ماجد سوس
الإختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية ، هي المقولة الشهيرة التي قالها أحمد لطفي السيد، أول رئيس لجامعة القاهرة و وزيرا للمعارف و وزيرا للداخلية و الذي كان رئيسا لمجمع الكتب . و قد قال هذه العبارة الشهيرة التي تناقلتها الأجيال عندما رأى ان هناك من لا يحترم آراء الآخرين و وجهات نظرهم بل يصل الإختلاف الى حد التشدد بل و التكفير في بعض الأحيان و أصبحت هذه المقولة الذهبية هي عماد الإعلام الحيادي الحر الشريف و بل و أصبحت على المستوى الفردي هي من مكونات الشخصية الجديرة الإحترام في المجتمع .
على اننا نقول هذا بمنتى الأسى انه في الآونة الأخيرة بات من يقبل آراء الآخر ، وحتى و ان اختلف معه فكريا ، بمثابة العملة النادرة الوجود و يتزايد الحزن عندما تتسربت ثقافة عدم احترام اراء الآخر الى الأديان و بالطبع اقصد الى البشر على اختلاف مكانتهم داخل المؤسسات الدينية سواء قادة او رعية
فتجد داخل المجتمع الديني من لايقبل الآخر المختلف معه فكريا
نجد في الكتاب المقدس رجال الله يستمعون و يقبلون اراء الآخرين فها هو موسى النبي العظيميأخذ برأي هارون المخالف لرأيه والمخالف حتى لما كان يعتقد موسى فيها بأنها مشيئة الله ففي سفر اللاويين ( 10 : 16 – 20 ): «… وسأل موسى عن تيس الخطية، فإذا هو قد أحرق، فغضب على ألعازار وإيثامار ابني هارون الباقيين وقال : «ما بالكما لم تأكلا ذبيحة الخطيئة في الموضع المقدس، وهي قدس أقداس، وقد أعطاكما الرب إياها لتحملا وزر الجماعة تكفيراً عنهم أمام الرب. فها إنّ دمها لم يؤت به إلى داخل القدس، وقد كان يجب ان تأكلاها في المقدس، كما أمرت». فقال هارون لموسى: «إنهما اليوم قد قدما ذبيحة خطيئتهما ومحرقتهما أمام الرب، وقد أصابني مثل هذه المصائب. فلو أكلت اليوم ذبيحة الخطيئة، هل كان ذلك يحسن في عيني الرب؟» فلما سمع موسى ، حسن ذلك في عينيه ". كان من الممكن أن نرى موسى متشبسا برأيه مبررا ذلك بانه يعرف مشيئة الله أكثر منهم فهو كليم الله الذي يأخذ من الله مباشرة
بولس الرسول العظيم ذهب ليأخذ آراء من سبقوه من التلاميذ و صعد إلى أورشليم وعرض كرازته على المعتبرين أعمدة الكنيسة ( غلاطية 2 : 1 – 2 ) المعتبَرين يقصد بهم كبار الرسل بطرس ويعقوب ويوحنّا
أمّا عن بطرس فرغم مكانته العظيمة بين الرسل الا انه قبل معاتبة بولس له و اختلافه معه حين قال لهبولس قدام الجميع إن كنت وأنت يهودي تعيش أممياً لا يهودياً فلماذا تلزم الأمم أن يتهوّدوا ؟» ( غلا 2 : 14 )، و لم نسمع ان قال له كيف تتكلم معي هكذا و انا الذي كنت اعيش مع الرب يسوع و قريب منه
و اخذت منه تعليمي بل على العكس نجده يسمع لبطرس و يغير في نفسه
هناك قصة في بستان الرهبان عن شيخ قديس كان يصلي القداس الالهي و يرى ملاكين عن يمين المذبح و اثناء الصلاة أخطأ لاهوتيا في بعض العبارات الي استلمها خطأً عند سيانته ، فإذا بالشماس يوقفه و يقول له هذا خطأ لاهوتي ولكن الكاهن استمر في الصلاة لكن الشماس اصر على ان هناك خطأ ، فتوقف الكاهن عن الصلاة و سأل الملاكين هل كلام الشماس صحيح فقالا الملاكان نعم فقال لماذا انتما لم تقولا لي هذا ، فقالا له : «إن الله رسم هذا التدبير، أن يصلح الإنسان، إنساناً مثله»، فتأسف للشماس و شكره دون ان يعلن له انه يرى ملائكة و عرف ان عليه ان يتقبل رأي الآخر حتى و لو كان اقل منه رتبتا
او مكاناً
حتى فقهاء العرب و اخوتنا المسلمين لديهم علماء كبار كانوا يؤكدون على مبدأ قبول الرأي الآخر ، فها هو ابن تيمية – أحد علماء الحنابلة - يقول: ” وأمرنا بالعدل والقسط فلا يجوز لنا إذا قال يهودي أو نصراني فضلا عن الشيعي قولا فيه حق أن نتركه أو نرده كل " فهو يؤكد على أهمية قبول الرأي الآخر و إن حتى خالفك في المعتقد و هو للأسف ما لا نراه الآن
كان غاندي - السياسي البارز والزعيم الروحي للهند خلال حركة استقلال الهند - يقول طرفته الشهيرة : الإختلاف في الرأي ينبغي ألا يؤدي إلى العداء وإلا
لكنت أنا وزوجتي من ألد الأعداء.
الإختلاف هو الذي يعطي للحياة معنى وطعم و رائحة . الإختلاف و التنوع هو اختبار حقيقي من الله لمعرفة قبولك لأشياء ربما لا تعجبك او لا تفهم معناها الآن
أتذكر ابونا القديس القمص بيشوي كامل السكندري عندما كان يأتي له شخص بكتاب و يقول له سمعت عن الكاتب الفلاني ان له افكار خاطئة ولكنه كاتب
عظيم فكان يقول اترك الصفحة او الفصل الذي ترى ان هناك من ينتقدها و اقرأ الباقي فتكون اخذت منه ما يشبعك
منذ طفولتي و انا احب القرأة جدا و اتذكر انني كنت اقرأ لكثير من الكتاب الشرقيين و الغربيين و وجدت من يهاجمني و يقول لا تقرأ لفلان او لعلان لأن الخادم الفلاني او الاب الفلاني قال لاتقرأوا هذه الكتب بها اخطاء و كنت اجاوب القائل يا عزيزي عليك ان تقرأ ثم تتساءل وتبحث عن الحقيقة بنفسك فلو أردت ان تقول لإبنك مثلا لا تذهب وراء شهود يهوه ، على سبيل المثال ، فعليك ان تعطي له كتابا يتحدث عنهم او كتابا لكاتب موثوق في علمه لكن لا تقول له لاتجادل و لا تناقش لأنك تتحدث الى شخص في القرن الواحد و العشرون يستطيع بزر واحد ان يقرأ الاف الأبحاث عن ذات الموضوع كما انك لا
تستطيع ان تطلب منه الإختلاف من أجل الإختلاف بل ليكن للإختلاف معنى و مغزى و هدف
وانا شاب كنت اذهب لأب اعترافي و اشكي له لماذا نختلف في افكارنا حتى على المستوى الكنسي لماذا توجد رهبنة و زواج و داخل الرهبنة يوجد من ينادي بالتوحد و اخر بالشركة. لماذا اجد مناهج مختلفة في الحياة الروحية . لماذا يوجد اباء كهنة وخدام يؤيدون اختلاط اجتماعات الشباب و هناك اباء و
خدام اخرين لا يفضلون هذا و كل له اسانيده المقنعة .
لماذا نختلف لماذا لانجلس معا و نصل الى اتفاق موحد في كل شئون الحياة. فكان يقول لي تخيل لو انك ذهبت الى بستان وجدت فيه كل الورود لونها اخضر كلون العشب فهل يروق لك ذلك ام الأجمل ان ترى الوان مختلفه تشبع النفس و العين من جمالها ، هكذا اجمل ما في الخليقة هو التنوع و الاختلاف طالما لا يهاجم او يجهل اصحاب الرأي ، اصحاب الرأي الآخر
قال لي احد الاباء انه وقف مرة امام المتنيح البابا شنودة متسائلا قائلا لماذا نقول في القداس الالهي لله ، علمتنا طرق الخلاص ، بينما هو طريق واحد فقال له البابا العظيم ، نعم هو خلاص واحد و لكن بطرق كثيرة متنوعة .
ان رقي الشعوب و تقدمها ينجلي بوضوح في مدى تمتع الفرد بثقافة قبول الآخر وقدرته على التعايش مع الإختلافي الفكري و الثقافي و الإيديولوجي فبات الإختلاف بيننا يأخذ منحنى خطير من التمييز و العنصرية بل يصل الى حد التخوين و التكفير ان لم لا يسايرني الرأي فتضخمت الذات وبدأنا نخسر حتى أقرب الناس الينا فأمسينا و أصبحنا معرفون لدى الدنيا بأننا لنا ثقافة واحدة وحيدة وهي اننا دائما نتفق على ألا نتفق