عمرو الشوبكي
| الاثنين ٣٠ ديسمبر ٢٠١٣ -
٣٩:
٠٨ م +02:00 EET
الدستور
تنقلت على مدار الأسبوعين الماضيين بين محافظات مصر المختلفة لمناقشة مواد الوثيقة الدستورية التى سيستفتى عليها الشعب المصرى فى 14 و15 يناير المقبل، فبدأت فى بنى سويف فى مؤتمر جماهيرى نظمه المهندس محمد صفى الدين، وشارك فيه رئيس الحزب الديمقراطى الاجتماعى د. محمد أبوالغار، ونائبه أ. فريد زهران، ثم عدت فى اليوم التالى إلى بنى سويف مرة أخرى بدعوى من الجامعة للمشاركة فى مؤتمر حاشد امتلأت به قاعة مؤتمرات الجامعة.
وذهبت بعدها إلى الإسماعيلية إلى جامعة قناة السويس، فى مؤتمر نظمة رئيس الجامعة وزميلنا المحترم فى لجنة الخمسين د. محمد محمدين، ثم مدينة تلا بالمنوفية، ثم إلى الإسكندرية، وأخيرا المشاركة فى مؤتمر الجمعيات التعاونية بقاعة المؤتمرات بالقاهرة، وحضره 10 آلاف فلاح تعاونى فى مؤتمر هو الأكبر فى رحلة عرض مواد الدستور.
والحقيقة أن المتكرر فى كل هذه المؤتمرات هو هذا الشعور الفياض الذى يبديه الناس فى دعم «الجيش والشرطة»، والهتاف لهم أكثر من أى حزب أو زعيم سياسى، وهو أمر غير معتاد فى الحياة السياسية فى مصر أو فى أى دولة أخرى فى العالم، وعلينا أن نتأمل أسبابه.
أما الفريق السيسى فقد كان هو الحاضر فى هتافات عشرات الآلاف من المواطنين فى كل المدن التى زرتها، حيث هتف آلاف الفلاحين لصالح ترشيح السيسى، وهو ما دفع رئيس لجنة الخمسين والمرشح الرئاسى السابق عمرو موسى إلى أن يقول لهم: عليكم لكى تطبقوا مواد هذا الدستور أن تنتخبوا برلمانا تثقون فيه والرئيس الذى تهتفون باسمه.
أما زيارة تلا بدعوة من النائب السابق محمد أنور السادات، وبمشاركة د. السيد البدوى، رئيس حزب الوفد، ود. محمد أبوالغار، رئيس الحزب الديمقراطى الاجتماعى، وم. أشرف ثابت عن حزب النور، وبحضور الآلاف من أهالى المنوفية الذين حملوا معهم الوثيقة الدستورية وطرحوا أسئلة فى غاية الأهمية، وأيضا لم تنقطع هتافاتهم للجيش والشرطة والفريق السيسى.
وقد دعانا النائب السادات بعد المؤتمر إلى بيت عمه الرئيس الراحل أنور السادات فى ميت أبوالكوم، فى حضور نائبين عن حزب الوفد، وأبدى الجميع تخوفهم من عودة رموز الحزب الوطنى القديم، وتحدثوا عن مؤتمراتهم المتكررة فى المنوفية وهتافاتهم أيضا لصالح الجيش والفريق السيسى.
واللافت أن مؤتمر تلا ضم جماهير قوى معارضة ومستقلة غير محسوبة على الحزب الوطنى، ومع ذلك أعلنت بشكل تلقائى دعمها للسيسى، وتكرر نفس الأمر فى مؤتمر الغرف التجارية بالإسكندرية، أمس الأول، حيث شارك فيه حوالى ألفين مواطن، وكان التوجه العام هو البحث عن بديل من خارج النخبة السياسية والحزبية التقليدية والهتاف له.
هناك أسباب كثيرة لهذا التوجه، منها ما جرى فى مصر من تسيب واستباحة بعد 25 يناير، وهذا النزوع نحو الفوضى تحت مسمى الثورية، وفشل كثير من الائتلافات والأحزاب التى احتكرت الحديث باسم الثورة فى أن تقدم بديلا للناس غير دعاوى الهدم والتفكيك التى راجت فى مصر على مدار ثلاث أعوام.
البعض لايزال يتصور أن السيسى فى يده عصى سحرية ستخلص مصر من كل مشاكلها لأنه يحلم بصورة الزعيم المخلص، والمؤكد أن قيام السيسى بتدخل عسكرى لعزل مرسى تنفيذاً لإرادة شعبية، لم تعرف عنه أمريكا شيئاً، وحين عرفته لم ترحب به، داعب فى وجدان كثير من المصريين قضية الكبرياء الوطنى والقدرة على عمل فعل من العيار الثقيل خارج الإملاءات الأمريكية.
البعض قد يرى أن الرجل هو «قدر مصر»، وأنه الأقدر على الساحة لقيادة البلد فى هذا التوقيت، فهو ابن الدولة التى حمى جيشها مصر من الانهيار وحال دون سقوطها فى المصير الأسود لبلدان كثيرة مجاورة، ولكنه فى نفس الوقت ابن المؤسسة التى مهمتها الأساسية حماية الحدود والأمن القومى وليس الحكم.
مصر العميقة فى اتجاه وجانب كبير من نخبتها وشبابها فى اتجاه آخر، ومن يريد أن يساهم فى بناء هذا الوطن عليه أن يتفاعل مع الشعب الحقيقى وينقل وعيه للأمام، وفى نفس الوقت يتعلم منه لا أن يتعالى عليه ويعيش متحدثا عن شعب افتراضى.
نقلآ عن المصري اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع