بقلم: د. عبد الخالق حسين
لا يختلف اثنان أن المسيحيين هم من السكان الأصليين في العراق (بلاد الرافدين)، سكنوا هذه البلاد منذ ما قبل التاريخ، وهم من الأوائل الذين اعتنقوا الديانة المسيحية عند ظهورها قبل ألفي سنة. والآثار والمتاحف التاريخية في العراق، من الدولة الآشورية والكلدانية وغيرها تشهد لهم بذلك ومازالت قائمة.
وقد لعب المسيحيون في العراق خاصة، والبلاد العربية عموماً، دوراً كبيراً في نقل الحداثة والحضارة الغربية إلى بلداننا. وهم لا يفتقرون إلى الكفاءة في جميع المجالات: العلمية، والطبية، والأدبية والفنية والإعلامية والأكاديمية والسياسية وغيرها.
أما دورهم في تاريخ العراق الحديث فهو واضح، فقد شاركوا في جميع الحركات الوطنية التقدمية، ونالوا حصة الأسد من المظالم والاضطهاد، سواءً من الحكومات الجائرة في الدولة العراقية الحديثة، أو من قبل العصابات الإجرامية والإرهابية في هذا الزمن الرديء. وقد بلغ هذا الاضطهاد والتعسف الذروة ضد الأقليات الدينية وخاصة المسيحية والأزيدية، منذ أن استولت العصابات الداعشية التكفيرية على مناطق واسعة من محافظة نينوى (الموصل).
والآن يناضل الشعب العراقي من أجل ترسيخ نظامه الديمقراطي الوليد، والمفترض به تطبيق مبدأ دولة المواطنة والقانون بدون أي تمييز بين المواطنين في تسنم المناصب والوظائف في الدولة، ورغم ما تعانيه هذه الديمقراطية من آلام المخاض العسير، ومعارضة من قبل أعدائها، فالكل يطالب أن تكون الحكومة الجديدة تشمل جميع مكونات الشعب العراقي دون أي استثناء، وحسب مبدأ الكفاءة، والشخص المناسب في المكان المناسب.
وفي مقال سابق لي بعنوان (لماذا لا يكون الرئيس القادم مسيحياً؟)(1)، والذي أيده مشكوراً، الشخصية الوطنية، الأستاذ الدكتور جواد هاشم، وزير التخطيط الأسبق، بمقاله القيم بعنوان: (ليكن الرئيس العراقي القادم مسيحياً)(2)، ولقي المقالان ترحيباً واسعاً من جمهور القراء، اقترحنا فيهما أن يكون رئيس الجمهورية من نصيب المسيحيين في الدورة البرلمانية الجديدة (الحالية)، ومن ثم ينسب المنصب إلى شخصية من إحدى الأقليات الدينية الأخرى في الدورات القادمة كما يجري في الهند مثلاً. ولكن للأسف الشديد لم يتحقق هذا الاقتراح نظراً للصراعات والمنافسات الحادة بين الكتل السياسية الكبرى على المنصب. ولكن مازلنا نأمل أن تكون هناك فسحة من الأمل لإنصاف الأقليات الدينية في الحصول على ما تبقى من هذه المناصب العليا في الدولة.
إن ما تعرض له المسيحيون والأقليات الدينية الأخرى وخاصة الأيزيدية في محنتهم الحالية، المحنة التي هزت الضمير العالمي في كل المعمورة، وجلبت الخزي والعار على العصابات الداعشية التكفيرية التي ترتكب كل هذه البشاعات ضد الإنسانية باسم الإسلام السياسي السني، والإسلام والسنة منهم براء، أقول، ألم يحن الوقت، وبعد أن فاتهم منصب رئيس الجمهورية الذي طالبنا به أن يسند للمسيحيين أحد المنصبين، نائب رئيس الجمهورية، أو نائب رئيس الوزراء.
وهذا لا يجب أن يُحسب من باب المحاصصة، فكل القوى الوطنية والجهات الدولية، بما فيها الأمم المتحدة، طالبت القيادات السياسية العراقية بتشكيل حكومة جامعة (Inclusive government)، لا تقصي أي مكوَّن، وإنما هو الجمع بين الكفاءة وحق المواطنة في المشاركة في المناصب العليا، دون استثناء أي مكون من مكونات الشعب. وإذا ما تحقق ذلك، فسيثبت النظام العراقي الجديد أنه لا يميِّز بين أبناء الشعب بسبب الانتماء العرقي أو الديني أو المذهبي، و يكسب احترام ودعم وعطف العالم.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/