فاروق عطيه
تقع الجمهورية اليمنية جنوب غرب شبه الجزيرة العربية. تبلغ مساحتها حوالي 527,970 كيلو متر مربع، بحدها شمالا المملكة السعودية و شرقا سلطنة عمان وجنوبا بحر العرب وغربا البحر الأحمر. عاصمتها وأكبر مدنها هي صنعاء، ولها أكثر من 200 جزيرة في البحر الأحمر وبحر العرب أهمها جزيرة سقطرى. وهي الدولة الوحيدة في الجزيرة العربية ذات النظام الجمهوري.
لليمن طبيعة قبلية حيث يعيش غالب السكان في الأرياف وتشكل القبائل قرابة 85% من التعداد الكلي للسكان البالغ حوالي 26 مليونا وتلعب الانتماءات القبلية والمناطقية دورا كبيرا في رسم الخارطة السياسية للبلاد وهو البلد الثاني بعد الولايات المتحدة كأكبر نسبة امتلاك الأفراد للسلاح. يقطن اليمن أغلبية سنية شافعية وأقلية زيدية كبيرة وأقليات صغيرة من إسماعيلية ويهود ومسيحيين.
حضارة اليمن القديم تبدأ من أواخر الألفية الثانية ق.م حيث قامت مملكة سبأ ومَعيَّن وقتبان وحضرموت وحِميَّر. وضع اليمنيون القدماء أحد أقدم الأبجديات في العالم وهي ماعرف بخط المسند الذي استخدمه المتحدثون بالعربية الشمالية القديمة واللغات السامية في إثيوبيا . أطلق عليها الإغريق تسمية (يونانية: Αραβία ευδαιμονία، لاتينية: Arabia Felix) و تعني العربية السعيدة ولذا مازلنا نطلق عليه أو نسميه باليمن السعيد.
حتي النصف الأخير من القرن الماضى كانت اليمن منقسمة إلي اليمن الشمالى أو المملكة المتوكلية تحت حكم الإمام أحمد والإمام بدر من بعده. أما الجنوب اليمني فقد كان تحت الحماية البريطانبة ويتكون من العدبد من السلطنات والإمارات والمشيخات التي وصل عددها إلي حوالى 22 سلطنة ومشسخة وإمارة, أهمها عدن وحضرموت وشبوه وآبين ولحج وبيحان والقعيطي والعسيري وسقطري.
قامت ثورة 26 سبتمبر في 1962 واستطاعت إسقاط المملكة المتوكلية في الشمال بمساندة الجيش المصري للثوار. قامت الثورة لإن الحكم الإمامي أبقى شمال اليمن معزولا عن العالم الخارجي فلا كهرباء ولا بنية تحتية للبلاد. أعلن عبد الله السلال وعبد الرحمن البيضاني وعبد الغني مطهر قيام الجمهورية بعد يوم واحد من الاقتتال مع القوات الملكية ومحاصرة قصر الإمام البدر. وأعترف الأميركيون بالجمهورية العربية اليمنية في 14 نوفمبر 1962 شريطة انسحاب المصريين. وقامت السعودية والأردن ومن خلفهما بريطانيا بدعم الإمام البدر وإغراق اليمن بالأموال لإفشال الثورة. لم يكن الدافع الوحيد للسعوديين لدعم الإمام الزيدي هو الخوف من المد الناصري، بل الخوف من قيام جمهورية قوية في اليمن قد تنهي الهيمنة السعودية على شبه الجزيرة العربية. انسحب الجيش المصري بعد النكسة عام 1967 مما مكن الملكيين من حصار صنعاء فيما عرف بحصار السبعين, ورغم تفوق الملكيين والإمدادات المستمرة، انتصر الجمهوريين وفكوا الحصار عن صنعاء في فبراير 1968, بعدها أدرك السعوديون أن مساعيهم لإضعاف الجمهوريين لن تنجح وهو مادفعهم لإستعمال وسائل مغايرة.
تزامنت الثورة في شمال البلاد، مع مساعي الجنوبيين للتخلص من الوجود البريطاني في عدن. كانت عدن أكثر تقدما وعمارا ونسبة التعليم مرتفعة بين سكانها نتاج الإدارة الإنجليزية لها, أما المناطق القبلية المحيطة بها كحضرموت وشبوة وأبين لم تختلف كثيرا عن المناطق الشمالية لليمن. عقد الإنجليز معاهدات صداقة مع سلاطين القبائل المحيطة بمحمية عدن. في خمسينات القرن العشرين تأثر أهالي المستعمرات من العرب بخطابات جمال عبد الناصر الصادرة عن إذاعة صوت العرب وكان لسياسات الإنجليز التعسفية والمتجاهلة لمطالب العرب في عدن دور رئيسي في تنامي تلك المشاعر فعرض إقامة ماعرف بإتحاد الجنوب العربي وهو اتحاد فدرالي يجمع خمسة عشر سلطنة منتشرة في أرجاء المستعمرة أملا في تخفيف حدة المطالب الداعية للاستقلال الكامل, وظهرت حركات مقاومة مثل جبهة التحرير القومية المدعومة من مصر. وجبهة تحرير جنوب اليمن المحتل المختلفة في التوجهات عن السابقة وأعلنت حالة الطوارئ (إنجليزية: Aden Emergency) في 10 ديسمبر 1963 عندما ألقى عناصر من جبهة التحرير القومية قنبلة أدت إلى مقتل المندوب السامي البريطاني. واستمرت هجمات الفصائل حتى انسحبت القوات البريطانية عن عدن في 30 نوفمبر 1967 قبل الموعد المقرر من قبل رئيس الوزراء البريطاني هارولد ويلسون بثلاث سنوات وقامت جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية التي تشمل جميع السلطنات والمشبخات والجزر وعاصمتها عدن.
كانت الوحدة هدفاً لكلا النظامين في الشمال والجنوب منذ ستينيات القرن الماضي وكلا الجمهوريتين أنشئتا مؤسسات خاصة لشؤون الوحدة ولكن إختلاف النظام السياسي والإقتصادي كان عاملا معرقلاً وهو العامل الرئيس إضافة لعوامل أخري مثل رفض عملاء السعودية من مشايخ القبائل وحلفائهم من القوى المحافظة للوحدة, بحجة أن الجنوب إشتراكي وسيؤمم الشمال إضافة لتحفظات إجتماعية, ولكن التغييرات الداخلية والخارجية الطارئة ساعدت على قيامها. تم إعلان الوحدة رسميا في 22 مايو 1990 وإعتبار علي عبد الله صالح رئيسا للبلاد وعلي سالم البيض نائبا لرئيس الجمهورية. لم تستطع أي من الدولتين اليمنيتين فرض نظامها ورؤيتها على الآخر فقامت الوحدة السياسية قبل دمج المؤسسات العسكرية والإقتصادية ويبدوا أن علي سالم البيض وعلي عبد الله صالح أرادا بحث أمر هذه المؤسسات بعد الوحدة. أعاد علي عبد الله صالح التحالف القديم بينه وبين القوى القبلية والدينية في حزب التجمع اليمني للإصلاح ليكونوا ثقلا موازناً للحزب الإشتراكي والذي كان إلى تلك الفترة، حزباً مناطقياً وممثلا للجنوب
تزايد الشقاق والخلافات والاغتيالات بعد الوحدة لإن كلا الطرفان دخل الوحدة لمكاسب سياسية سريعة وعمل جاهداً على المناورة لتوسيع نفوذه على حساب الآخر. اغتيل 158 سياسي من جنوب اليمن في الفترة مابين 1991 و1993 وهو ما فاقم الخلافات بين علي سالم البيض وعلي عبد الله صالح، اتهم علي عبد الله صالح السعودية بالوقوف وراء الإغتيالات ولكن الحقيقة هي أن صالح كان هو المحرك للجهاديين باعتبارهم حلفاء للتخلص من الحزب الإشتراكي الشريك السياسي في اتفاقية الوحدة, ولم يقدم أي من الجهاديين للمحاكمة ولم تبذل الأجهزة الأمنية جهداً يذكر لإيقاف مسلسل الاغتبالات.
شارك حزب المؤتمر الشعبي(الشمالي) والحزب الإشتراكي اليمني(الجنوبي) وحزب التجمع اليمني للإصلاح وثلاثة آلاف سياسي مستقل في الانتخابات البرلمانية اليمنية 1993. حاز حزب المؤتمر الشعبي بقيادة صالح على 123 من 301 مقعد في مجلس النواب اليمني و 62 مقعد لحزب التجمع اليمني للإصلاح و 56 للحزب الإشتراكي اليمني بقيادة البيض, وبقية المقاعد لمرشحين مستقلين. كانت النتيجة مخيبة لآمال الحزب الإشتراكي اليمني فطالب البيض بحكم ذاتي لجنوب اليمن وتمثيل متساو في المناصب بين الجنوبيين والشماليين. وساهم إكتشاف حقول نفطية جديدة عام 1993 في حضرموت مسقط رأس علي سالم البيض في زيادة حدة الخلاف وأصر البيض على موقفه الرافض لأي شيئ أقل من مناصفة السلطة مع الشمال, ووصلت المحادثات الى طريق مسدودة حتى توسط الحسين ملك الأردن ووقع صالح والبيض على وثيقة العهد والاتفاق في العاصمة الأردنية عمَّان في فبراير 1994.
لم يندمج الجيشان بعد الوحدة وفي أبريل عام 1994 تم تبادل اطلاق النار في معسكر تابع لليمن الجنوبي قرب صنعاء سرعان ما تطورت لحرب كاملة في 20 مايو 1994 وقامت حرب 1994 الأهلية في اليمن بعد ثلاثة أسابيع من تساقط صواريخ سكود على صنعاء، وأعلن علي سالم البيض نفسه رئيساً على دولة جديدة سماها جمهورية اليمن الديمقراطية من عدن. انتصرت الحكومة اليمنية واعادت السيطرة على عدن في يوليو 1994 وفر علي سالم البيض إلى سلطنة عمان.
مرت اليمن بأوضاع سياسية واقتصادية صعبة نتيجة الفساد والصراعات الإثنية والدينية التي أعاقت مسيرة التنمية. وقامت ثورة الشباب اليمنية في (2011 - 2012) مطالبة بإسقاط علي عبد الله صالح الذي حكم البلاد لمدة 33 سنة, وأثمرت الإحتجاجات في تنحيته وأبنائه عن المشهد السياسي. وانعقدت جلسات الحوار الوطني اليمني في 18 مارس 2013 لإيجاد حلول لمشاكل اليمن العالقة. اختتم مؤتمر الحوار الوطني في 25 يناير 2014 وتم الإتفاق على دولة إتحادية من عدة أقاليم على أن يترأس عبد ربه منصور هادي لجنة لتحديدها ولجنة أخرى لصياغة الدستور. وتم إعلان اليمن دولة اتحادية مكونة من ستة أقاليم منذ أبام, وهو الإعلان الذى جاء على لسان الرئيس عبد ربه منصور هادى, وبه تكون اليمن قد خطت الخطوة الأولي في الطريق الصحيح. ففى الشكل الجديد للدولة بنظام الاتحاد الفيدرالي حلاً للأزمات التى عاناها اليمن وأن المرتكزات التى سيقوم عليها النظام الاتحادى تتمثل فى تمتع المواطنين اليمنيين بكافة الحقوق والواجبات، إضافة إلى التجانس لضمان الاستقرار الاجتماعى والاقتصادى. ومن المهم أن تتوافر القناعات القوية لدى النخب السياسية الفاعلة أن النظام الجديد يعد فرصة لإعادة الحياة إلى بلد أنهكته الصراعات خلال السنوات الخمسين الماضية, وأن الوقت قد حان ليختبر اليمنيون أنفسهم فى هذا التحدى الذى سيجعلهم قادرين على حكم أنفسهم بأنفسهم من خلال التنافس فى إدارة الأقاليم التى سيتم تشكيلها وفق معايير جغرافية تنهى حالة الصراع القائم حالياً على أساس "شمال وجنوب".
وهي خطوة فارقة نتمني أن تخطوها أي من الدول العربية التي تعاني من مشكلات دينية أو عرقية معرقلة لتقدمها وازدهارها, فالفيدرالية هي الحل.