علي سالم
أفهم أن يصطحب الناس أطفالهم للاستمتاع بمباراة كرة قدم أو أي مناسبة أخرى يعرف الأب أو الأم أنها ستشعر أطفالهما بالبهجة، ومن خلال هذه البهجة يتعلمون شيئا جديدا يمشي بهم في طريق النضج. لكني عاجز عن فهم أن تصطحب أطفالك معك وأنت ذاهب إلى المطار لتشتم أشخاصا بعد أن نزلوا من الطائرات بكل ما تملكه من فحش وكلمات بذيئة. أنا أفهم لماذا تشتمهم.. أنت تشتمهم لأنك لا تملك وسيلة أخرى للصراع معهم أو حتى لإدارة الخلاف معهم. وربما يكون السبب أبسط من ذلك بكثير وهو أن حضرتك قليل الأدب عديم الحياء منعدم التهذيب.
وحتى لو كنت كذلك فمن الطبيعي ألا تصطحب أطفالك معك في هذه المشتمة.. لأنه حتى المجرمون من بني البشر يحرصون على تنشئة أطفالهم بشكل مخالف لما تربوا عليه هم.
قلت ذلك لأبو طارق الذي كان يسمعني هادئا باهتمام فقال: «آه.. أنت تتكلم عن الصحافيين المصريين المرافقين للرئيس عبد الفتاح السيسي في رحلته إلى الأمم المتحدة، وتلك المشتمة التي نصبتها لهم جماعة الإخوان هناك، ولم تهمك بقدر استيائك من اصطحابهم لأطفالهم معهم.. يا عزيزي أبو علوة، على الرغم من أنك تعرف الكثير عن آليات التفكير عند عقل المتطرف، فإنك لم تتنبه إلى أن العنصر الرئيس أو الهدف الرئيس عند الشتامين لم يكن هو إشعار المجتمع المصري كله بالألم، بل كان هدفهم الرئيس هو تدريب أطفالهم على الكراهية، ليسهل عليهم بعد ذلك السير في طريق القتل. التفكير الطبيعي يدفعك للتفكير في مستقبل طفلك متمنيا أن يكون على خلق كريم، أو كما يقول المصريون (العيبة ماتخرجش من بقه)
غير أن المتطرف يفكر على النحو التالي (لقد فشلت في أن أكون قاتلا أذبح الناس بالسكين، كما فشلت في أن أتحول إلى قاتل يطلق النار على رجال الشرطة المصريين ويفر هاربا.. لم يعد لدي أمل في تحقيق إحدى هذه الأمنيات، لكن لدي ابني طفلي العزيز، لا بد أن أعمل منذ الآن على تدريبه على الكراهية.. فلنبدأ بالشتيمة). آفة حارتكم النسيان كما قال عظيمكم نجيب محفوظ يوما ما.. هل نسيت مشاهد الأطفال يرتدون الملابس البيضاء التي تشبه الكفن ويتكلمون عن رغبتهم في الشهادة؟.. دعني يا أبو علوة أذكرك برواية شهيرة لجورج أورويل وهي (1984)..
كانت هناك ساعة محددة في العمل اليومي، يتجمع فيها العاملون في ذلك النظام المتطرف في قاعة كبيرة تبدأ في عرض صور لمن يعتبره النظام عدوا له، وعلى الفور يبدأ المتفرجون في إطلاق أقذر أنواع الشتائم على الشخصيات التي تظهر صورتها في الفيلم. هي مشتمة يومية تغذي احتياجا حقيقيا عند الشتامين.. مجموعة الشتامين في أميركا تعاني معاناة شديدة لأنها عاجزة عن شتيمة أحد هناك وإشعاره بالألم بشكل مباشر أو وجها لوجه.
هكذا تراكمت في صدورهم أطنان الشتائم بما يهدد حياتهم، هي حالة معروفة تسمى الموت بإسفكسيا الشتائم. وأخيرا لاحت لهم الفرصة لشتيمة مصر والمصريين وتصوير ذلك كله.. وكأنهم يقولون للدنيا: هل رأيتم كم نحن قليلو الحياء منعدمو التهذيب؟!.. الدنيا حر جدا.. يبدو أننا لن نشاهد خريفا ولا شتاء هذا العام.. تشرب حاجة ساقعة؟».
نقلآ عن الشرق الاوسط