طارق الشناوي | السبت ٨ مارس ٢٠١٤ -
٥٤:
٠٤ م +02:00 EET
طارق الشناوي
لم يعد السؤال أن يُعرض أو لا يُعرض فيلم «سفينة نوح» الذى كان هدف عشرات من الفضائيات فى برامج «التوك شو» والتحقيقات الصحفية فى الأيام الماضية. الأزهر الشريف غاضب، هذا بالطبع متوقع لأن الفيلم يجسد حياة سيدنا نوح عليه السلام أول الأنبياء، وقائمة التحريم التى أقرها الأزهر قبل عقود من الزمان تمنع التجسيد بدءًا من كل الرسل والأنبياء وتتسع إلى خلفاء الله الراشدين وآل البيت والصحابة والعشرة المبشرين بالجنة.
الأزهر حرص هذه المرة على إعلان الغضب ببيان وكان عدد من شيوخه الأجلاء قد انتشر فى عديد من البرامج لتبيان هذا التحريم.
ربما لن تستطيع الدولة عرض الفيلم جماهيريًّا رغم مثلًا أنها فعلتها قبل عشر سنوات وعرضت فيلم «آلام المسيح» لميل جيبسون الذى يجسد لحظات صلب المسيح عليه السلام، وكان رفض الأزهر معلنًا ولكن بصوت أقل حدة. لو تأملت الموقف قليلًا ستكتشف أن الأقرب إلى الصحة هو أن الدولة فى هذه اللحظات التى تسعى فيها إلى التهدئة لن تستطيع أن تُغضب الأزهر أو تُغضب من يؤمنون فقط بما يقوله الأزهر من دون نقاش -وسينتصر الرأى الذى يقول لماذا تفتح الباب أمام غضب محتمل قد تتسع مظاهره غير مأمونة العواقب ولهذا سنجد أن قرار المنع يجنبها تلك المخاطر، ولكن هل هذا هو الحل؟
الأزهر منارة الإسلام فى العالم أجمع، لا يمكن تجاهل رأيه ولكن لماذا لا نرى أيضًا أن هناك آراء أخرى لعلماء أفاضل أزهريين وافقوا على عرض مسلسلى «عمر» و«الحسن والحسين ومعاوية»، وبينما التزمت الفضائيات والقنوات المصرية الرسمية برأى الأزهر. شاهدنا المسلسل فى العديد من الفضائيات وقبله رأينا «يوسف الصديق» عليه السلام ولم أستشعر سوى أن من شاهد هذه المسلسلات قد وصله الهدف منها، كثافة المشاهدة بالأرقام تؤكد أن قطاعًا وافرًا من المسلمين فى مصر وخارجها أقبلوا عليها، فهل هم جميعًا آثمون؟.
هل من الممكن أن ينام المسلم قرير العين وهو يشعر أنه فى عرف أكبر مرجعية دينية ارتكب معصية؟ بالتأكيد لدى المسلمين فى بقاع المعمورة كافة توقير للأزهر ولرجاله الأفاضل، ولكن هناك حقائق من بينها أن تلك الأعمال الفنية لعبت دورًا إيجابيًّا فى تعميق الإيمان، وشاهد المسلمون وكل ناطقى اللغة العربية وغيرها من اللغات لأول مرة سيدنا عمر وأبو بكر وعثمان وعلى والحسن والحسين أنها الممنوعات الصريحة، ورغم ذلك دخلت بيوت المسلمين ولم يستشعروا أنها قد جرحت إيمانهم.
الأمر الثانى أن هناك أعمالًا فنية تستند إلى معتقدات ومرجعيات لا ترى فى التجسيد إثمًا، الديانة المسيحية لا تجد غضاضة فى أن يؤدى ممثل دور السيد المسيح فى عشرات بل مئات الأفلام، وبالمناسبة فيلم «آلام المسيح» لميل جوبسون حقق كثافة مشاهدة عالية فى مصر وتم التصريح به كاملًا ومن دون أى ضغوط ولم يتم حذف أى جملة حوار بها وصف للسيد المسيح بأنه «ابن الله»، وأتذكر وقتها أن الرقيب الراحل مدكور ثابت لم يتحمل المسؤولية لأن قوانين الرقابة تحول دون ذلك وعُرض الفيلم بموافقة د.جابر عصفور باعتباره أمين عام المجلس الأعلى للثقافة.
ما الذى حدث للمسلم الذى شاهد «آلام المسيح» وهو يتعارض تمامًا مع أفكاره ومعتقداته الدينية؟.. توحد مع الشخصية التى تؤدى دور السيد المسيح وكان يقاسمها الألم على الشاشة، الأغلبية من المشاهدين النساء كن محجبات، ولم يجرح الفيلم إيمانهن.
أزهرنا الشريف منذ عام 1926 مع بداية التفكير فى تقديم فيلم عن حياة سيدنا «محمد» علية الصلاة والسلام بطولة يوسف وهبى، كان قد أعلن عدم جواز ذلك شرعًا، ولكنه وضع محاذير وخطوط دفاع عديدة لا تتيح تقديم عشرات من الشخصيات الإسلامية، بينما مثلًا إيران والتى تنتمى إلى المذهب الشيعى تستعد لعرض فيلم «محمد» إخراج مجيد المجيدى. كنت فى طهران قبل نحو عام ونصف العام وسألت قالوا إن الفيلم يقدم حياة الرسول قبل نزول الوحى. الأمر يحتاج إلى أن يعيد رجال أزهرنا الشريف النظر مرة أخرى فى جدوى كل قرارات التحريم، وهل التخفيف من بعضها يتعارض حقًا مع صحيح الدين؟! لا أحد يريد القفز وراء ثوابت الدين ولكن هناك أمورًا تستحق إعادة التفكير والتأويل.
نقلا عن التحرير
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع