الأقباط متحدون - الرئيس السادس
أخر تحديث ١١:٠٦ | الاثنين ١٦ يونيو ٢٠١٤ | بؤونة ١٧٣٠ ش ٩ | العدد ٣٢٢٢ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

الرئيس السادس

المستشار عدلي منصور – رئيس الجمهورية السابق
المستشار عدلي منصور – رئيس الجمهورية السابق

 أحمد المسلمانى
حين سألت الرئيس عدلى منصور: متى ستنشُر مذكراتك.. صمت قليلاً، ثم ابتسم في هدوء وقال: ما عِندى ليسَ للنشر.

قلت للرئيس السادس: ولكن سيادتك توليت السلطة في عام فاصل من تاريخ مصر.. ويحتاج الكثيرون أن يعرفوا روايتَك للتاريخ.

قال لى: لم آتِ إلى هنا راغبًا ولا طالبًا.. كنتُ في منتهى القلق على مصر.. كانت التحديّات بلا حدود، ومن كل اتجاه.. كانت كل لحظة تمرُّ كأَنّها عامٌ كامل.

والحمد لله أننى أُسلِّم الراية اليوم إلى رئيس مُنتخب سيكون أمينًا على الحاضر والمستقبل.. أما بالنسبة لى.. فقد أرضيتُ الله.. وأرضيتُ ضميرى.. ولستُ مشغولاً بأن يتحدث الناس عنّى أو عن مذكراتى.

(2)

إذا كان من وصفٍ للرئيس السابق عدلى منصور فإنه «الرئيس الضمير».. ذلك أن «القاضى» كان حاضرًا في «السياسى».. و«الأخلاق» كانت ملازمة لـ«السلطة».

ولقد كانت آخر تصريحاتى بالرئاسة: أن «الرئيس عدلى منصور غادر القصر مرفوع الرأس.. بعد أن أعاد القيم إلى السياسة، وأقام صلحًا تاريخيًا بين المبادئ الأخلاقية والاعتبارات السياسية».

وإذا كان الوقت مبكرًا للتوثيق التاريخى والتحليل الدقيق لعصر الرئيس عدلى منصور.. فإن «مظاهرات الأمل» التي أضاءت مصر والرجل في طريقه «إلى الاتحادية» عام 2013 ثم «مظاهرات الحب» التي أحاطت به وهو في طريقه «من الاتحادية» عام 2014 هما مشهدان كافيان للتعبير عن «رجاء البداية» و«حسن الخاتمة».

كان الرئيس منصور متأثرًا للغاية باحتفاليات الشكر التي انطلقت في كل مكان تعبيرًا عن التقدير والامتنان.

وفى مجمل التاريخ المصرى الحديث والمعاصر.. هذه هي المرة الأولى التي يخرج فيها الشعب لتقديم الشكر لرئيس سابق.. في مشهد حب لا يخضع لحسابات المصلحة أو دراسات الجدوى.

(3)

حين تلقيت الاتصال باختيارى مستشارًا إعلاميًا لرئيس الجمهورية.. طُلبَ منى الذهاب إلى قصر الاتحادية للقاء الرئيس عدلى منصور.

ذهبت إلى هناك بعد ساعتين من الاتصال.. كنتُ أفكر طيلة الطريق في تلك الخطوة التي جاءت مباغتةً لمخططات حياتى.. حيث كنت أستعد لتقديم «موسم جديد» من برنامج «الطبعة الأولى».. وأستعد كذلك لتوقيع الطبعة الحادية عشرة من كتابى «ما بعد إسرائيل» وإصدار جديد من كتابى «خريف الثورة».. كنتُ في وضع معنوى رائع- شأنى شأن كل المصريين الذين عادت إليهم البهجة بنجاح ثورة 30 يونيو المجيدة.

لقد تعودتُ على مدى سنوات أن أعْرِضَ رؤْيتى النقدية للسلطة والساسة.. وها أنا ذا في مرمى النيران وواجهة المدافع.. إن أحدًا لم يوجه لى نقدًا جادًا على مدى حياتى، ولكن مجرد إعلان اسمى على شريط الأخبار في التليفزيون المصرى قد أطلق العنان لكتائب الفيس بوك وتويتر بإطلاق سهامهم وتدشين حملة هجوم لايزال صَدَاها قائمًا حتى اللحظة.

(4)

كان استقبال الرئيس عدلى منصور لى ودودًا ودافئًا.. كان مجاملاً معى للغاية.. حدثنى بتواضع جمّ عن بعض آرائى التي اهتم بها.

كان ذلك مدهشًا بالنسبة لى.. ذلك أن العادة.. حتى لو أن «المسؤول الكبير» يعرف عن «معاونيه» الكثير فإنه لا يطرح ذلك أبدًا ولا يشير إليه.

ولربما أبدى دهشته إذا ما تحدث أحدهم عن سيرته الذاتية أو أعماله السابقة.. كأنه يسمعها للمرة الأولى.. أو كأنها لا تعنى شيئًا ولا تستحق أن تُقال. كان «القاضى الرئيس» بالغ الصدق والثقة.. وبالغ المودة والرفعة.

(5)

عملتُ مع زملائى في المستشاريّة بإخلاص ودأب وكان دور اللواء ممدوح مرسى سكرتير رئيس الجمهورية أكثر من متميز.. كان أمينًا تمامًا.. ينقل إلينا وينقل إليه.. دون زيادة أو نقصان.

وفى جميع المرات- وعلى مدى العام بكامله- لم يطلب أحد من مستشارى الرئيس لقاءه إلا تمّ ذلك.. وفى نفس اليوم تقريبًا.

وفى مرةٍ.. طلبت من اللواء ممدوح مقابلة الرئيس.. أجابنى: بعد قليل، سألته بعد قليل، قال لى: بعد قليل.. سألته بعد «قليل»، ثم «قليل».. أجابنى: «بعد قليل».. قلت له.. هل يمكن أن تعطينى موعدًا بدلاً من إزعاجى المستمر لك.. قال لى: لا أعرف متى ينتهى على وجه التحديد. قلت له: هل هناك مقابلة رسمية لا تعرف متى تنتهى. قال: لا. قلت: من غير المناسب أن أواصل الأسئلة.. لكن يبدو أن الرئيس ليس في المكتب.. وأنت تنتظر مجيئه. قال: لا. قلت له: رغم أننى لا أملك الكثير من غريزة الفضول.. لكنك أثرت فضولى.. قال لى: سأقول لك.. لكن لا تقل لأحد. قلت: ماذا، قال لى: الرئيس في استراحة يقرأ القرآن.. وحين ينتهى سيطلبنى.. وسأطلبك. قلت له: وهل هو يفعل ذلك كثيرًا.. قال لى حسبما أرى.. هو يخلو إلى نفسه ويقرأ القرآن كل يوم.. لكن ليس في توقيت محدد.. هو يفعل ذلك حسب الجدول الرئاسى وخريطة اليوم. ثم واصل اللواء ممدوح: الرئيس رجل تقى للغاية.. وهو يكره الرياء والظهور، هو يبلغنى فقط بأنه في استراحة وقد عرفت بالمصادفة أن «الاستراحة في تلاوة القرآن».. وتعليماته لى: الرئيس مشغول فقط دون توضيح.

(6)

لقد كان لافتًا لى مشهد الرئيس السادس وهو يصلى ويتلو القرآن داخل مكتبه ودون أن يراه أحد، ومشهد رئيس آخر كان يصلى تحت الأضواء ويتلو أمام الكاميرات. فارقٌ كبير بين الأيدى المتوضئة في سكينة والأيدى المتوضئة في ضجيج.. بين أن يكونَ «اللهُ غايتُنا» على صعيد «الإيمان».. وأن يكون «اللهُ غايتُنا» على صعيد «الشعار».

(7)

إن زُهد «الرئيس المؤمن» عدلى منصور كان يوازيه صلابة وقوة لا نهائية.. في الكرامة الوطنية والأمن القومى.

ولقد وجدته غاضبًا عشرات المرات إبّان حقبة الضغوط الدولية على البلاد، وكان الرئيس ناقمًا على المعايير المزدوجة في المجتمع الدولى.. وعلى الأطماع الأجنبية التي تغطيها شعارات أخلاقية لا وجود لها.. وفى أكثر من مرة كنت أسمع منه كلامًا قاسيًا تجاه عواصم وساسة الغرب الذين يفهمون حقيقة الوضع ولكنهم لا يريدون الاعتراف بذلك، ويطرحون أفكارًا يعلمون تمامًا أن فيها تدميرا للمجتمع وإسقاطا للدولة.. ولكنهم يطرحون ذلك دون أي اكتراث أو احترام لإرادة الشعب أو وحدة البلاد.

لقد شهدتُ تفاصيلَ عديدة كان الرئيسُ فيها جبلاً راسخًا أمام الضغوط الأجنبية.. كان رنينُ الهاتف لا ينقطِع خلالها عبْر الأطلسى.. من شرقِه الأوروبى إلى غربِه الأمريكى.. أو عبْر دولٍ في آسيا وأفريقيا كانت تتحدثُ بالوكالة.. لإثارة الفزع في قلبِ الاتحادية.. وكأنَّ المشهد بات مُغلقًا: سبعة مليارات نسمة في العالم ضد تسعين مليونا في مصر!

(8)

لقد كان دور مؤسسات الدولة في مواجهة الخارج في ذلك العام «الاستثناء» عظيمًا ومجيدًا.. وسيُسجل التاريخ لقواته المسلحة ورجال الشرطة والمخابرات العامة بكل الاحترام والإكبار ما فعله هؤلاء الرجال.. من أجل بقاء الدولة.

كان الغرب يتحدث عن «الدولة الفاشلة» القادمة في مصر.. وتمكّن هؤلاء الرجال «الناجحون» من إزاحة الفشل.. وتقديم نموذج جديد في الاستقلال والتحرر الوطنى.

لن ينسى التاريخ أبدًا.. أنه في صيف عام 2013 فاجأ الشعبُ المصرى العالمَ.. بثورةٍ عظيمة ضد أحد أسوأ النُّظم على مرّ التاريخ.. وأنه في صيف 2014 فاجأ الشعبُ العالمَ بنجاح خارطة المستقبل.. وإطلاقِ الجمهورية الثالثة باقتدار وثبات.

(9)

لقد أعطى الرئيس السادس لمصر.. المستشار عدلى منصور مثالاً نادرًا في القيادة.. كيف يمكن للأخلاق أن تنتصر على القوة.. وكيف يمكن لصوت الحكمة أن يعلو على صوت الدم.. وكيف يمكن لنداء الضمير أن ينتصر على نداء الشيطان.

حفظ الله الجيش.. حفظ الله مصر.

نقلآ عن المصري اليوم


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع