أحمد المسلماني
قال أحمد المسلماني ،المستشار الإعلامي لرئيس الجمهورية”إن على حركة حماس أن تجري مراجعة فكرية تتضمن الاعتراف التام بثورة 30 يونيو ،والانفصال عن جماعة الإخوان المسلمين وتقديم المتهمين في صفوفها بدعم الإرهاب في مصر للحساب والعقاب.
وأضاف المسلماني “إن على زعيم حركة حماس خالد مشعل أن يُنقذ “حماس” من “حماس”.. وأن يتحمل المسئولية التاريخية بتعديل الطريق الخطأ إلى سيناء بالطريق الصواب إلى القدس”.
ووصف المسلماني الأنفاق بأنها تحولت من “مزاعم الكفاح” إلى “فائض التجارة” وتحول معها نماذج المارّه من “أصحاب القضية” إلى “أصحاب الشاحنات”.. ومن “خلايا المناضلين” إلى “حشود المهربين”.
واستطرد مستشار الرئيس ،في رسالة وجهها إلى خالد مشعل: “لعلك تتابع أحداث الجامعات المصرية ومحاولة الإخوان تأسيس حركة “طالبان مصر” ومن المؤكد أنك لم تسمع اسم فلسطين ولا المسجد الأقصى.. في هتاف واحد أو صورة واحدة”.
وتساءل المسلماني: “لماذا يتحدث الإخوان المسلمون عن بطولاتهم في حروب فلسطين ، ولا يتحدثون عن بطولات الجيش؟”.. “لقد كان الفدائيون المصريون من غير الإخوان أضعاف أعدادكم، وكانت بطولاتهم أضعاف بطولاتكم،إن معظمهم لم يسجل مآثره أو مفاخره.. والذين سجلوا ذلك قالوا أنها مآثر ومفاخر بلادهم في مواجهة العدو.. فلماذا يسجل الإخوان تاريخًا غير تاريخ الوطن؟”،”حان الوقت لـ”عودة الرسالة” التي غابت مع رحيل الشهيد أحمد ياسين”، “لا ينبغي أن تكون “حماس” في الجانب الخطأ من التاريخ.. أو ضد الجيش الذي هزم التتار والصليبيين وإسرائيل”.
جاء ذلك في مقال كتبه أحمد المسلماني المستشار الإعلامي لرئيس الجمهورية لوكالة أنباء الشرق الأوسط بعنوان “حماس والإخوان.. حان وقت الانفصال” وفيما يلي نص المقال:
في عام 2010 زرت غزة والتقيت السيد إسماعيل هنية، وفي عام 2012 زرت قطر والتقيت السيد خالد مشعل.
وبعد ثورة 30 يونيو المجيدة 2013 قابلت الرئيس محمود عباس في القاهرة. ومن قبل ومن بعد التقيت عددًا كبيرًا من الشخصيات الفلسطينية البارزة،وكان الحديث عن مصر وعن فلسطين يمضي بالتساوي،جانبٌ عما يجري في مصر وجانبٌ عما يجري في فلسطين.
إن الحاجة اليوم أكثر من أى وقت مضى،لإعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية التي أزاحها الربيع العربي بعيدًا،ولولا الخطاب القوي الذي ألقاه الرئيس عدلي منصور في الكويت والذي أكد على أن القضية الفلسطينية كانت ومازالت القضية المحورية والمركزية في المنطقة.. لذهبت القضية إلى مدىً أبعد في الاهتمام وإلى ركنٍ قصىّ في ساحة الأولويات.
وظنّي أن حركة حماس تتحمل جانبًا كبيرًا من المسئولية عمّا أصاب القضية الفلسطينية من ضررٍ بالغ.. تحولت معها معادلة الصراع من “فلسطين ضد إسرائيل” إلى “فلسطين ضد فلسطين”.
إن ما يخرج من حماس ضد “غير حماس” أو “غير الإخوان” بات أكثر كثيرًا مما يخرج منها ضد إسرائيل.
أصبح الهجوم على الرئيس عباس أضعاف الهجوم على نتنياهو، وباتت الحملة على “سياسات فتح” أكثر من الحملة على “سجون إسرائيل”.. وأصبح النيْل من القاهرة مقدمٌ على النيْل من تل أبيب!
تحولت الأنفاق من “مزاعم الكفاح” إلى “فائض التجارة”.. وتحوّلت نماذج المارّة فيها من “أصحاب القضية” إلى “أصحاب الشاحنات”.. ومن خلايا “المناضلين” إلى حشود “المهربين”. وبعد أن كانت حماس تهاجم اتفاقيات كامب ديفيد التي قامت بتحديد الجيش المصري في سيناء باتت حماس شريكًا أو نصيرًا لمحاولات إخلاء الجيش المصري من سيناء!
ولما كان المشهد العربي يحوي سقوطَ جيوشٍ عربية، وحملةً يقودها تحالف “العملاء” و”الجهلاء” على جيش مصر..الرصيد الباقي من القوة الصلبة لأمة مأزومة، بينما تواصل إسرائيل حملتها الدولية من أجل “يهودية الدولة”.
لما كان المشهد كذلك.. رأيتُ أن أوجّه في السطور التالية رسالةً.. إلى السيد خالد مشعل زعيم حركة حماس ورئيس مكتبها السياسي.. هى رسالةُ تنبيه في وقتٍ عصيب.
عزيزي السيد خالد مشعل:
أعرف جيدًا التحديات التي تواجهُها حركتُكم بعد أن ذهبْت فضائل المقاومة وحلّت مزايا السلطة.. ثمّ تلك الهزة النفسية التي ألّمت بكم بعد صعود وهبوط جماعة الإخوان المسلمين في مصر.. وأعرف كذلك أن طول الإقامة في سوريا وبؤس الإقامة في قطر واحتمالات الإقامة في إيران هى كلها عوامل ضغط على “السياسي” و”الإنسان” معًا.. كما أعرف.. أن رفاقَك ورجالَك في الحركة ليسوا سواء.. وأن فيهم من يعمل لنفسه، وفيهم من يعمل لغيرك.. وفيهم أيضًا من لا يريدون أرضًا ولا دولة.. ولا يريدون أن تنعم أبصارهم بساحة الأقصى.. قدر ما يريدون أن تكتحل عيونهم بأضواء الكاميرات وحقائب الأوراق الخضراء.
عزيزي السيد خالد مشعل:
إنك رئيسٌ لحركةٍ.. كان قدرُنا أن نكون إلى جوارها، وكان قرارها ألا تُحسِن الجوار.. فاختارت أن تتخلى عن الطريق الصحيح إلى القدس لتسلك الطريق الخطأ إلى مصر.
ثمّةَ من يقولون: لا دخل لنا.. وهذه دعايةُ إعلام وهجماتُ صحافةٍ لا سَنَد لها. وثمّة من يقولون: إن النظام القائم في مصر يُلصق بِنَا ما ليس فينا.. وهم ينتقمون من جماعتِهم في حركتِنا.
وأقول لك.. إن الأجهزة الأمنية في بلادنا تمتلك وثائقًا تؤكد على تورط عناصر من حركتكم في أهداف تخريبية عندنا.. كما تؤكد على تعاون بينهم وبين “السلفية الجهادية” من أعداء الأمس.. لأجل كسر الدولة المصرية في سيناء!
لعلك تتذكر أنه حين حاول الشيخ عبداللطيف موسى وأعوانه من “السلفية الجهادية” إسقاط نظامكم بعد تكفيركم وإعلان إمارة إسلامية في غزة هو أميرها.. كان قرار حركتكم هو قتل الشيخ ومن معه.. واقتحام المسجد وقتال المصلين.. حتى تراكمت في ساحة المسجد (23) جثة لأجل إسقاط الإمارة في مهدها.. وصوْن سلطتكم دون منافس أو شريك.
واليوم يرى البعض فيكم عكس ما رأوْا بالأمس.. حيث يَقْبلون على أرضنا ما لم يقبلوا على أرضهم.. ويدعمون في بلادنا من قتلوهم في مساجد بلادهم!
إنك تعلم – وكان الإخوان في مصر يعلمون- أن المسافة بينكم وبين السلفية الجهادية (القاعدة وتوابعها) أبعد كثيرًا كثيرًا ما بينكم وبين التيار المدني.. “أنتم” و”هم” لم تكونوا في قارب واحد.. لقد قاتلوكم في أفغانستان وقاتلوكم في فلسطين.. ومثلما قاموا بتكفيركم ومحاولة سحقكم في غزة.. قتلوا منكم “أحمد شاه مسعود” و”برهان الدين رباني” في أفغانستان.. إنها المعادلة التي وصفتُها في كتابي “خريف الثورة” بأنها “الجهاد ضد الجهاد” و”المجاهدون ضد المجاهدين”.
أسألُك اليوم.. ما الذي تغيّر؟.. كيف تقاتلونهم في فلسطين وأفغانستان وتحالفونهم في سيناء؟
عزيزي السيد خالد مشعل:
لقد تاهت منكم معالم الطريق.. وتوزعت أهداف حركتكم على حماية سلطتها في غزة.. والبحث عن عواصمَ مترفةً لأجلِ طيبِ الإقامةِ وزُخرُف القوْل.
ولقد تمزقت الإيديولوجيا داخل الحركة ما بين أنصار الشيعة وأنصار السنة.. وما بين رجال سوريا ورجال قطر ورجال إيران.. أو رجال كل مكان.. قبل فلسطين!
وحين أتابع تصريحات أعضاء المكتب السياسي وقادة كتائب عز الدين القسام.. وجناحَى الداخل والخارج.. أسأل ذلك السؤال الشهير في العلوم السياسية: من يَحكُم حماس؟!
لقد سمعت منكَ في الدوحة.. ثناءً حاسمًا ومديحًا قاطعًا بحق اللواء عمر سليمان وسمعت منكم إطراءً في حق المخابرات المصرية أثناء وبعد عمر سليمان.. وحديثك كان واضحًا في أن عهد مبارك وعهد المجلس العسكري كانا داعميْن تمامًا لكم وللقضية الفلسطينية وكان ذلك معناه أن الدولة المصرية في كل مراحلها تحمل موقفًا ثابتًا بشأن فلسطين والفلسطينيين.
لكن كل شئ قد تغير بعد وصول الدكتور مرسي إلى السلطة.. تحدثتْ “حماس” وكأنَّ التاريخ قد بدأَ مع جماعة الإخوان المسلمين وكل ما سبق باطل وضائع.. وكل ماعداهم موالٍ وتابع!
وإنّي لأتذكر هنا.. ما كنت أقرأه عن بطولات الإخوان المسلمين في حرب فلسطين.. وذات مرة قلتُ لأبي – وكان عضوًا في الجماعة – لماذا لا تتحدثون عن بطولات المصريين؟ لماذا فقط بطولات الإخوان؟.. لماذا يتحدث الشعب كله عن الجيش المصري في حروب فلسطين وتتحدثون فقط عن الإخوان في الحرب.. لا بطولات الجيش؟!
لو أنكم فدائيون.. كان الفدائيون المصريون من غير الإخوان أضعاف أعدادكم.. وكانت بطولاتهم أضعاف بطولاتكم.. إن معظمهم لم يسجل مآثره ومفاخره.. والذين سجلوا ذلك قالوا إنها مآثر ومفاخر.. بلادهم في مواجهة العدو.. فلماذا يسجل الإخوان تاريخًا غير تاريخ الوطن؟
عزيزي السيد خالد مشعل:
حان الوقت لأن تجري حركتكم مراجعة فكرية جريئة حتى لو أدى الأمر إلى انشقاق بعض الزاعقين المزايدين الذين تعرفهم ونعرفهم. إن “حماس” التي كانت تدرك في السابق دورها وحجمها وهدفها.. فانصاعت للرئيس ياسر عرفات.. وعمل شيخها الجليل.. الشهيد أحمد ياسين مع منظمة التحرير تنسيقًا وترتيبًا في السر والعلن.. إن “حماس” التي كانت تدرك أن المعركة مع إسرائيل لا مع فتح ولا القاهرة.. وأن ولاءها لإقامة الدولة لا لدعم مكتب الإرشاد.. تبدو الآن وقد دخلت حقبة من التيه والتخبط.
إن المراجعة الفكرية التي تحتاجها حماس.. ينبغي أن تتضمن رؤية حاسمة للقضية الفلسطينية.. ولقد قال لي رئيس الوزراء الروسي الأسبق بريماكوف حين التقيته في جزيرة مالطا قبل أعوام: أن موقفك هو موقف الرئيس السادات من حدود 4 يونيو 1967.. ولكنك تقول لشعبنا في فلسطين ما لا تقوله للساسة في العالم.
إن المراجعة ينبغي أن تتضمن موقفًأ حاسمًا لصالح ثورة 30 يونيو في مصر.. وإزالة أى لبسٍ أو غموض.. وتقديم المتهمين من حركتكم بدعم الإرهاب في مصر للحساب والعقاب. إنها تتضمن أيضًا.. الانفصال التام عن جماعة الإخوان المسلمين والتنظيم الدولي.
إن تحملكم أوزار الجماعة وحساباتها الكارثية لن يكون إلا خصمًا منكم وخصمًا من الكفاح الفلسطيني.. وإن ترككم للجماعة وانفتاحكم على المصالحة مع حركة فتح والمجتمع الفلسطيني.. وإعلاءكم لقضية بلادكم على مصالح حلفائكم.. لهو السبيل الوحيد لعودة الرسالة التي غابت مع غياب الشيخ ياسين. ولقد كان الرئيس عدلي منصور أمينًا وحاسمًا حين قال “إن حركة حماس ارتكبت العديد من الأخطاء حين زجت بنفسها في المشهد السياسي المصري.. بدعمها لجماعة الإخوان، وإن تنقية الأجواء بين مصر وحماس تتطلب وقف ذلك.. واحترام السيادة المصرية”.
عزيزي السيد خالد مشعل:
إنك تعلم أن جماعات الإسلام السياسي خارج فلسطين لطالما استخدمت القضية لخدمة أغراضها.. ولم تكن صور المسجد الأقصى في احتفالاتهم ومظاهراتهم إلا لدعم صورهم وتعزيز مكانتهم.
وإنك تعلم أن طلاب الإخوان المسلمين لطالما أحرقوا علم إسرائيل وأمريكا في ساحات جامعة القاهرة والجامعات المصرية.. تعلم أيضًا أن ذلك لم يحدث قط منذ ثورة 25 يناير التي عززت الصعود السياسي للإخوان المسلمين.
ولعلك تتابع أحداث الجامعات المصرية ومحاولة الإخوان تأسيس حركة “طالبان مصر”.. ومن المؤكد أنك لم تسمع اسم فلسطين ولا المسجد الأقصى في هتاف واحد أو صورة واحدة.
وختامًا .. لقد خاطبتُك لسابقِ ودٍّ بيننا.. وحسنُ ظنٍ وبقايا أمل.. لايزال قائمًا.. وإني لأتمنى أن تتمكن من إنقاذ “حماس” من “حماس”.. وإنقاذ فلسطين من بعض الفلسطينيين.. وألا تكون “حماس” في الجانب الخطأ من التاريخ.. أو ضد الجيش الذي حارب التتار والصليبيين وإسرائيل.
من القاهرة للقدس الغالية ولشعبنا الصامد في فلسطين كل التحية.
نقلآ عن أونا