عندما يحبونك ويكرهونك بنفس المقدار، فلابد أن تأتى اللحظة التى تقول لهم فيها: يا حضرات.. أنا مش فاضى لكم.. اتفضلوا كلوا بعض.
المصرى اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع