طارق الشناوي | الاثنين ٣٠ ديسمبر ٢٠١٣ -
٣٣:
١٢ م +02:00 EET
طارق الشناوي
70 عاما عاشها الفرنسي جان سواك تحت وطأة الظلم، عندما فُصل من العمل في وزارة التربية الوطنية الفرنسية، بعد أن رفض التجنيد في صفوف الأعداء الألمان أثناء الحرب العالمية الثانية، وأخيرا جاءه الإنصاف، وأعادوه للخدمة بعد أن تجاوز الـ94، وكان تعقيبه على القرار أنه «تأخر بعض الشيء»، هذا هو ما نشرته قبل أيام قلائل «الشرق الأوسط».. تخيلوا رجلا يقف على شاطئ النهاية، ويرى إهدار العقود السبعة من عمره مجرد «فركة كعب».
تقول الحكمة «اليأس حر.. والرجاء عبد»، تخيلوا أن هذا الرجل لم يتوقف عن مناشدة المسؤولين، وأمضى عمره في عرض قضيته، وأخيرا وجد من ينظر بعين الحق والإنصاف لأوراقه، هل كان عليه أن ييأس لينعم بحريته، أم أنه اختار الطريق السليم؟! أتصور أن الحرية هي في الإمساك بالرجاء، والعبودية هي في الارتكان لليأس، نعم، هناك ثمن ندفعه، هذا الرجل كان عنوانا للنضال، حتى ولو كانت قضيته في الظاهر شخصية جدا، فهو من عمر المناضل الراحل نيلسون مانيلا الذي كانت دائرة أحلامه تحتوي العالم كله، وعندما ساوموه على حريته مقابل أن يتنازل عن مبادئه، اختار السجن، بينما جان سواك أراد فقط إعادته إلى وظيفته، ولكن بنظرة أكثر تأملا تكتشف أن مجرد إصراره على انتزاع الحق بالعودة لوظيفة، هو بالتأكيد لم يعد قادرا على أن يشغلها، تضرب مثلا لنا جميعا بأن الرجاء حر والنضال حتى آخر العمر.
نستقبل بعد ساعات عاما جديدا، وكأن هذا العام قد مر علينا فقط في بضع ساعات، استقبلت 2013 بمقال متفائل نشرته في تلك المساحة، عنوانه «أجمل التاريخ كان غدا»، عن قصيدة سعيد عقل «مرّ بي»، التي شدت بها فيروز بلحن عبد الوهاب، السنوات بات إيقاعها لاهثا، لدينا جميعا آمال شخصية وعامة نحملها على ظهورنا من أعوام سابقة، وتزداد ثقلا مع تراكم الأيام، هل ننتظر بابا نويل لتحقيقها. في مصر باتت العائلات الثرية تؤجر بابا نويل بزيه المعروف وذقنه البيضاء لمدة دقائق معدودة، مقابل 60 دولارا، ليقدم هدايا مدفوعة الثمن مسبقا لأبنائهم.
هل ينقذ بابا نويل شعوبنا العربية مما نعانيه لو عقدنا معه صفقة؟! ولكن السؤال: من يدفع الثمن؟! تتذكرون حالنا في 2011 مع بداية ثورات الربيع العربي، كيف كنا ننتظر المقبل بفرح ونشوة، وشعرنا بأن المستقبل المزروع بعبير ثورتي الياسمين واللوتس هو الأروع، ثم تابعنا ما حل بعد ذلك ببلاد الربيع، التي تعيش في خريف طال مداه، كانت الثورات ضرورة لأنها ضد الظلم الذي عانته تلك الشعوب، وما حدث بعد ذلك من تداعيات حال دون أن نتنفس عبير الحرية وتعيش نشوة الانتصار كان هو الأعراض الجانبية لما مارسته السلطات الحاكمة في تلك البلاد، حيث جرى تجريف المجتمع المدني، وعندما حان وقت قطف الثمرة تنازع الجميع، وظهرت الجماعات المتطرفة التي تتدثر بالدين تريد الاستحواذ على كل شيء.
حالنا الثقافي والفني به أمل مشوب بقدر من الإحباط، ولكن لا يمكن أن نغفل أننا حققنا بعض الومضات، راجع فقط كم عدد المهرجانات التي استطعنا أن نطلقها في عالمنا العربي خلال السنوات الأخيرة، يراودنا العام المقبل أمل في أوسكار أفضل فيلم أجنبي، مع «عمر»، للمخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد، وفتحت المخرجة السعودية هيفاء المنصور باب السينما في المملكة العربية السعودية، بفيلمها «وجدة».
«إيه فيه أمل» على رأي فيروز، حتى لو «تأخر بعض الشيء»، على رأي جان سواك!
نقلا عن الشرق الاوسط
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع