الأقباط متحدون - معبد الجنون!
أخر تحديث ٠٣:١٣ | الاثنين ٢٢ سبتمبر ٢٠١٤ | توت ١٧٣١ ش ١٢ | العدد ٣٣٣٢ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

معبد الجنون!

 مصطفى حجازى
مصطفى حجازى

-١- هل صرنا مجتمعاً يحب البذاءة.. مفتوناً بالجهالة والتغييب؟!

إذا كنا كذلك فنحن قد تجاوزنا الأعتاب.. ونقترب جداً من تقديس الجنون..!

فحين يخرج علينا كل يوم أهل البذاءة يعظون الفضيلة.. وأهل الجهالة يسبّون العلم وهم ينتحلونه.. والمغيبون يحملون رايات التنوير.. ويختلط علينا ذلك كله فنحن على أعتاب الجنون.. مختارين..!

فعندما تَقصُر قدراتنا الواعية على أن نقيم معايير عدل نميز بها بين المنفعة والضرر.. وبين الأمن والخطر، نسمى فيها كل هذا باسمه.. ونقيس بها كل معنى على حقيقته.. بل لا نرى لتلك المعايير أولوية أو ضرورة.. فقد سرنا نحو الجنون مختارين..!

وأما إذا قبلناه منهم ممالأة أو كسلاً.. فنحن شركاء جرمهم.. لأننا نُغيِّبُ عن المجتمع معايير «الرشد» عامدين لكى نجلب مصلحة.. وتلك هى «الجريمة» فى أسوأ مراتبها.

وإذا استحسنا منهم ذلك فدعمناهم فيه.. فنحن قد قدسنا الجنون والجريمة..!

فالقداسةُ تأتى من «المقدِّس».. لا من «المقدَّس»..! حباً أو خوفاً.. رجاءً أو فتنةً.. فلولا أن احتاج المُقدِّس للمُقدَّس.. أو أحبه أو خاف منه أو فُتِنَ به.. لما كانت القداسة..!

تذكرون «قنديل أم هاشم».. تلك الرواية التى كتبها العظيم «يحيى حقى» فى أربعينيات القرن الماضى.. كان «حقى» يناقش العلاقة بين العلم والخرافة فى المجتمع حينها.. فجسّد العلم فى انتصار الدكتور إسماعيل للعلاج بالطب مقابل خرافة «حلاقى الصحة ودراويش المقام» لعلاج العيون بنفايات زيت القنديل المبارك.. تذكرونها..!

ورغم أننا مازلنا ندور فى ذات الثنائية بعد قرابة الثمانين عاماً من هموم «حقى».. والخرافة مازالت تنازع العلم فى كل شبر من حياتنا.. فرغم مرارة ذلك لن أتوقف عنده..!

ما استوقفنى أن أقصى ما قبل به «حقى» كنهاية لهذا الصراع، وهو مصرى يحمل هموم وطنه حينها، كان فقط فى قبول مواءمة مؤقتة للعلم مع الخرافة.. لم يقبل فيها «حقى» بأقل من أن يبقى العلم منتصراً لأسسِه، وإن جاء موائماً فى أسلوب توصيل أثره.

قَبِلَ «حقى» أن يتدثر العلم فى ثوب الخرافة تُقيةً مع من يقدسون الخرافة.. فجعل الطبيب إسماعيل يضع دواءه العلمى فى زجاجة زيت القنديل.. ولكن لم يكن «حقى» ليتصور أو يقبل فى زمانه أو بعد قرن من زمانه أن تأتى نهاية الصراع بأن يصبح معيار الطب هم «حلاقى الصحة ودراويش المقام».. لم يكن «حقى» ليقبلها ولا نحن نقبلها..!

فإن كان «العقل» فى تقريب العلم بالمواءمة مع مُقدّسى الخرافة.. يكون عين «الجنون» فى أى مواءمة مع مُقدسى الجنون..!

-٢- وفى معرض محاولة انتصارنا للعقل والأمل، وبعيداً عمن يحبون أن يستأنسوا باليأس.. نقول بيقين إنه من يملك الأمل يملك كل شىء.. ولكن بين الأمل والتمنى شعرة فيها كل الفرق بين الحقيقة والضلالة.. فثمة فارق بين أن تملك الأمل فيهديك.. أو أن يملكك الأمل فيُلهيك..!

أن تملك الأمل هو فى أن تستدعيه بعقلك.. تَقرأُ منطق تحققه فى قدرتك على صناعة أسبابه.. ومن سياق تلك الأسباب ترسم قسمات رؤيته الكاملة واقعاً تحياه.

استشراف الآمال بالعاطفة ضرورة مكملة لاستدعائه بالعقل.. ضرورة تأتى بسَكينة تُعين على التفكير والتدبر..

ولكن يبقى استشراف الأمل بالعاطفة فقط هو عين «التمنى» الذى «يُقعِد» ويُثبِّط ويجعل من صاحبه حالماً بيقظة.. مُسكَراً بوهم..!

وسكرة الوهم تلك هى التى تغيب فيها الحدود بين الحقيقة والضلالات.. ومآلها إما «الجريمة» أو «الجنون».

رأينا تلك السكرة وسنراها فى كثير ممن حولنا.. من مماليك تنظيم السلطة السابق ومماليك نظام السلطة الأسبق.. والتى أزاحت ثورة ممتدة من يناير إلى يونيو.. كذباتهم الكبرى التى صنعوها من رَحم حقائق كبرى بِكِبَر الدين والوطن.

نقول ذلك ونحن الآن فى وسط حقائق جيوسياسية جديدة ستغير من واقع موازين القوى فى الشرق الأوسط وفى ظروف بالغة السيولة فى مصر والإقليم والعالم.. ووطن يتلمس طريقه نحو الإمساك بزمام إرادته ومستقبله.. تستوجب تلك التحديات الكبيرة قدرا بالغا من الرشد فى التعامل مع قضية الأمل وحشد الطاقات.

ولذلك، وإن كان التحريض على «الأمل» واجباً.. يبقى التحذير من آفة «التمنى» أوجب.

-٣- وأخيراً، ورغم واقع ظاهره أن حَمَلة رايات الخرافة يزاحمون المستقبل بالمناكب ليكونوا هم المعيار والنموذج.. فإنى موقن من التعافى والرشد.. وأن ما نراه هو ركام من بقايا «معبد الجنون» على الشاشات وفى المؤسسات.. ركام أزال المصريون أكثره وإن بقى منه الكثير الذى توجبت إزالته.

سنزيله حين يتنادى أهل الرشد ولا يتقالّوا تجمعهم مهما قلّ.. وألا يسمحوا لأحد من أهل البذاءة أو الجهالة أو التغييب أن يسرق حلم الناس.. وأن ينتصروا لحلم «حقى» و«قنديل تنويره» بألا يدّعوا من «حلاقى الصحة» عنواناً للعلم.. ولا من «دراويش المقام» عنواناً للتنوير.

وشاهد يقينى أننا نحيا مجتمعاً فيه «العقل والأمل» حين يريدهما، يجدهما فى كتلة حرجة من «أهل المستقبل».. هى قلب المجتمع النابض بحب الحق والحرية والعلم والعدل.. هى كتلة مؤهلة، وإن تعثرت خطاها وحُجِبَ أكثرها وغلبها النبل السياسى أو رصيد قليل من الثقة فى نفسها.. لم تزل هى القاطرة التى تدفع بمصر نحو المستقبل فى كل الميادين.. اقتصاداً وسياسة وعلماً ووعياً.. وإن بدت بخطوات أقل من الواجبة وبأثمان أكبر من الواجبة.. وفى ذلك حقيقة أخرى من حقائق صراعها مع «الماضى»..!

فبهذا، وليس بأكثر منه، هُدم معبد الجنون فى يناير ٢٠١١، وأزيح أكثر ركامه فى يونيو ٢٠١٣ وإن بقى كثير آخر.

فكروا تصحوا..

نقلا عن المصري اليوم


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع