بقلم د. محمد كمال
مازال البعض فى مصر لا يريد أن يستوعب حقيقة أن الدولة المصرية تعرضت لهجمة ضارية استهدفت انهيارها، حيث تم استغلال مظاهرات ٢٥ يناير ٢٠١١ لتفكيك أركان الدولة المصرية بدءا بالهجوم على جهاز الشرطة والمنشآت الحكومية، وحل حزب الدولة والهجوم على القضاء، وانتهت بسيطرة فصيل معاد للدولة على الحكم.
البعض خارج مصر، أصبح يتحدث بصراحة وبشكل علمى عن طبيعة الهجمة التى تعرضت لها الدولة فى مصر والعالم العربى واستهدفت انهيارها وتفكيكها، ومن هؤلاء وزير الخارجية الأمريكى السابق هنرى كيسنجر، والذى التقاه الرئيس السيسى فى زيارته لنيويورك.
أفكار كيسنجر ظهرت فى كتابه الجديد الصادر من حوالى أسبوعين بعنوان «النظام الدولى»، وفيه يشير الى أن المشكلة الأساسية التى تواجه العديد من البلدان العربية اليوم هى تفكك الدولة إلى وحدات قبلية وطائفية، ودخولها فى صراع عنيف مع بعضها البعض، والتلاعب بها من خلال قوى خارجية متنافسة.
يرى كيسنجر أن الثورات وتغيير النظم فى العالم العربى لم تؤد إلى ظهور سلطة جديدة تحظى بالشرعية والقبول من غالبية المواطنين، وبالتالى أدت إلى زيادة الخلاف بين القوى المتناحرة ودخولها فى صراعات مفتوحة على السلطة، وأدى ذلك إلى انجراف أجزاء من الدولة إلى الفوضى والتفكك أو حالة التمرد الدائم، وأصبحت الحكومة المركزية غير راغبة أو غير قادرة على إعادة تأسيس سلطتها على مناطق داخل حدودها، أو على كيانات من غير الدول مثل تنظيم القاعدة وداعش.
على سبيل المثال يوضح كيسنجر أن تفكيك نظام صدام حسين القائم على الأقلية السنية لم يؤد إلى ضغوط من أجل تحقيق الديمقراطية ولكن أدى لضغوط لتحقيق الانتقام، وسعت الفصائل المختلفة لتحقيق ذلك من خلال ترسيخ ولاءاتها الدينية والدخول فى حروب مع بعضها البعض. وفى سوريا فإن الأمر لم يعد صراعا بين نظام ديكتاتورى وقوى ديمقراطية بل صراعا بين الطوائف السورية المختلفة الساعية للوصول للحكم والهيمنة على الآخرين، وانضمت إليها القوى الإقليمية بمساندة طائفتها المفضلة بالمال والسلاح. وكذلك تحولت ليبيا إلى بلد تمزقه الانقسامات الطائفية والقبلية، وقامت الجماعات المتطرفة بتوسيع نشاطها لدول المجاورة مستعينة بالسلاح الذى حصلت عليه من ترسانة القذاقى.
وهنا يشير كيسنجر إلى أنه عندما تفقد الدولة سيطرتها على نطاقها الجغرافى تتحول أراضيها إلى مناطق فراغ، وتصبح قاعدة للإرهاب، وإمدادات الأسلحة أو التحريض الطائفى ضد الجيران، وهنا يبدأ النظام الدولى أو الإقليمى أيضا فى التفكك.
استنادا لكيسنجر فإن استمرار هذا الفراغ قد يؤدى إلى اشتعال مواجهة فى الشرق الأوسط شبيهة بالحروب الدينية التى سادت أوروبا فى القرن السابع عشر، حيث تتداخل الصراعات الداخلية مع الصراعات الدولية، ويتم استخدام الدين لتحقيق أهداف استراتيجية وسياسية.
حديث الرئيس السيسى فى نيويورك - مع الوفد الإعلامى- عن أن «تثبيت الدولة» هو هدف استراتيجى بالنسبة له، يجب أن يفهم فى إطار الأفكار السابقة، وطبيعة المخاطر الداخلية والإقليمية التى تواجهها الدولة المصرية. تثبيت الدولة يعنى بالتأكيد تقوية مؤسساتها ولكنه يعنى أيضا تحقيق التنمية والعدالة وحكم القانون، وهى الأسس الراسخة للدولة القوية.
أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة
نقلآ عن المصري اليوم