بقلم د. يحيى الجمل
نظرة سريعة إلى دول الاتحاد الأوروبى وأخرى مثلها إلى بلاد الوطن العربى التى تظهر بما لا يقبل الشك أن ما يجمع بلاد الوطن العربى أكثر بكثير مما يجمع دول الاتحاد الأوروبى، ومع ذلك توحدت الأولى منذ سنوات وتسير كل عام خطوات نحو مزيد من التوحد والدول العربية على حالها من التشرذم والانقسام بل إن بعضها مهدد بالتآكل.
ما هى عوامل التوحد؟
ولماذا نحن على ما نحن عليه؟
أما عوامل التوحد فى بلاد العالم العربى لعل أولها وحدة اللغة ومن ثم وحدة الثقافة حتى إن اختلفت بعض اللهجات لكنها تظل لهجات ولا ترقى إلى مرتبة اللغة. ووحدة اللغة أدت إلى أن الثقافة العربية وهى التى تعتبر أكثر القوى الناعمة ثقافة واحدة سواء فى الأدب أو فى السينما أو فى غير ذلك.
وهناك التاريخ المشترك منذ أكثر من أربعة عشر قرناً.
وهناك الدين الواحد الذى تدين به الغالبية الكبرى من الشعب العربى حتى وإن تعددت المذاهب داخل هذا الدين وأقصد هنا المذاهب الأربعة، ولا أقصد تلك التفرقة البغيضة المصطنعة بين شيعة وسنة والتى لا أصل لها فى صحيح الإسلام الذى لا يعرف إلا السماحة والمحبة بين خلق الله أجمعين.
وقفة صغيرة أمام حديث الرسول صلوات الله عليه حين يقول «نحن أنبياء الله أمهاتنا مختلفات وديننا واحد»، هل بعد ذلك يجوز لنا أن نتحدث عن شيعة وسنة، وأن نهدم جدران بعض أقوى الدول العربية مثل العراق الحبيب بهذا العبث غير السائغ ولا المقبول.
قارن ذلك كله ببلدان الاتحاد الأوروبى ستجد لغات مختلفة بل وستجد حتى داخل الديانة المسيحية كنائس متعددة بل إن بعضها يمكن أن نقول عليه متصارعة. والتاريخ لا يجمع بين هذه البلاد إلا تاريخ الحروب التى لم تتوقف إلا منذ قرنين أو ثلاثة.
ومع ذلك كله ورغم ذلك كله توحّدت بلدان أوروبا وأنشأت الاتحاد الأوروبى، الذى يعتبر قوة فاعلة ومؤثرة على المسرح العالمى وبقينا نحن البلاد العربية على ما نحن فيه من حال بائس ومشتت.
لماذا؟
لأسباب عديدة
منها أولاً غياب فكرة المؤسسات فى العديد من بلدان الأمة العربية وقيام الحكم على أساس فردى محض.
ومنها أننا كأفراد وبالتالى كمجموعات لا نحسن فن الحوار الذى يقوم أساسا على حسن الاستماع ثم الاستيعاب ثم الحوار.
وقد يؤدى الحوار إلى اتفاق أو اختلاف والأمران واردان ونحن نقول وبالقول فقط إن الخلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية على حين أنه يفسد للود كل قضية فى الواقع الملموس.
لعل هذه بعض أهم أسباب التشرذم البائس فى بلاد كانت كل العوامل تؤدى فيها وبها إلى عكس ذلك.
ولكنى أحب هنا أن أعرض عاملين حدثاً مؤخراً أولهما إقليمى والثانى دولى ورغم أهمية العاملين فإن الاختلاف فى الأهمية واضح نظرا للاختلاف الإقليمى عن الدولى.
أما فى العالم الإقليمى فهو تلك العلاقة المتميزة التى بدأت بين المملكة العربية السعودية ومصر منذ ثورة ٣٠ يونيو التى أزاحت الحكم البغيض الذى كان يتمسح فى الإسلام، والإسلام منه برىء. لقد وقفت السعودية منذ ذلك التاريخ موقفاً مسانداً لمصر سياسياً واقتصادياً مما ساعدها على الصمود بل والسير فى طريق النمو.
ومنذ أيام قليلة حضرت احتفال السفارة السعودية بعيد جلوس خادم الحرمين الشريفين ورغم حضورى العديد من احتفالات السفارات فإننى لم أجد جمعاً كذلك الجمع الذى شاهدته فى السفارة السعودية منذ أيام قليلة رأيت كل الطوائف من النخبة المصرية وكل التوجهات السياسية.
رأيت المهندس عبد الحكيم عبد الناصر ورأيت حمدين صباحى ورأيت أحمد العزبى ورأيت مصطفى بكرى وعلى عكس العادة لم يكتف رئيس الوزراء بإرسال مندوب ليحضر الحفل بل حضر بنفسه وألقى كلمة عن العلاقات الحميمة والراسخة بين البلدين ورأيت العديدين من كل الاتجاهات مما يعبر عن عمق العلاقات بين البلدين الشقيقين وتقديرى أن هذا عامل يخطو بنا - على ما أرجو – بضع خطوات على طريق التقارب.
أما العامل الخارجى البالغ الأهمية فكان هو خطاب رئيس جمهورية مصر العربية أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة فى دورتها الأخيرة.
حقا كان خطاباً تاريخياً بكل المعايير.
أوضح الرئيس فيه ان مصر ضد كل صور الإرهاب ولكنها فى هذه المرحلة – نظراً للظروف الاقتصادية القاسية والصعبة – ونظرا لتعقد العلاقات الدولية قال الرئيس إنه فى هذه المرحلة ستكتفى مصر بمحاربة الإرهاب بكل صوره داخل حدودها فقط.
وأشار الرئيس إلى التحول الديمقراطى الذى تسير فيه مصر بخطوات حثيثة وتطرق الرئيس إلى الأوضاع فى سوريا وليبيا ودعا العقلاء فى الدولتين إلى تغليب الصالح العام على الصالح الخاص.
ومن أهم ما أشار إليه الرئيس القضية الفلسطينية وطالب المجتمع الدولى بنظرة عادلة إلى هذه القضية المحورية التى لن يكتب الاستقرار للشرق الأوسط إلا بحلّها حلاّ عادلا يقوم على أساس دولتين متجاورتين كل منهما كامل السيادة وبينهما علاقات سلام على نحو ما.
وأشار الرئيس – وهذا هام جداً- إلى الدوائر الثلاث التى تتحرك فيها السياسة الخارجية المصرية. أولا الدائرة العربية بحكم الانتماء وبحكم الحقيقة العربية والأمة العربية الواحدة.
إن العروبة حقيقة وليست وهما كما قلت أكثر من مرة. كذلك أشار الرئيس إلى الدائرة الأفريقية وأعطاها أهميتها وأردف ذلك عملاً بلقاء كثير من القيادات الأفريقية، وأشار الرئيس إلى الدائرة الثالثة وهى دائرة الدول الإسلامية، لقد كان خطابا جامعا انتهى بأن هتف الرئيس بهتاف (تحيا مصر) وردده وراءه قادة الجمعية العامة للأمم المتحده لأول مرة فى تاريخها.
ثم ألا نلمح فى الدوائر الثلاث التى أشار إليها الرئيس السيسى لمحة ناصرية!!.
تحيا مصر.. تحيا مصر..
وجعلها عاملة دائماً على توحّد هذه الأمة
وقل عسى أن يكون ذلك قريباً.
والحمد لله والله المستعان.
نقلآ عن المصري اليوم