د.نادر نور الدين محمد
لم نصبح وحدنا على عقيدة بأن سد النهضة وما يتلوه من سدود هى سدود لتخزين المياه وليس لتوليد الكهرباء، وأن توليد الكهرباء من أجل التنمية ومحاربة الفقر فى إثيوبيا أكذوبة كبرى من أجل الإسراع بترسيخ مبدأ الحق فى بيع المياه وتجارتها بين الدول.
عالم أمريكى يعمل أستاذا للهندسة الميكانيكية ورئيسا لمركز الطاقات المتجددة ومركز كفاءة توليد الطاقة فى جامعة سانتاجو بولاية كاليفورنيا اسمه «أصفو بييني» وبعد مناقشات مستفيضة مع أساتذة المركز والقسم أصدر دراسة فند فيها كل إدعاءت إثيوبيا حول سدها المزعوم وقدرته على توليد الكهرباء والغرض من إنشائه.
أول ما اشار إليه هو أن السد مبالغ فى حجمه وسعة بحيرته ليس بأقل من 300% Oversized، وينبغى تقليص السد لييصبح آمنا إلى ثلث مواصفاته الحالية بما يعنى أن الإنشاء الأمثل لهذا السد لا ينغى أن يزيد عن 14.5 مليار متر مكعب من المياه وليس 74 مليارا وأن ارتفاع السد لا ينبغى أن يزيد على 85 مترا.
الأمر الثانى أنه ذكر وحدد الأسباب بأن هذا السد لن يولد كهرباء تزيد عن ألفى جيجا وات وليس كما تدعى إثيوبيا بأنه سيولد ستة آلاف جيجا وات حتى بمواصفاته الحالية وذكر مفصلا بأن أعداد التوربينات التى ستُحمل على السد وعددها 16 توربينا لن يعمل منها أكثر من نصف عددها فقط وأن النصف الثانى لن يعمل أبدا أو نادرا ما سيعمل حتى بفرض أن كفاءة توليدها ستصل إلى 90% وليس 30% فقط كفاءة متوقعة حاليا،وشكك فى جدوى صرف 8.5 مليار دولار لتوليد هذه الكمية الضئيلة من الكهرباء وبيعها بسعر 3 سنت أمريكى للكيلوات ساعة كما أعلن الإثيوبيون فى عقود تصديرها إلى دول الجوار ولن تكون ذات جدوى اقتصادية على الإطلاق.
العالم الأمريكى يضيف أن إثيوبيا تهربت من الرد على عدد من الأسئلة التى طُرحت عليها من قبل العلماء الذين زاروها لبحث هذا الأمر ومنها عدد السنوات التى من المفترض أن تملأ بها بحيرتها المبالغ فى حجمها لثلاثة أضعاف بما لا يكون له تداعيات على دولة مصب مثل مصر، ويبدو أنها تريد الانتهاء منها فى ثلاث سنوات فقط بما يعنى أنه ينبغى خصم حصة تتراوح بين 25 إلى 33 مليار متر مكعب سنويا من حصة مصر، وهذا لا يمكن لأى دولة فى العالم تحمله، وحتى إذا تم الإرجاء لتكون على ست سنوات وهو ما ترفضه إثيوبيا فإن النقص السنوى أثناء فترة الإمتلاء على مصر سيكون بمعدلات 12 ــ 17 مليار متر مكعب سنويا وهو أيضا من الصعب على دولة تعانى ندرة وشحا فى المياه مثل مصر أن تتحمله وعلى مدى ست سنوات متتالية.
السؤال الثانى الذى طرحة العالم يتعلق بشأن ماهو العمر الافتراضى لهذا السد فى ظل معدلات إطماء لا مثيل لها فى أنهار العالم ويختص بها النيل الأزرق وهى لا تقل عن 131 مليون طن سنويا، والإجابة أنه لا حل لذلك إلا بإقامة عدد آخر من السدود خلف هذا السد لتكون مصائد ومخازن للطمى وإلا فإن كفاءة توليد الكهرباء ستقل بمعدل 20% كل عشر سنوات
وينتهى تماما السد من الوجود خلال 50 عاما. العالم الأمريكى يضيف أن الدراسات الخاصة بالسد والمتعلقة بالتغيرات البيئية التى ستحدث فى باقى النهر وما يحيطه من مساحات غير موجودة و أشار إلى أن من آثارها المحتملة حتمية تدهور التنوع والتوازن البيئي، والذى يسيؤدى إلى اختفاء أنواع منها سواء نباتات أو حشائش أو أسماك أو حيوانات أو طفيليات وحيوانات تربة وتفشى وتوحش أصناف على حساب إضعاف أصناف تعيش معها فى توازن حالى سيحدث له خلل أكيد وهذا ما أيدته فيه مفوضية حوض النيل NBI فى تقريرها الصادر فى فبراير الماضي.
بالإضافة إلى هذا فإنه يرى أن إثيوبيا تتهرب من الإجابة عن علاقة السعة المبالغ فيها لبحيرة السد وبين ما حولها من بعض الأراضى القابلة للزراعة وهل سيكون السد لتوليد الكهرباء فقط أم سيستخدم للرى أيضا وهو ما تحاول إثيوبيا إخفاءه عن مصر والسودان لأنها تدعى أن توليد الكهرباء لا يقلل حصص المياه بعكس الرى طبعا وأرفق لاحقا خريطة بالمساحات القابلة للزراعة حول بحيرة السد. ثم تساءل عن فعل أن المنطقة التى بنى عليها السد زلالية وتاريخها يشير إلى وضوح ذلك، بالإضافة إلى تشكيكه فى مدى تحمل السد للفيضانات الجارفة التى تتكرر سبع مرات كل 20 عاما، وأنها يمكن أن تطيح بالسد نفسه لتعيش السودان ومصر مأسأة حقيقية، ثم أشار أخيرا إلى أن معامل الأمان الخاص بالسد منخفض كثيرا ليس فقط على المستوى العالمى بل أيضا على مستوى السدود المقامة داخل إثيوبيا نفسها.
يشير تقرير مفوضية حوض النيل الصادر حديثا إلى 12 مطلبا ينبغى أن تنتهجها دول المنابع قبل إقامتها للسدود والتى من أهمها الشفافية التامة وإعلان دولة المصب بكل تفاصيل ورسومات ودراسات السد، وأن تكون المصارحة والمشاركة والاعتماد تامة وإلا سيتحول الأمر إلى نزاع دبلوماسى سرعان ما سيتطور إلى صراع قد يصل إلى حد الحرب!، فهل اتبعت إثيوبيا أى قدر من هذه الأمور قبل شروعها فى بناء السد والذى يبدو أنها ستأخذ تفكير البعض حاليا إلى شراء السد كاملا لضمان حصة مياه مصر، وبذلك تكون قد حصلت على أموال جمة من اشتغالة سد النهضة فيما يبدو أنه أكبر عملية نصب فى التاريخ.
نقلآ عن الاهرام