بقلم د. رفعت السعيد
الأصل أن القانون ينظم بأسلوب منطقى الثواب والعقاب فى العلاقات بين الأفراد وبينهم وبين الدولة. وأعتذر إذ أقول إن الذين صاغوا قانون الانتخابات قد غاب عنهم المنطق بما أفقد القانون صوابه وجعله مثاراً للعبث. ونركز على المواد ٢٢- ٢٦ من الفصل الرابع من القرار بقانون رقم ٢٢ لسنة ٢٠١٤. ونقرأ.
م٢٢ تنص: يكون الحد الأقصى لما ينفقه المرشح ٢٠ مليون جنيه. م٢٣ لكل مرشح أن يتلقى تبرعات نقدية أو عينية من الأشخاص الطبيعيين المصريين على ألا يجاوز مقدار التبرع من أحدهم ٢% أى ٤٠٠٠٠٠ جنيه. وفى فقرة ٢ من المادة يلزم المرشح بفتح حساب بالعملة المحلية فى أحد البنوك. ولكننا ويا للغرابة نكتشف أن التبرعات العينية تكون من ذات وعاء العشرين مليونا.
ولم تحدد أى طريقة لحساب التبرعات العينية أو لمراقبتها. ولم تشترط علم المرشح بها، أى أن التبرعات العينية تكون بالإرادة المنفردة للمتبرع الذى يمكنه أن ينفق أى مبلغ مهما تزايد فوق الحد الأقصى على الإنفاق العينى [بيانات - بانرات - مؤتمرات - إعلانات فى الصحف والتليفزيونات والإذاعة والسيارات] ولأن المشرع الجهبذ ترك التبرع العينى بلا نص يحدد سقفه ومنح المرشح حق الادعاء بأن التبرع العينى تم دون علمه ودون إذنه بما يفتح الباب لإنفاق مئات الملايين دون رقيب ودون حساب؛ فينهار مبدأ الحد الأقصى للإنفاق.
ويفلت المرشح حتى من الغرامة، بل إن النص تجاهل ربما عن عمد منع الأجنبى [الأمريكى، القطرى، التركى، الأوروبى، الإيرانى وحتى الإسرائيلى] من تقديم تبرعات عينية. وحتى فى التبرع النقدى تكون العقوبة مجرد الغرامة تماماً مثل عقوبة الركن فى الممنوع بالسيارة. والممول الأجنبى أو المحلى جاهز لسداد الغرامة أرأيتم السذاجة المتعمدة؟ وتصوروا مرشحاً مُوِّل من الخارج عوقب بالغرامة ثم نجح مجللاً بعار العمالة. أو مرشحاً مُوِّل من العدو الخارجى بتبرعات عينية وأفلت حتى من الغرامة لعدم وجود نص مانع. وهكذا فإن تمويل الأعداء للمرشح الرئاسى يسمح به إن جاء عينياً؛ فإن جاء نقدياً يعاقب بمجرد الغرامة.
لكن المأساة الحقيقية هى الجهل بالقانون أو تجاهله المتعمد. فالمادة ٤١ من القانون الجهول تنص «مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد منصوص عليها فى أى قانون آخر» وينسى الجهبذ الذى أعد القانون نص المادة ٨٧ من قانون العقوبات رقم ٥٨ لسنة ١٩٣٧ وتعديلاته التى تنص «كل من طلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ ولو بالواسطة من دولة أجنبية أو من أحد ممن يعملون لمصلحتها نقوداً أو أية منفعة أخرى أو وعداً بشىء من ذلك بقصد ارتكاب عمل ضار بالوطن يعاقب بالسجن المشدد وبغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تزيد عما أعطى أو وعد به» ولا شك أن التمويل من بلد أجنبى بواسطة مرشح للرئاسة هو عمل ضار بالوطن لأنه يجعل من المرشح إذا نجح عميلاً للاجنبى. ونأتى إلى مفارقة أخرى وهى أن ذات القانون ذاته يمنع ترشح من حوكم بتهمة مخلة بالشرف وهى بحكم الإدارية العليا «أى عمل يرجع إلى ضعف فى الخلق وانحراف فى الطبع مع الأخذ فى الاعتبار طبيعة الوظيفة ونوع الجريمة» ولا شك أن تمويل المرشح الرئاسى أو البرلمانى من جهة أجنبية معادية للوطن مخل بالشرف.
والآن هل من تفسير سوى أن القانون قد تعمد واضعوه إيجاد ثقوب للتمول محلياً أو خارجياً. والكارثة ستكون بالتزام قانون انتخابات النواب بالنهج ذاته فتكون المصيبة الكبرى أن يحتشد على مقاعد النواب من يشتريها بملايين مستوردة بواسطة إخوان ومتأخونين ومرتزقة، والبرلمان نفوذه فوق سلطة الرئيس.. فهل ندرك حقيقة المأزق؟ وحقيقة الكمين؟
نقلآ عن المصري اليوم