د. نوال السعداوى | الاثنين ٣ مارس ٢٠١٤ -
٠٨:
١٠ ص +02:00 EET
د. نوال السعداوى
قرأت تعليقا على مقالى السابق، موقعا باسم «ناس حداهوم أحمد»، أول مرة أسمع الاسم غير المألوف والتعليق أيضا غير مألوف، جاء فيه الآتى:
جميل جدا أن تكونى فى طفولتك بهذه الرهافة وهذا الإحساس البرىء، رائع جدا أن تطرحى هذه الأسئلة خلال طفولتك على نفسك وعلى الله أيضا وتبحثى عن العدالة التى لم تكن يوما موجودة ولا هى ستكون كذلك على المدى القريب والطويل، ما حدث لك أيتها السيدة الكريمة هو ظهور إشارات عن الحكمة التى كانت بداخلك، هذه الأسئلة هى نعمة الفكر الذى كان يكمن فى أعماقك، تنبئك بأنك ستكونين كاتبة ومبدعة تمتعين الناس بعلمك وعبقريتك، شكرا لك على هذا البوح الذى أجد له شبيها فى أعماقى، سواء فى طفولتى أو فى مراحل أخرى من حياتى، أما الله يا عزيزتى فهو كما وصفته السيدة أم كلثوم فى أغنيتها الخالدة الله محبة والخير محبة والنور محبة ولا شىء غير ذلك.
لا أعرف إن كان هذا التعليق بقلم رجل أو امرأة، ولا يهمنى أن أعرف، فهذه كلمات تعلو على الجنس والأجناس والأنواع والديانات والقوميات والهويات الضيقة العنصرية التى تفرق الشعوب وتقسمها لصالح القوى الحاكمة، هذا التعليق دليل على أن الرهافة تجذب إليها الرهافة، والحكمة تجذب الحكمة، والبراءة تجذب البراءة، والإبداع يجذب الإبداع، والمحبة تجذب المحبة، وأن الأسئلة فى طفولتنا هى نعمة الفكر الذى يكمن فى أعماق كل طفل وطفلة، وهى إشارات عن الحكمة الكامنة فى كل إنسان منذ الطفولة، ترشدنا إلى ما نريد أن نكون مبدعين ومبدعات فى أى مجال من العلوم أو الفنون.
التعليق الثانى كان لشخص اسمه توفيق شلبى، يدل على أن الإعاقة الفكرية تكمن فى خلايا الجسم ، وهى نتاج التربية والتعليم منذ الطفولة، قال إن مقالى خبيث لا يخرج إلا من عقل خبيث يحاول تشكيك المؤمنين والمؤمنات فى عدالة الله، والحط من قدسية العضو الذى منحه الله للذكر، وهو إله الإخصاب العظيم الذى لولاه لماتت البشرية، وكان الإلهام الإلهى للمبدعين والفنانين فرسموه فوق جدران المعابد على شكل قدس الأقداس والرب الأب كبير العائلة، فكيف يمكن تشبيه هذا المقدس بالزائدة الدودية؟ هذا تشبيه خبيث لأن الزائدة لا وظيفة لها ويمكن بترها كما تبتر الغرلة والبظر فى عملية الطهارة لكن هذا العضو هو السر الأعظم وراء كل شىء عظيم.
الفرق هائل بين التعليقين على مقال واحد، ينم كل تعليق عن مقدار ما تبقى فى الأعماق منذ الطفولة من وعى بالحكمة والعدالة والمحبة والرهافة والإبداع.
المشكلة أن نظم التربية فى البيت والمدرسة تطمس الإشارات عن الحكمة داخل كل طفل وطفلة، وتسخر من أسئلة الأطفال الفطرية الذكية، وتحول نعمة الفكر داخل كل طفلة وطفل إلى نقمة.
كنت طفلة محظوظة ، سمعت جدتى تقول، الأطفال أحباب الله كشف عنهم الحجاب، كانت فلاحة تقاوم الظلم والعبودية، زغردت يوم مات زوجها الذى اقترن بغيرها دون علمها، وثارت مع الفلاحين ضد العمدة والملك والإنجليز، ورث أبى عنها جينات الكرامة والعدالة، أما أمى فكانت ترحب بأسئلتى وإن كانت لامعقولة فى نظر الآخرين وتقول: أول الطريق إلى الإبداع سؤال طفولى لامعقول.
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع