بقلم:أوليفر
كلمة الإصلاح في كنيستنا القبطية تشوبها مخاوف.لأن الكثير لا يراها إلا في ضوء حركة الإصلاحيين في الغرب التي بعدها إنسلخت عن الكنيسة الكاثوليكية طوائف عديدة.لهذا إرتبطت كلمة الإصلاح عند البعض بالإنقسام. و صار كل من يدعو للإصلاح داعياً للإنقسام أو هكذا يظن الكثيرون.
لا ليست الرغبة في الإصلاح نية في الإنقسام.بل في أن تضم الكنيسة لحظيرتها نفوساً لم تجد اللغة التي تخاطبها و الفكر الذي يقدم لها المسيح في ضوء معارفها و مداركها.ليس كل إصلاح إنقسام
بل بعضه لمٌ للشمل.و هذه المقالات لا تهاجم إرثوذكستنا بل تطلب لها النمو و مزيد من الإستنارة .لا يوجد في هذه المقالات شيء من التسفيه أو التقليل من عقيدتنا الراسخة .لا يوجد فيها هجوم علي مقدسات أو أشخاص لكنها دعوة لكل من هو مؤهل للمشاركة لكي يضع في إعتباره الأجيال القادمة و علاقتها بالممارسات الكنسية دون جمود للفكر و دون خوف من بحث و طرح ما نردده للمناقشة العلمية الروحية المتعمقة.
بإتضاع و روح تقودها المحبة و الفكر الأرثوذكسي الراغب في الإستنارة و فكر هدفه البناء تناولت في المقال السابق رؤية خاصة عن لإصلاح الكنسي .هذه الرؤية مجرد محاولة للتحفيز علي التفكير بغير تكفير.رؤية ترغب لنفسها و للكنيسة ما هو أفضل و أعمق و أنسب.
لكل إنسان الحق في الإتفاق أو الإختلاف عليها فنحن هنا لسنا في ثورة إصلاحية بل فكرة إصلاحية .و البعض لديه تشكك و خوف من كل فكرة تمس ما يظن أنه لا يُمَس. لهؤلاء أقول أن الكتاب المقدس وحده هو المعصوم.و أن بقية الكتب الروحية مع كامل تقديرنا و ثقتنا في ضرورتها لكن لا يعيبها أن تخضع للتوثيق و التقنين و التعديل إن وجب.لسنا هنا عبيداً للنصوص لكننا نستخدم أفضلها و أنسبها لكنيستنا .فالكتب وضعت لنا و ليس نحن للكتب. و التفكير في التطوير و إعادة الصياغة ليس إساءة لما هو متداول من كتبنا الكنسية الروحية بل محاولة للتوصل إلي إستفادة أعمق .
المقال السابق تحدث قليلاً عن الدور الكرازي و بعض الكتب الطقسية مثل القطمارس و السنكسارو الآن نستكمل بعضاً آخر من الكتب المستخدمة في الكنيسة.
الأجبية:و هي صلوات السواعي بدءاً من باكر و حتي صلوات نصف الليل.و فيها كل صلاة تتكون من مجموعة منتخبة من المزامير تختتم بنص من الإنجيل ثم ثلاث أو ستة قطع صلوات مختصرة.القطعة الثالثة و السادسة من كل صلاة فيها تشفع بالعذراء أم النور.
- الأجبية تاريخياً كانت ترتيل للمزامير فقط ثم أضيف لها نصوص الإنجيل ثم القطع فيما بعد تباعاً.و أقوال الآباء الأعمدة منذ القرن الأول و ما بعده مثل القديسين إكليمندس و ترتليانوس و هيبوليتس و باسيليوس و يوحنا ذهبي الفم عن ضرورة الصلاة المنتظمة(صلوات السواعي) متعددة و ثبت صحتها تاريخياً و روحياً في ممارستها.لهذا نحتاج إلي نظرة جديدة تجعل الأجبية مصدراً راقياً للتعمق في عشرة الثالوث.لأنها و بكل تأكيد تحوي الصلوات التي تربي عليها القديسون و شبعت منها النفوس الجائعة للتواصل مع المسيح.و هذا ما يستدعي أهمية التدقيق في هذه الصلوات إذ نلاحظ الآتي:
- من الملاحظ إختلاف بعض نصوص المزامير عن نص الكتاب المقدس و هذا يستدعي المراجعة و حسم الجدل بشأنها.
- عدم ملائمة بعض الألفاظ التي نخاطب بها العذراء مما يثير التشكيك في نفوس الضعفاء .نعم نثق في النية الخالصة البريئة لكاتبي هذه القطع الخاصة بالعذراء.لكن بما أن الأمر يحتاج إلي تفسير للعبارات الواردة فيها فلماذا لا نصيغ عبارات فيها تشفع بالعذراء و تطويب لها دون أن تحتمل اللبس و التشكيك عبارات مبسطة عقيدياً لا تحتاج إلي تفسير المتعمقين؟
خصوصاً و إن الذي يصلي هذه العبارة يعد مسئولاً عن اللغة التي في الأجبية . فهو ليس إنساناً آلياً يردد الكلمات بل هو يبتلع هذه العبارات في كيانه الروحي و يتحدث بها مع الله فتصبح لغته في الصلاة.إعطوا لغة غير ملتبسة لشعب هذا الزمان لكي يصلي بها.لا تستبدلوا عبارات التشفع بطلبات أخري بل إبقوا عليها فنحن في حاجة دائمة إلي صلوات و دالة أم النور في كل صلاة فقط أعيدوا صياغة العبارات لكي تكون واضحة للجميع البسطاء و الفهماء.
- نلاحظ الخوف من مخاطبة أقنوم الروح القدس في الكنيسة الأرثوذكسية.لأن كثيرون كلما تكلموا بإنطلاقة مع أو عن الروح القدس صدرت ضدهم إتهامات بالإنحراف عن الأرثوذكسية و بترهيبهم بالعقوبات الكنسية لو كانوا كهنة أو رهبان أو مشاهير من الدارسين.هذا الخوف يمكن علاجه من خلال صلوات الأجبية فهي فيما عدا صلاة الساعة الثالثة لا تخاطب الروح القدس الأقنوم.بينما في كل صلاة تحرص علي مخاطبة السيدة العذراء في القطعة الثالثة من كل صلاة.و الأمر هنا ليس منافسة بين العذراء و أقنوم الروح القدس حاشا.
لكنها ملاحظة تستدعي الرغبة في إضافة قطعة رابعة يخاطب فيها المصلي الروح القدس من خلال مناسبة ساعة الصلاة.نحتاج أن نخاطب الروح القدس بكلمات تبث في كل أرثوذكسي علاقة قوية بالروح القدس بغير خوف من الحديث مع أو عن الروح القدس.لدرجة أن البعض صار يتساءل سؤالاً يعكس مأساتنا إذ يقول هل من الصحيح أن نصلي للروح القدس؟؟؟؟و كأن الروح القدس ليس الله.لكن هذا نتاج الترهيب الذي أدي إلي عدم معرفة .فشعبنا غالباً لا يسمع و لا يعرف كثيراً عن الروح القدس إلا حين يذهب إلي الطوائف الأخري ساعتها لا نضمن له صحة كل ما يسمعه .فهل هذه هي الأمانة الأرثوذكسية ؟
- لا يمنع الأمر من إضافة صلوات جديدة أكثر عمقاً و ملائمة للمناسبات المختلفة(قبل الإعتراف – بعد الإعتراف- قبل التناول- بعد التناول) كما يمكن تغيير صلوات التحليل و جعلها أكثر عمقاً
الأجبية أداة روحية هامة جداً ومصدر خصب للتعليم الروحي.و للتثبيت في الإيمان لذلك يجب أن نستخدمها بكفاءة أكبر.
الخولاجي :و هوكتاب صلوات القداسات حيث أن كنيستنا تتداول الصلاة بقداساتها الثلاثة الموثوق فيها الباسيلي و الإغريغوري و الكيرلسي.و قد تجنبت الكنيسة حتي الآن الصلاة بنصوص قداسات أخري مثل قداس العذراء مريم و القداس الحبشي .و من يبحث في مخطوطات دير السريان سيجد المزيد من القداسات و كلها تتفق في نصوصها معاً و تتناغم مع القداسات المعروفة لدينا.لكن المشكلة أنها تحتاج إلي توثيق وإعتماد لكي يمكن إعتبارها قداسات قانونية للكنيسة.
- لعل البحث و التنقيب في بطون مكتباتنا الأثرية يجعلنا نتوصل إلي المزيد من الصلوات الطقسية الرائعة من نفائسنا المهملة وسط المكتبات فنستزيد منها و بالمراجعة و التقنين يفرز لنا قداسات أخري بجوار قداساتنا الجميلة أو حتي يفرز لنا صلوات أخري للصلح أو للقسمة أو للتقديسات أو لأي من أقسام القداس الإلهي.و هذا يصب في صالح إثراء حياتنا الروحية و تنشيط و تعميق صلواتنا كما يمكن الإستعانة بصلوات القداس من الكنائس الشقيقة مما يجعلنا في وحدة معهم عند حضورنا في القدس الإلهي أثناء القداس. .
- نحتاج إلي إضافة أوشية لوحدة الكنائس فنحن نصلي من أجل كل أحد و كل شيء حتي الزروع و الحيوانات أثناء القداس و لا نصلي لأجل وحدة الكنائس؟ماذا يمنع من إضافة أوشية لوحدة المؤمنين في العالم كله؟أليس هذا أمر إلهي و رغبة إلهية أن نتحد فيه بواسطة روحه القدوس.علينا أن نصلي في أهم صلواتنا أي القداس من أجل هذه الطلبة الإلهية التي طلبها الإبن عنا أن نكون واحداً مع الثالوث الواحد.
- و في الحديث عن صلوات القداس يحضرني تساؤل.ماذا يمنع أن نصلي قداسات مسائية بجانب القداسات الصباحية ؟ لا يوجد قانون كنسي أو مجمعي يمنع ذلك.بل الأصل أن القداسات تصلي مساءاً(بعد العشاء).و أن القداس صار يصلي صباحاً بسبب الخوف من هجمات أعداء البيعة أثناء الليل في عصور من الفوضي و الإضطهاد.أما لماذا هذا المطلب ذلك بسبب ظروف الكثيرين في هذا الزمان الذي يعتصر الناس بمتطلباته و علي الكنيسة أن تكون مستعدة لتسند شعبها المثقل بمسئولياته بإتاحة القداس المسائي لمن لا يمكنه حضور القداسات الصباحية و من الطبيعي أن تتم هذه القداسات بنفس شروط و نظام القداس الصباحي فليس في الأمر بدعة لأن الكنيسة تمارس بالفعل القداسات الليلية في الأعياد الكبيرة .
علماً بأن كنائس أرثوذكسية شقيقة لنا تصلي القداسات مساءاً كما تصليها صباحاً و كذلك كنائس كاثوليكية شقيقة تفعل نفس الأمر.و هذا التساؤل ليس بدعوة تقليد الآخرين بل لإتاحة الفرصة لأجيال أصبحت منشغلة و نخشي عليها ألا يكون لها بالأسرار المقدسة صلة و تعايش. كما أن القداسات المسائية تنفع جداً في الكنائس الضيقة برغم عدد شعبها الكبيرة في العدد سواء في مصر أو خارجها علي سبيل المثال الكنيسة القبطية في الكويت يشترط فيها الآباء أن يكون المتقدم للتناول قد مر عليه شهر بدون تناول وذلك لعدم قدرة كهنتها علي مناولة العدد الكبير هناك.فهي تنبه علي عدم التناول أسبوعياً؟
هل أتجرأ أيضاً فأقترح وضع ترتيب قداس مختصر للأطفال؟فيه تكون اللغة مناسبة لهم و يكون القداس مقنناً لهم ليس هو نفس القداس الطويل الذي يصليه الكاهن بسرعة حتي لا يطيل علي الأطفال لكن لنجعل منه نصاً مختصراً بلغة بسيطة لا تخِل بالترتيب الذي نعرفه في القداس.
أما عن المدائح التي تقال أثناء التوزيع فهذه نؤجل التفكير بشأنها إلي حين نتناول كتب المدائح.و تبقي أيضاً مناقشة بعض التطوير في كتب كنسية أخري أرجو صلواتكم لنتابع هذه السلسلة.
ختاماً إنني أضع هذه الأفكار في يد الله أولاً لكي يتفحصها فإن وافقت مشيئته أجراها بطرقه الحكيمة و إلا فلن يكتب لها وجود. عظمة الروح القدس أنه فاحص القلوب و الكلي وليس هذا فقط بل هو فاحص خريطة النفس و مفاصلها و الروح و كيانها هذا الذي نجهله جميعاً إلا هو له المجد.
و أنا أثق أن الرب قادر أن يشحذ الأفكار بما هو أفضل و أن يكون كل عمل بإسمه و لمجد إسمه وحده له البركة و السلطان و العزة و المجد إلي الأبد آمين