بقلم : د. رأفت فهيم جندي
عرفته من شبابى ولكن عن بعد، حيث كنت احضر له أحيانا محاضراته الأسبوعية التي اشتهر بها قبل ان يصير بطريركا، وكان يذهلني في طريقة اجابته على الأسئلة، فكنت احس اننى سأحصل على النمر النهائية لو اجبت اسئلة اى امتحان بطريقته التي تتخطى الفكرة المطروحة وتناقش الأفتراض الغير مطروح، فعلى سبيل المثال عندما يناقش زوج يشتكى من تصرفات زوجته المسرفة كان يناقشه في التعامل مع هذا ولكنه أيضا يطرح فكرة انه ربما يكون هو البخيل وليس الزوجة هى المسرفة!
تهللت في شبابى عندما عرفت أنه صار البطريرك للكنيسة وتعزيت عن فقد قداسة البابا كيرلس بالجسد بطريقة أن إسحق تعزى بزواجه من رفقة عن فقد امه سارة، وكانت كتبه هي المعول الآخر الذى كنت انهله للقرب منه عندما لم استطع ان احضر محاضراته.
لفنى الحزن عندما هاجمه السادات في عام 1980 في خطاب علنى ممتلئ بالأكاذيب وكانت بعدها طعنة كبيرة في القلب لكل الأقباط عندما وضع السادات يده عليه فى 1981 وقلت للرب اعاتبه كيف ستتصرف بمن وضع يده على مسيحك؟! واتى الرد بأسرع مما تصورت ومات السادات ودفن.
اتى مبارك وأطلق سراح كل المعتقلين ولكنه ابقى عليه، وكأنه اشد خطرا على مصر من الكل، وكما مكث يوسف الصديق الذى سجن من اجل امانته 3 سنوات افرج عن البابا بعد قضائه 3 سنوات و 4 شهور ولقد شرب مبارك من نفس كأس الافتراء، ومبارك وان كان برئ من القتل في 28 يناير 2011 ولكنه بعدل جوزى على أفعال له أخرى لا يطولها القانون مثل مذبحة الخنازير وغيرها الكثير.
اقتربت من قداسة البابا في المهجر مرات عديدة منذ عام 1989، وفى عام 2000 قامت هيئة الانبا رويس الخيرية في تورونتو برئاسته وعضوية عشرة أخرين ووقع عليها 3 افراد، قداسة البابا وقدس ابونا رويس وانا، واعتز بأن توقيعى يقع مع توقيع قداسته على وثيقة ما.
في عام 2001 وفي أحد اللقاءات سأله أحدهم ونحن في نيوجرسى متى ستحضر لنا يا سيدنا في تورونتو؟ اجابه قداسة البابا انه يوجد 200 كنيسة في المهجر وتساءل قداسته كيف امر على هذه الكنائس كلها؟ فقلت له قاصدا الدعابة تمر عليهم واحده واحده يا سيدنا، فضحك جميع من حولنا واخذ قداسته يفكر في الرد لكى يرد الدعابة بالدعابة ولكن الكلمات لم تحضر له فابتسم ولم يرد.
في 2003 ارسلت لقداسته نسخة من كتاب تاريخ الاقباط في المهجر ٍ(سوسنة في المهجر) وكنت قبلها بسنوات اهديته نسخة من كتاب (سوسنة وسط الاشواك) فقال لأبنى الذى أعطاه له لماذا لم يرسله قبل ان يطبعه؟ فرد عليه ابنى بطفولته وقتها، والدى ارسله لكى تقرأه يا سيدنا. فأكد له انه سوف يقرأه، واحسست بالسرور عندما وجدته يقول في رسالته البابوية بعدها ذاكرا أشياء كنت قد دونتها في الكتاب.
كان يقال عن قداسة البابا أنه بعد الافراج عنه اشترطت عليه الدولة ان لا يعارض القرارات السياسية الصادرة من الدولة، وشاء حظى أن أكون اول من اجرى مقابلة صحفية له في كليفلاند كلينك بعد اصابته من كسر فخذه في عام 2008، وكان من بين أسئلتي سؤال اهتز له جسد قداسته عندما سألته ما هو الفرق بين قداسة البابا شنودة الآن وقداسة البابا في السبعينيات؟ وثار نيافة الانبا يؤانس سكرتير البابا على هذا السؤال قائلا بصوت عالى، أيه السؤال ده، أيه السؤال ده؟ فقلت له إنني اعتز بكوني تلميذا لقداسة البابا وأستطيع ان اقول إنني قد قرأت معظم كتبه ولهذا اسأل، واعدت نفس السؤال بتصميم فسألنى قداسته بهدوء ما هو الفرق الذى انت تراه؟ فقلت له إنني انا الذى اسأل يا سيدنا!
فأجاب بأنه عندما يحدث أي شيء مضر بالكنيسة فأنه يقف مثل الأسد وساق لى كمثال محاولة ارغام الكنيسة على زواج المطلق مدنيا، واستفاض في شرح هذا وطمأنني بأنه هو هو رجل السبعينيات وكنت اسعى بسؤالي هذا ان اطمئن بعض من الذين كانوا يشيعون أن قداسة البابا استكان ولا يدافع عن حقوق شعبه بعد حبس الدير، ورأيى الشخصي في هذا انه كان يطبق حكمة سليمان في أن لكل تصرف زمان.
وعندما شرح وقتها أهمية استخدام الكلمات الطيبة للمسؤولين استفاض وقتها قداسته في شرح تأثير كلمات السيد المسيح للمرأة السامرية الخاطئة، فسألته وماذا قال السيد المسيح للكتبة والفريسيين يا سيدنا؟ فضحك قداسته من تغيير المواقف نظرا لأن كلمات السيد المسيح كانت شديدة لهؤلاء (ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون ......) وقال لى قداسته وهو يضحك علشان كده صلبوه!
بعدها ارسلت لقداسته من باب الحرص لكى يراجع ما سوف انشره في لقائى معه في الأهرام الجديد واتصل بى نيافة الأنبا يؤانس معترضا على نشر بعض النقاط ومنها سؤال الفرق بين قداسته من السبعينيات والآن، فغيرت صيغة السؤال إلى (ما هو الفرق فى علاقة قداسة البابا بين السادات ومبارك؟) وأرضى هذا التغيير نيافة الانبا يؤانس بل وامتدحني على عدم نشر الحديث بدون مراجعته وأعاد امتداحه لى امام بعض الأشخاص الذين يعرف انهم سينقلون لى.
في 2011 و 2012 كتبت باقتناع تام مدافعا عن قداسته في مساندته لمبارك وقت الثورة عليه، ثم امتداح المجلس العسكرى في الكاتدرائية بعد مذبحة ماسبيرو، واتى لى بعدها -ولكن بدون اى إصابة- وابل من التقريع نشرته أيضا فى العدد التالى من الأهرام الجديد، بل وصل الهجوم ان احدهم رفض ان يكتب مقالته في نفس العدد واعلمني انه لن يشارك في هذا العدد بسبب دفاعي عن قداسته! وها هي الأيام تثبت صدق حاسة كلام قداسة البابا شنودة في أن الثورة سيركبها الاسلاميون.
في أوائل عام 2012 علمت من كليفلاند أن قداسته في حالة صحية سيئة وعندما تغيب عن المحاضرة الأسبوعية في القاهرة احسست ان النهاية الجسدية قد وصلت فكتبت مقالتي (أنتقالهم وليس ميلادهم) عن مغادرة قداسة البابا بالجسد ونشرتها قبل يومين من انتقاله مما اثار استعجاب البعض اننى كنت اعرف هذا بالتأكيد فقلت لهم مداعبا (كتب قديسو الله مساقين بالروح القدس( وشرحت لهم اننى كنت اعرف ولكنى اشكر الرب أنه ارشدني لكى اكتبها في الوقت المناسب تماما.
ولقد ذكر لى بعدها أحد الشمامسة واكدها الأب الكاهن أنه فى كنيسة مارجرجس والأنبا رويس بتورونتو ووقت القداس الإلهي يوم السبت 17 مارس 2012 توقف لسان الشماس الصغير عن ذكر سلامة البابا شنودة كما نصلى دائما في القداس، وعندما استعجلوا الشماس لكى يقولها ترك هذا الصغير الميكروفون ولم ينطق بها، وتعجبوا منه، ولم تقال في هذا القداس طلبة سلامة قداسة البابا شنودة لأن وقتها تماما كان خروج روح قداسته من الجسد.
صلوات قداسة البابا شنودة تكون مع جميعنا أمين.