الأقباط متحدون - الفرحة
أخر تحديث ١٠:٥٠ | الاثنين ١٦ ديسمبر ٢٠١٣ | كيهك ١٧٣٠ ش ٧ | العدد ٣٠٤٢ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

الفرحة

علي سالم
علي سالم

«الدنيا ليست محلا للسعادة، بل للإنجاز».. مقولة شهيرة للفيلسوف شوبنهور. وبذلك تكون كلمة «السعادة» مجرد وهم لانعدام دلالتها على شيء له وجود، أو هي في القليل طوق نجاة اخترعه الإنسان لينقذ به نفسه من الغرق بين أمواج التعاسة التي تحيط به من كل جانب. وإذا كان المقصود بالبحث عن السعادة هو الوصول إلى الفرحة الدائمة، فلا بد من الاعتراف بأن الفرحة بطبيعتها لا تعرف الدوام، بل هي لحظات جميلة منعشة يشعر بها الإنسان عقب كل إنجاز يقوم به. هكذا يمكن القول إن الإنجاز والفرحة متلازمان وإن في غياب أحدهما غيابا للآخر.

حديثي معك اليوم هو عن الفرحة الناتجة عن الإنجاز، وفي المقابل، هو أيضا حديث عن التعاسة الناتجة عن العجز عن الإنجاز عند الفرد والجماعة. والفرحة انفعال لا بد أن تسبقه عمليات تفكيرية داخل العقل، وهو ما يجب أن نتوقف عنده قليلا لنتعرف على ما يحدث داخل العقل في حالة الفرحة.

كانت آخر فرحة على مستوى الأمة العربية عندما حصلت دبي على امتياز إقامة المعرض الدولي «إكسبو 2020» على أرضها. عشرات الألوف من البشر خرجت إلى الشوارع تعلن عن فرحتها، وبتحليل هذه الفرحة يتأكد لدينا بالفعل أن الدنيا ليست محلا للسعادة، بل للإنجاز، كما يتأكد لدينا أن المصدر الوحيد لفرحة البشر في كل زمان ومكان هو الإنجاز.

لقد تكلم المراقبون ومقدمو البرامج عن عدد الزوار وعن المكاسب المادية الناتجة لإقامة هذا المعرض، غير أن كل الكلمات من هذا النوع عاجزة عن وصف الأفكار التي أدت إلى هذه الفرحة. وأنا أقرأ هذه الأفكار على النحو التالي: «لسنا بإنجازاتنا أقل من الآخرين، نحن نستطيع التنافس مع الآخرين من شعوب الأرض، نحن قادرون على الفوز والانتصار، ليس بالأسلحة الذرية والكيماوية والشعارات البلهاء أو بالأكاذيب وادعاء التفوق، بل بانضباطنا وقدرتنا على تقديم مكان لهذا المعرض يتميز بالأمان والرقي والقدرة على حماية ضيوفنا. لسنا نائمين في كهوف الماضي، بل نحن جزء يقظ من هذا العصر، ونحن فخورون بذلك.. نحن فرحون».

هذا عن الفرحة عند المجتمعات، أما الفرحة عند الفرد فلعل أوضح مثال لها هو في مباريات كرة القدم عندما يتمكن اللاعب من إحراز هدف في مرمى الفريق الخصم، فجأة يتحول هو إلى تجسيد للفرحة تقفز وتجري على الأرض بينما زملاؤه يندفعون لاحتضانه. أما جماهير ناديه فالفرحة عندهم تتحول إلى صيحات جميلة هائلة. هم واقعيا لم يحرزوا أهدافا غير أنهم في جزء من الثانية توحدوا باللاعب الهداف، أصبحوا هم وهو جسما واحدا وعقلا واحدا، وهو ما يلخص دور الفرد داخل الجماعة. في اللحظة التي يحرز فيها الفرد هدفا يشعر كل من هم حوله بأنهم حققوا نفس الهدف.

إنجاز الفرد هو الشكل الواضح لإنجاز المجتمعات، وهو ما يشعره ويشعرها بالفرحة. لذلك سنجد أن المجتمعات التعسة الفاشلة تشعر باستياء من تفوق الإنسان الفرد لأنها عاجزة عن التوحد به وبإنجازاته. لقد حدثتك عن الفرحة، ترى.. ماذا دعاني لذلك؟

يقولون إن الإنسان يتكلم كثيرا عما ينقصه، في الغالب تنقصني الفرحة.. يا رب.. فرحني يا رب.

نقلا عن الشرق الاوسط


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع