بقلم: إسماعيل حسني
لم تمضي أسابيع قليلة على سقوط الإخوان حتى بدأت تظهر في الأفق بوادر انقسام في صفوف المصريين الذين اجتمعوا في 30 يونيو على قلب رجل واحد للإطاحة بحكم مرسي وعصابته.
ويتمحور الانقسام حول نقطتين هما كيفية التعاطي مع أعضاء جماعة الإخوان وما يقومون به من احتجاجات تخريبية، وأسس إدارة المرحلة الانتقالية.
أكثر الناس أفقدتهم فاشية الإخوان الإيمان بالثورة التي جاءت بقوى الظلام، وباتوا أكثر ميلا للنهج الإصلاحي الذي يرونه أكثر أمانا وإن قلت غلته، كما أصبحوا يتوجسون من البناء على أسس ومبادئ الحرية والديموقراطية التي يمكن أن يستخدمها الإخوان للعودة من الباب الخلفي، بل أنهم أصبحوا على استعداد لمقايضة حريتهم السياسية بالحرية الشخصية والأمن والاستقرار، ولم يتورع بعضهم عن الترويج لدولة بوليسية والمطالبة بوهم المستبد العادل.
وترى هذه الكثرة أن الدرس قد انتهى بسقوط الإخوان، وأن المسار الصحيح الآن يتمثل في إقصاءهم وحلفائهم عن العملية السياسية، وإطلاق يد أجهزة الدولة والشرطة في تنفيذ هذا الإقصاء وقمع المعارضة التي قد يستفيد منها الإخوان، وتولي الفريق السيسي رئاسة الدولة، هذا البطل الذي أنقذ البلاد من يد الإخوان، فأصبح معبود الجماهير ومحل ثقتها ونموذجا للقوي الأمين القادر على حمل الأمانة ولم الشمل وإصلاح ما أفسده الدهر.
ومع ارتفاع ضجيج هذه الموجة خرجت أصوات تحذر من الآثار السلبية لهذه التوجهات، وترى فيها خطورة بالغة على حاضر البلاد ومستقبلها.
فالطبيعة المهادنة للنهج الإصلاحي أفشلت كافة محاولات الإصلاح طوال حكم مبارك، واقتصرت نتائجها على إطالة عمر النظام أو إعادة إنتاجه بكل عفنه واهترائه كما رأينا في حكم الإخوان، مما يجعل من النهج الثوري الذي يعيد هيكلة النظام بأدواته وقيمه ضرورة ملحة من أجل تغيير حقيقي يضع مصر على أبواب القرن الواحد والعشرين.
ورغم الإعتراف بالدور البطولي الذي قام به الفريق السيسي إلا أن هيستيريا المهدي المنتظر الذي لم ولن يوجد يوما على الأرض من شأنها أن تفرغ طاقة التغيير الثوري من ناحية، وأن تلقي على الرجل عبئا لا قبل لفرد به من ناحية أخرى، كما أن اختزال الدولة والنظام في فرد واحد أمر خطير لا يمكن قبوله، لأن هذا الفرد حين يتقزم الجميع من حوله سيضطر إلى ملئ الفراغ الذي أمامه ويتحول رغم أنفه إلى ديكتاتور، وهو ما نعرف معناه جيدا.
كما أن الفريق السيسي لن بملك رفاهية الحكم وفق نواياه الطيبة وأفكاره المستنيره التي يتغنى بها الجميع في غيبة قوى ثورية تفرض نفسها على الواقع، ذلك أن حقائق القوة على الأرض سوف تفرض نفسها على سياساته وقراراته، فهو من ناحية يرأس المؤسسة العسكرية ولن يتناقض مع مصالحها وأهدافها التي تشكلت عبر عقود من الزمان فيخسر ولاء قادتها وأفرادها، ومن ناحية أخرى سيكون عليه مراعاة ضغوط الدول المانحة واشتراطاتها في شكل النظام وقوانينه لضمان لمصالحها واستثماراتها في مصر، مما قد لا يكون بالضرورة في صالح جماهير الشعب المطحون.
إن محاربة فاشية الإخوان بفاشية ترتدي ثوب الوطنية هو أكثر ما يفيد الإخوان وغيرهم من القوى الفاشية على المدى الطويل. فالإجراءات القمعية قد تحقق بعض النجاحات السريعة ولكنها في الأجل الطويل تؤدي إلى سيطرة النخبة التي تمتلك أدوات القمع والثروة، وما يعقب ذلك من احتكار للسلطة وتجريف للحياة السياسية وفساد إداري ومالي يعيد هذه القوى من جديد إلى الحياة.
إن الحرية التي أصبحت مادة للسخرية والفكاهة هذه الأيام والتي يقترح البعض أن نتنازل عنها في سبيل القضاء على الإخوان هي السلاح الوحيد الذي تملكه الشعوب المقهورة لكي تفرض إرادتها على أعدائها ومستغليها وسارقي أقواتها.
ليس لدينا اليوم في مواجهة قوى الظلام سوى الصبر، والتنوير، والتطبيق الحاسم للقانون، وتشجيع المعارضة وإن جنحت يمنة أو يسارا، وفتح أبواب التوبة أمام من لم يرتكب جريمة يعاقب عليها القانون بشرط القبول الكامل وغير المنقوص أو الملتبس بمبادئ الدولة المدنية التي يجب أن يتضمنها الدستور، وقبل هذا كله العض بالنواجز على حريتنا التي ثرنا من أجلها مرتين، والتي تفجر بداخلنا طاقات التمرد والثورة والتغيير كلما لزم الأمر.
الإخوان المسلمين،الدستور،الفريق السيسي،