د. مراد وهبة | الثلاثاء ١١ مارس ٢٠١٤ -
٤٠:
١٠ ص +02:00 EET
عنوان هذا المقال هو تحوير طفيف لعنوان كتاب صدر عام ٢٠١٣ لمفكر أمريكى اسمه إريك ستيكلبك. والعنوان هو على النحو الآتى: «الإخوان العدو الثانى الخطير لأمريكا». أما العدو الأول لأمريكا فقد كان الحزب الشيوعى السوفيتى على نحو ما ارتأى جون فوستر دالاس، وزير خارجية أمريكا فى كتابه المعنون «حرب أم سلام؟» (١٩٥٠)، ثم مات الاتحاد السوفيتى عام ١٩٩١، وأصبح الإخوان، بعد بزوغ ثورات الربيع العربى فى تونس ومصر وليبيا، هم العدو الثانى.
وإذا كانت رسالة الاتحاد السوفيتى أممية فرسالة الإخوان كوكبية، بمعنى إحياء الخلافة الإسلامية على كوكب الأرض وعاصمتها القدس. وبسبب دموية هذه الرسالة اختفى ثوار الربيع العربى وحل العلم الأسود لتنظيم القاعدة محل العلم الأمريكى عند مدخل السفارة الأمريكية بالقاهرة بقيادة محمد الظواهرى فى ١١ سبتمبر ٢٠١٢. والمفارقة هنا أنه على الرغم من ذلك الحادث العدوانى من قبل الإخوان على السفارة إلا أن الرئيس الأمريكى باراك أوباما يتوهم أنهم «معتدلون»، ومن ثم يمكن التعاون معهم على حد قوله. وتأسيساً على هذا الوهم دخلت ست قيادات إخوانية كمستشارين فى البيت الأبيض. وتأسيساً على ذلك الوهم أيضاً بدأت أمريكا فى فقدان نضالها من أجل «حضارة التقدم» واندفاعها نحو النقيض، أى نحو «حضارة الجهاد» بالمفهوم الإخوانى، أى «حضارة التدمير» مع ما فى هذا المصطلح من
«تناقض فى الحدود» على رأى المناطقة. والمفارقة هنا أيضاً مشاركة اليساريين فى تدعيم حضارة الجهاد. وتأسيساً على ذلك أيضاً قبول المهاجرين الإسلاميين إلى أمريكا مع تسريع بناء الجوامع من قبل وزارة العدل الأمريكية.
وهنا يتساءل ستيكلبك عن مبرر هذا التسريع؟
ويجيب بأن الجامع ليس مجرد رمز على الإسلام، إذ هو- فى أصله- مركز إسلامى الغاية منه تأسيس مجتمع إسلامى صغير يكون ملتقى الأسر كما تنعقد فيه الندوات، وتقام المباريات الرياضية وبه مدرسة للأطفال ومكان لبيع الصحف والمجلات والكتب والأشرطة السمعية والبصرية. الجامع، فى عبارة موجزة، هو «بيت الدعوة» على نحو ما كان فى زمن الرسول محمد (صلعم). ومع التطور يمكن أن تسهم الجوامع فى أسلمة أمريكا، أى فى تحويل أمريكا إلى دولة إسلامية. وأنا بحكم خبرتى الدولية أضيف قائلاً بأن ما يقوم به الإخوان فى أمريكا مماثل لما يقومون به فى أوروبا وفى دول العالم الثالث بحيث تتأسس فى نهاية المطاف الخلافة الإسلامية على كوكب الأرض. أما أوباما فإنه يتوهم على نحو مناقض لما يتوهمه الإخوان أنهم يسهمون فى «تحقيق التطهر الروحى فى عصر جديد»- على حد تعبيره. ومع ذلك فثمة سؤال لابد أن يثار:
هل الخلافة الإسلامية التى يتوهم الإخوان إحياءها فى زمن الكوكبية مماثلة للخلافة الإسلامية على نحو ما كانت قبل إصدار أتاتورك قراراً بإلغائها فى عام ١٩٢٤ والذى كان بمثابة كارثة فى نظر العالم الإسلامى؟
لقد تأسست الخلافة الإسلامية عام ١٥٧١ عندما تحكمت تركيا فى معظم بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والقوقاز وجنوب شرق أوروبا بما فيها بلغاريا ورومانيا وألبانيا واليونان ويوغسلافيا وأجزاء من المجر. وأردوجان رئيس وزراء تركيا يسعى الآن جاهداً فى تحقيق الخلافة الإسلامية بعد نسف التراث العلمانى الذى ابتدعه أتاتورك. ومن ملامح ذلك التحقيق استقباله رسمياً لرئيس وزراء إمارة غزة الإسلامية إسماعيل هنية عام ٢٠٠٦. وفى عام ٢٠٠٨ دعم حماس فى عدائها لإسرائيل التى وصفها بأنها دولة إرهابية. وفى عام ٢٠١٣ أعلن «أن الصهيونية جريمة ضد البشرية». وبقيادة أردوجان اتجهت تركيا نحو تطبيق الشريعة بخطى بطيئة ولكنها راسخة، وابتعدت عن الناتو والغرب، واتخذت موقفاً عدائياً من إسرائيل بعد أن كانت متحالفة معها، مع موقف منحاز إلى إيران.
والمفارقة هنا أن اليسار الأمريكى دخل فى تحالف غير مقدس مع الإسلام الراديكالى، وهو تحالف مماثل لما كان بين هتلر وستالين فى الاتفاق الذى أُبرم بينهما عام ١٩٣٩ على الرغم من تناقض الأيديولوجيتين، وعلى الرغم من أن اليسار الأمريكى كان يزهو بأنه عدو الفاشية. وقد تكررت المفارقة عندما اعترض اليسار الأمريكى على مهاجمة طالبان فى أفغانستان إثر أحداث ١١ سبتمبر.
والسؤال إذن:
هل من مبرر لهذه المفارقة؟
وأجيب بسؤال:
إذا كانت المفارقة تنطوى على التناقض فأين التناقض بين اليسار الأمريكى والإخوان المسلمين؟
اليسار الأمريكى ضد النظام الرأسمالى الأمريكى بحكم انحيازه إلى الاشتراكية، أما الإخوان المسلمون فهم أيضاً يكرهون النظام الأمريكى ولكن ليس لأنه رأسمالى إنما لأنه يمثل الحضارة الغربية وهى حضارة مرفوضة من قِبلهم لأنها حضارة جاهلية تخضع لتشريع الإنسان للإنسان وليس لتشريع الله للإنسان. والإخوان المسلمون هم القادرون على تدمير النظام الأمريكى وليس اليسار الأمريكى لأنهم منظمة إرهابية كوكبية. ولهذا كان مؤلف الكتاب محقاً فى تشاؤمه الذى عبَّر عنه فى نهاية الخاتمة عندما قال: أنا متشائم إزاء مستقبل أمريكا وإزاء صعود الأصولية الإسلامية الكوكبية بلا مقاومة.
نقلا عن المصري اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع