علي سالم | الأحد ٢ مارس ٢٠١٤ -
١٤:
٠٨ ص +02:00 EET
علي سالم
في منتصف خمسينات القرن الماضي وربما بعدها أو قبلها بقليل، نشرت إحدى الجرائد خبرا في قصة أو قصة في خبر عن فلاح من إحدى قرى محافظة المنوفية، كان في طريقه إلى عاصمة المحافظة سيرا على الأقدام، وذلك للذهاب إلى عيادة الطبيب الذي كان يعالجه من الضغط والسكر وعدة أمراض أخرى. وفي الطريق الزراعي شعر بالتعب فجلس على رأس حقل برسيم ليستريح قليلا. في حقول البرسيم ينمو عادة نباتان بشكل تلقائي، وهما السريس والجعضيض، وهما نباتان لذيذان وخصوصا عندما يؤكلان مع الجبن القريش. مد الرجل يده في الحقل وانتزع عدة أوراق من السريس، ثم أخذ يمضغها في تلذذ. وفجأة شعر برغبة قوية في أن يأكل عدة أوراق من البرسيم، وهذا ما حدث بالفعل، بعدها أحس بالارتياح والرغبة في النوم. استيقظ الرجل بعد ساعة فواصل طريقه إلى عيادة الطبيب.
وفي العيادة اكتشف الطبيب اكتشافا مذهلا، قاس له الضغط فاتضح أنه في معدله الطبيعي، تحليل السكر في الدم أثبت أنه طبيعي، كشف على القلب فوجده قلب شاب رياضي. فسأله: أنت شخص طبيعي الآن لا تشكو من أي مرض.. ما هي حكايتك..؟ فقال القروي: والله يا دكتور حكايتي لن تصدقها حضرتك ولن يصدقها أحد.. لقد أكلت برسيما من نحو ساعتين، ونمت ثم استيقظت في حالة من النشاط لم أعرفها إلا عندما كنت شابا صغيرا.
هذه هي الحكاية كما نشرتها الجريدة التي تخصصت في نشر الأخبار والقصص المثيرة، بعدها بأيام أعلن صاحب محل عصير في منطقة المبتديان في حي السيدة زينب، بأنه سيقدم لزبائنه عصير برسيم بعد أن أطلق عليه اسم «عصير الربيع الصحي». وفي ساعات قليلة وقفت الناس في طوابير طويلة لكي يحصلوا على كوب عصير برسيم.
نشط رسامو الكاريكاتير وقاموا بحملة ضد هذا السلوك الهمجي من الآدميين، الذين يسرقون طعام أكثر الحيوانات صبرا ونبلا، وهو الحمار. ولكن بحسابات المكسب والخسارة اكتشفت الحكومة أنها مقبلة على كارثة، فالبرسيم هو طعام الحمير، والحمار هو ذراع الفلاح اليمنى، هو يعمل في الحقل ويحمل أثقاله كما أنه يذهب بالأطفال إلى المدرسة ويعود بهم. وأهم ميزة فيه هو أنك لا تعاني عندما تنزل من عليه من مشكلة الـ« parking» لأنه الحيوان الوحيد الذي يعرف طريق العودة إلى البيت.
بدأت محلات العصير في مصر كلها تخطط لتقديم عصير البرسيم فارتفعت أسعاره وتضاعفت عشرات المرات، هنا بدأت الناس تكتشف بأنه حتى بفرض أن عصير البرسيم يشفي بعض الناس من بعض الأمراض، وهو الأمر الذي لم يؤكده أو يثبته العلم، فإنه ينذر بكارثة تنزل على البلاد كلها وتدمر ثروتها الزراعية. وهنا تدخلت الحكومة ومنعت تقديم البرسيم للبشر.
لست أعرف لماذا تذكرت هذه الحكاية، الواقع أني منذ ذلك الوقت البعيد أتساءل: ما الذي يجعل بعض الناس تفكر فينا بوصفنا حميرا..؟ أم أن الإنسان بوجه عام لديه رغبة دفينة وقوية لأن يكون حمارا؟
أنت تعرف غرامي بالبحث والغوص داخل الكلمات، ما هي صلة الاستحمار بالاستعمار، وهل المستحمر هو نفسه المستعمر، المستعمر يحتل أرض الناس وأوطانهم، أما المستحمر فهو يحتل عقولهم ليس لأنهم حمير بل لأنه هو نفسه حمار.
نقلا عن الشرق الاوسط
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع