الأقباط متحدون - إنها قضية الجميع
أخر تحديث ١٩:٣٨ | الجمعة ١٤ مارس ٢٠١٤ | برمهات ١٧٣٠ ش ٥ | العدد ٣١٢٨ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

إنها قضية الجميع

أحمد عبدالمعطى حجازى
أحمد عبدالمعطى حجازى

حتى الآن لا يبدو أننا نعرف للثقافة حقها، رغم ما يحيط بنا من أخطار ماحقة تتغذى على ثقافة متخلفة وعلى شعوذات وأوهام لن ينجينا منها إلا ثقافة جديدة نتعلم منها أن نكون مواطنين أحراراً عقلاء.

وأنا ألح فى التنبيه لتقصيرنا فى حق الثقافة، وألح فى الدعوة لتدارك هذا التقصير، لأن الذين يتولون أمورنا فى هذه الأيام، مثلهم مثل الذين تولوها من قبل، يواصلون التقصير ويلحون فى تجاهلهم للثقافة ووضعها فى ذيل اهتماماتهم، ومعنى هذا أنهم لا يرون الأخطار التى تحيط بنا، ولا يعرفون مصدرها، ولا يستطيعون بالتالى أن يساعدونا فى الخروج منها والتغلب عليها.

والثقافة فى هذا الإطار الذى قدمته ليست مجرد سلعة أو خدمة تقدمها هذه الهيئة أو غيرها، وإنما هى قضية أمن وطنى لا تهم نخبة أو جماعة بالذات، وإنما تهم المصريين جميعاً، وتستحق بالتالى أن تأخذ مكانها فى المقدمة من مشروعنا الوطنى.

وقضية الثقافة بالرغم من خطورتها ليست شديدة التعقيد، لأننا نملك الوسائل والأدوات والطرق التى نستطيع بها أن نشخص أمراضنا الثقافية وأن نعالج أنفسنا ونتجاوز حدود الخطر ونصل إلى بر الأمان.

لدينا تاريخ حافل بالتجارب والأحداث والأعمال يحتاج لأن نعرفه ونتتبع مساراته ونستخلص قوانينه ونحوله إلى مرجع وذخر، ولدينا مثقفون ومفكرون، ولدينا وزارة للثقافة وهيئات ومؤسسات ومطابع ومسارح ومتاحف ومعاهد وفرق ومكتبات وإذاعات واستديوهات، لكننا لم نعرف حتى اليوم كيف نضع أيدينا على ما نملك، وكيف نرسم الخطط وننظم العمل وننسق الأدوار، وكيف نتصدى لثقافة الخرافة والطغيان، وكيف نحصل فى النهاية على ثقافة العقل والحرية والتسامح والمواطنة.

نحن نتعامل مع ما لدينا من الهيئات والأجهزة باعتبارها مكاتب يحتلها الموظفون عدداً من ساعات النهار، وينظرون فى بعض الأوراق ليحصلوا فى نهاية الشهر على رواتبهم ومكافآتهم، دون أن نعرف فى نهاية كل شهر أو فى نهاية كل عام ما قدموه للثقافة المصرية.

وأنا أشتغل بالكتابة منذ أكثر من ستين عاماً، لكنى لا أعرف الكثير، خاصة فى هذه الأيام، عما ننشره من الكتب والمجلات، لا عن عددها، ولا عن عدد قرائها. أعرف فقط أن الكتاب الجيد عندنا لا يكاد يوزع أكثر من ثلاثة آلاف نسخة. ومعنى هذا أن مصرياً واحداً فقط من كل ثلاثين ألف مصرى يقرأ الكتب، فهل نعتبر هذا أمراً طبيعياً يصح أن نسكت عليه كما نفعل فى هذه الأيام فلا نسأل أنفسنا، ولا نسأل غيرنا، ومن هو المسؤول عما نحن فيه الآن؟ الكاتب؟ أم القارئ؟ أم الناشر؟ أم أنها مسؤولية عامة قصرنا جميعاً فى النهوض بها!

ونحن نعانى حقاً من الأمية، لكن المصريين القادرين على القراءة يعدون بالملايين، فإذا كان الفقر يمنع الفقراء من القراءة فالغنى لا يشجع أغنياءنا على شراء الكتب أو على قراءتها!

وأنا لا أعرف الكثير فى هذه الأيام عما يحدث فى المسرح، كنا فى الماضى نتابع نشاط الفرق المختلفة ونشاهد عروضها ونرى جمهورها ونختلط به، لكن يبدو لى فى هذه الأيام أن ستائر المسرح نزلت، وأن أنواره انطفأت، وأن جمهوره انفض، لماذا ونحن فى هذه الأيام أحوج ما نكون للمسرح؟!

ألم نقم خلال السنوات الثلاث الماضيات بثورتين متتاليتين طلباً للديمقراطية؟ ألم نشكل اللجنة بعد اللجنة لتعديل الدستور، ووضع الدستور، ثم لتعديله من جديد؟ وهل يجوز لفن المسرح أن يتراجع فى زمن نلهج فيه بالحرية والديمقراطية؟ الديمقراطية ليست إلا ساحة لمواجهة المعضلات وصراع الإرادات وطرح الأسئلة وإدارة الحوار وبلورة الآراء والمواقف، والمسرح إذا فهمناه على حقيقته ليس إلا ساحة مقترحة لممارسة الديمقراطية.

وأين نشأ فن المسرح وأين اكتمل؟

لقد نشأ فى أثينا، فى الساحات التى نشأت فيها الفلسفة ونشأ الفكر السياسى، وكتب الدستور، ونشأت الديمقراطية، المسرح إذن ليس هزلاً وإن كان نوعاً من اللعب، إنه لعب جاد، أو هو جد متخيل نقترح فيه مشكلة نتناولها ونرى كيف تتعقد وكيف تضيق وكيف تنفرج، وازدهار المسرح دليل على وعى مشترك واستعداد للدخول فى الحوار، وتراجعه فى المقابل دليل على الانغلاق والتهرب من المواجهة واليأس من الحل وعدم الثقة فى الآخرين، فهل تكون هذه هى حالنا اليوم؟

لا أدرى، ولكنها ليست الحال التى جمعتنا فى ميدان التحرير، ساحتنا التى أسقطنا فيها الطغيان ورفعنا أعلام الحرية، ومادامت الساحة حية فأين المسرح؟ وأين السينما؟ وبكلمة واحدة: أين الثقافة المصرية الآن؟

لدينا أشخاص يرفضون أن يقفوا تعظيماً للأمة المصرية التى يرمز لها النشيد الوطنى، وهم مع هذا يشاركون فى وضع الدستور لهذه الأمة التى لا يعترفون بوجودها، وليس هذا فقط، وإنما هم يفرضون إرادتهم فيسقطون من الدستور ما يجب أن يتضمنه الدستور، ويقحمون فيه ما يجب أن يستغنى عنه، وهذه هى ثقافتهم التى لم تجد من يتصدى لها ويكشف حقيقتها وينبه لخطرها ويصححها.

ولدينا أشخاص نصبوا أنفسهم فقهاء دستوريين يفسرون مواد الدستور، ويقسمون المصريين أقساماً وفئات وطوائف يحق لبعضها أن تتولى السلطة، ولا يحق لبعضها الآخر إلا أن يدفع الجزية ويعيش غريباً فى وطنه! أكل من شوه جبهته وأطال لحيته وجعلها تفترش صدره وتدغدغ بطنه الملىء بالغل والجهل والمقت والكراهية يحق له أن يفسر الدستور ويفتى فى الحقوق والواجبات على هذا النحو الهمجى، ويجد مع ذلك من يسمع له وينشر صوره ويذيع على الناس فتاواه، ثم لا يجد من يرده ويوقفه عند حده؟

وإذا كانت بعض مواد الدستور تسمح لهؤلاء الأدعياء بأن يفسروه على هذا النحو الذى يثير الفتنة ويهدد الوحدة ويشجع الإرهابيين على أن يواصلوا ويزيدوا، أفلا يجب أن يتصدى لهم رجل رشيد ممن شاركوا فى أعمال لجنة الخمسين يفضح أكاذيبهم فلا تتحول إلى مسلمات ينخدع بها البسطاء؟

ونحن نستهين بهؤلاء ونترفع عليهم ولا نحفل بما يزعمون، وهذا خطأ فادح، لأننا فى هذه الحالة نترك لهم الساحة ونطلقهم علىالمواطن البسيط الذى لا يملك وعياً سياسياً يحصنه ضد هذا الخطر الذى يتزين بزى الدين ويرتدى مسوحه وينسب نفسه له، فمن الطبيعى أن يسمع له وينخدع بما يقول ويعطيه صوته فى الانتخابات، التى لابد أن يخسرها من يرفعون شعارات المواطنة، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية وغيرها من الشعارات التى لا تكافئ ما يرفعه المتاجرون بالدين، لأنها تنبع من ثقافة لم يحصل عليها المواطن البسيط الذى يستطيع المتاجرون بالدين أن يخدعوه حين يصيحون فى وجهه «الإسلام هو الحل»، وحين يحدثونه عن مقعد فى الجنة سيحصل عليه إذا أعطاهم صوته، وحين يزيفون له المعارك ويضعونه فى عالم وهمى لا يعرف فيه صديقه من عدوه، فالفقر قضاء وقدر، والأمية نصيب، والتخلف ليس هو العدو، وإنما الأعداء هم الليبراليون والعلمانيون وهم أصحاب العقائد الأخرى!

فإذا كانت هذه هى ثقافة الملايين ممن لهم حق التصويت فى الانتخابات فمن يكون الفائز فيها؟ وفى هذه الحالة هل نظل على إيماننا بالديمقراطية، أم ندير ظهرنا لها ونرضى بالاستبداد؟

وإذا كانت الديمقراطية لا تتحقق إلا بثقافة ديمقراطية فأين هذه الثقافة؟ وكيف يكون الطريق إليها؟

هذا هو السؤال الذى يجب ألا نمل من طرحه حتى نصل فيه إلى إجابة مفيدة، وليست هناك إلا إجابة واحدة مفيدة هى أن تكون هذه الثقافة قضية الدولة كلها لا شغل الوزارة وحدها، أن تضع الدولة خطة شاملة تحيى بها ثقافة العقل والحرية وتحدد لكل وزارة ولكل هيئة دورها فى تنفيذ هذه الخطة، ماذا لوزارة الثقافة؟ وماذا لوزارة التربية؟ وماذا لوزارة الإعلام؟ وماذا لوزارة الأوقاف؟

وكنت فى المقالة السابقة قد تحدثت عن المجلس الأعلى للثقافة وعن دوره الذى يجب أن يؤديه، وفى المقالة المقبلة أحدثكم عن قصور الثقافة.

نقلا عن المصري اليوم


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع