بقلم: مينا ثابت وابرام لويس
مصر "دار القبط " ، هاكذا اسموها العرب، قبل قرابة الالفى سنة، فقد ظلت مصر عامرة بالأديرة و الكنائس الأثرية لقرون طويلة، ولكن جاء حكم جماعة الإخوان المسلمين كى ما يحول هذا التاريخ لمجرد أطلال متهدمة، فعقب شروع قوات الأمن في فض اعتصامى رابعة العدوية و النهضه فى منتصف أغسطس الماضى، تم الإعتداء على قرابة مئة كنيسة فى ثمان محافظات مختلفه فى وقت متزامن و بنمط متشابه، بجانب نهب و حرق قرابة الألف منزل و مئات المحال التجارية المملوكة للمسيحيين فى أغلب المحافظات.
وعود لم تتحقق !!
قدمت السلطات المصرية العديد من الوعود لجموع المسيحيين بأنها سوف تتولى مسالة إعادة بناء و ترميم الكنائس و تعويض المتضررين من الأحداث ، و لبيان مدى تحقق ذلك على أرض الواقع قمنا بزيارة أحد أهم مسارح الأحداث، محافظة المنيا عروس الصعيد، و تحتل الترتيب الأول فى عدد الإنتهاكات التى وصلت للإعتداء على 16 كنيسة و4 مدارس قبطية فى ست مراكز من أصل 12 مركز بالمحافظة، بجانب مئات المنازل و المحال التجارية المملوكة لمسيحيين.
أجرينا مقابلة مع محافظ المنيا اللواء "صلاح زيادة"، و الذي له سلطة الموافقة علي بناء و ترميم دور العبادة المسيحية بـ موجب قرار جمهوري رقم291 لعام 2005 .
أكد "زيادة" خلال الزيارة أنه لم يتم حتى الآن البدء في إعادة ترميم و بناء دور العبادة المسيحيه، وذلك نظراً لعدم توفر الدعم المالى لها حيث بلغت خسائر المحافظة فى جميع الإعتداءات حوالى 121 مليون جنية – بحسب تقديره – و أشار ان المحافظة تعتمد على التبرعات من المواطنين بالإضافة إلى دعم القوات المسلحه فى هذا الصدد.
و صرح القس "بيمن لويس"، راعى كنيسة الأمير تادرس بالمنيا، أنه تم معاينة الأضرار التى لحقت بالكنيسة من قبل المحافظة و الهيئة الهندسية للقوات المسلحه ولكن أعمال الترميم أو إعادة البناء لم تبدأ بعد، و بالرغم من ذلك فمايزال مسيحيو المنيا يصرون على الذهاب إلى كنائسهم، المنهدمة، ففى فناء كنيسة الأمير تادرس، الذى يبلغ مساحته قرابة الـ 100 متر، تم نصب خيمة كبيرة حتى يتسنى للمسيحيين الصلاة كل أسبوع، وعندما تنظر فى عين أي مسيحي هناك , تجدها دامعة علي كنيسته التي اعتاد ا الصلاة بين جنباتها التى تحولت الى ركام و حطام و بقايا محترقة.
و فى سياق متصل، أكد القس "إفرايم عدلى" راعى كنيسة مارجرجس بالمنيا، و رئيس مجلس إدارة جمعية جنود المسيح لرعاية الطفولة، انه قام بأرسال تقرير شامل عن الخسائر التي لحقت بملجأإ " جنود المسيح " بالمنيا، الى الشؤون الاجتماعية، حيث بلغت قرابة الثلاث ملايين جنية، وذلك لبحث سبل التعويض الممكنه حيث يعد الملجأ هو الجمعية الوحيدة المتضررة على مستوى الجمهورية – بحسب تصريحه – بالإضافة إلى ارساله مناشدة الى الصندوق المركزى لاعانة الجمعيات، طالب فيها بالنظر الى كم الاضرار التى لحقت بالجمعية و التى تقوم على رعاية 19 طفل مقيمين بشكل دائم بالدار بالإضافة إلى 198 آخر لدى اسرهم، ولكن لم يصله اى رد حتى الان.
وأشار إفرايم الى ان الجمعية أعتمدت على تبرعات بعض من أسماهم " أهل الخير " حيث قام عدد من رجال الأعمال و منهم سيدة تدعى " مى " قامت بالتواصل معه و عرضت عليه المساعدة، و بالفعل قامت بأرسال عدد من المساعدات العينية للدار.
إقتصاد منهار
لم تستهدف الأحداث فقط دور العبادة أو المباني التى تحمل صفة دينية، بل استهدفت أيضاً عددا كبيرا من المنازل و المحال التجارية المملوكة لأقباط. وماتزل حتى الآن موجوده بعض العلامات المميزة ( علامة × ) التى كان يضعها انصار الرئيس المعزول على المحال التجارية و التى استعانوا بها اثناء الأحداث حتى لا يتم نهب أي محل أو منزل مملوك للمسلمين.
تحدثنا الى احد اصحاب المحال التجارية المضارة ( ب. ن) 32 سنة، صاحب محل أدوات منزلية ، و قد لحقت به اضرار مادية وصلت لـ 300 الف جنية بجانب الأضرار الجسيمة بالمبنى الآيل للسقوط فى اية لحظة، و أشار الى المعاناه التى يعيشها الان، فمنذ قيام ثورة الـ 30 من يونيو وهو يعانى من أزمة كبيرة حيث قرر انصار الرئيس المعزول محمد مرسى الاعتصام بميدان بالاس الملاصق لمقر عمله، ولكن تفاقمت تلك الازمة بعد الاعتداءات الطائفية حيث تم نهب المحل بالكامل و اشعال النيران به مما أدى إلى تصدع المبنى و مشارفته على الإنهيار.
و أضاف إنه يعانى الآن في سبيل استصدار تصاريح لترميم محله المضار ، وذلك لمطالبة الجهات المعنية له برسوم ادارية تقدر بنحو ال5 الاف جنية فقط لاستصدار تصريح بالترميم، و فى المقابل لا يوجد أي تعويض من الدولة.
الأمن .. الحاضر الغائب
عادت مرة اخرى مظاهر الحياة الطبيعية الى مدينة المنيا، رُفع حظر التجوال، اُزيلت الحواجز الامنية و عادت حركة السير امام مبنى المحافظة و مديرية الامن، استأنفت اغلب النيابات عملها من جديد، عاودت اغلب اقسام الشرطة مزاولة انشطتها على عكس الحال فى اعقاب فض اعتصامى رابعه العدوية و النهضة منتصف اغسطس الماضى.
بأستثناء تجمعات هزيلة لانصار الرئيس المعزول يوم الجمعه من كل اسبوع، فلا يوجد قدر كبير من الصخب داخل الشارع المنياوى.
صرح اللواء "أسامة متولى" مساعد وزير الداخلية لأمن المنيا ، ان الوضع الأمنى فى المنيا نستطيع وصفه بـ " المُطمئن " الى حد كبير، فقد تم تكثيف التواجد الأمني فى أغلب المواقع و المصالح الهامه، بجانب الاستعانة بعدد كبير من الدوريات الشرطية لتحقيق الأمن و الشعور بــ الأمان و هو الذى يفتقده الكثيرون من مواطنى المنيا.
حيث أكدت "إيمان"، مدرسة وتبلغ من العمر 35 عاماً، انها تشعر بالقلق الشديد بعد الأحداث الأخيرة ، رغم ان الوضع الحالى فى تحسن عن سابقه و لكن مايزال هناك مساحه من القلق و الخوف موجوده، حتى انها أشارت لمدى سعادتها ان يعود طفليها إلى المنزل بعد انتهاء يومهما الدراسى بدون وقوع اية مشاكل، و اضافة انها تتوقع حدوثها فى كل لحظة و هى تعيش فى قلق دائم و مستمر و لا تشعر بالأطمئنان حيث لفتت الانتباه إلى أحداث الرابع عشر من أغسطس ودور الشرطه المتخازل فى حماية الكنائس، والذى اضطرهم للنزول كأفراد و محاولة الدفاع عن الكنائس بأنفسهم، و قالت : "انا الان أخشى ان اتوجه الى عملى بمفردى، فلابد ان يوصلنى زوجى للعمل، لاننى مازلت اخشى حدوث اية مشاكل من هول ما رأيت ".
و فى سياق متصل، أكد مدير أمن المنيا، انه تم عمل حصر شامل للكنائس على مستوى المحافظة وتبين خلاله احتياج بعض الكنائس للتدعيم بأعداد إضافية من قوة التأمين وذلك مع إقتراب احتفالات رأس السنة وعيد الميلاد بالاضافة الى سعيه للاعتماد على التقنيات الحديثة – على حد وصفه – من كاميرات المراقبة و خلافه، و التى ترك تكلفتها تتحملها الكنائس! ، حيث طالب مسؤلى الكنائس بتعليق كاميرات للمراقبة داخل و خارج الكنيسة و توفير حواجز امنية أمام الكنائس.
و هو الأمر الذى لم يلاق قبولاً عند راعى كنيسة الأمير تادرس ، القس " بيمن لويس "، حيث اعتبر وجود كاميرات داخلية بجانب الكاميرات الخارجية و تخضع لمراقبة الأمن يعد انتهاكاً لخصوصية الكنيسة، و اشار الى انه يمكن تركيب بعض الكاميرات و تكون المراقبه عليها تخضع للكنيسة و المطرانية.
الأمل و المستقبل
يرى اللواء صلاح زيادة محافظ المنيا، أن الحل الجوهري لحل أغلب المشاكل التى تعانى منها المحافظة هو الإهتمام بالتعليم ، قائلاً : " حينما يوجد التعليم ينتهى التطرف " ، و أيضاً لفت الانتباه إلى أهمية التنمية التى تحقق ارتفاع مستوى الدخل والمعيشة للمواطن، بجانب تعديل الخطاب الدينى.
و الذى أيده "محمد نور" امام و خطيب مسجد بالمنيا، حيث أشار إلى أهمية تجديد الخطاب الدينى كجزء أساسي من حل الأزمة المجتمعية التى تعانى منها محافظة المنيا نتيجة لسطوة التيار الدينى بها، و أشار نور إلى الخطوات التى اتخذها بالفعل الأزهر الشريف من أجل إعادة الوسطية مرة أخري للخطاب الدينى فلم تعد هناك مساجد خارج رقابة الأزهر الكاملة و تحت إشراف وزارة الأوقاف, و أشاد بدور كل من الأزهر والكنيسة فى معالجة الفتن الطائفية من خلال "بيت العائلة" ونشر قيم التسامح والمحبة بين المصريين.
كانت ولا زالت المنيا أحد أكثر المحافظات سخونة حتى هذه اللحظة ، فما كادت تهدأ الأمور حتي اشتعلت مرة اخرى في "البدرمان" و "بنى عبيد"، حيث أكد نيافة الانبا "مكاريوس" أسقف عام المنيا، تورط جماعه الإخوان بالأحداث و إشعال الأوضاع مما أدى لسقوط 4 قتلى فيما أصيب ما يقرب من 20 آخرين فى تلك الأحداث.
رغمًا عن ذلك كله سيظل الأمل موجوداً و هو ما أكدته الطفلة "ثيؤدورا" التي تبلغ من العمر 6 سنوات التى اجابت بوضوح حينما وجهنا سؤالاً لها، "أنتي خايفة من حاجة ؟" فردت ببساطة الاطفال : "لا.. لان ربنا معايا".