في عيد الأضحى، نهنئ إخوتنا المسلمين فى مِصر والمنطقة العربية والعالم أجمع بالعيد، متمنين كل خير وسلام لمِصر، وهدوءًا وسلامًا للمنطقة العربية والعالم، ففى الأعياد تتوحد القلوب بالمحبة والمشاركة، وتزداد الأفراح.
وتتلاحم الأعياد، فمع الاحتفال بعيد الأضحى يحتفل المِصريُّون غدًا بذكرى انتصارات أكتوبر التى صارت إحدى العلامات البارزة فى تاريخنا الحديث. ونخص بالشكر قواتنا المسلحة الصامدة التى لم ولن يجد اليأس أو الهزيمة إليها طريقًا. وتحية إلى كل مِصرى يكمل المسيرة بالبناء والعمل من أجل بلادنا المحبوبة المباركة، حفِظ الله مِصر وصانها من كل شر.
وإن كانت قواتنا المسلحة قد قدَّمت إلى العالم نموذجاً للصبر والهمة والعزيمة والإرادة التى تتحدى المستحيل وتحقق الانتصارات فى الوقت الذى يقول العالم فيه إنه «لا طريق للانتصارات»، فهى أيضًا لا تنسى دورها وواجبها الوطنى تجاه بناء البلاد وتقدمها وإعمارها، لتخرج علينا بمشروع قناة السويس الجديدة. وقد أفردنا عددًا من المقالات عن قناة السويس منذ أن كانت فكرة فى الدولة المِصرية القديمة حتى تأميمها، وردود الأفعال العالمية والتحركات الدولية حيال هذا القرار، ونستكمل معًا سلسلة المقالات.
محاولات
يذكر الأستاذ «مُحمد حسنين هيكل» أنه: «بعد تأميم قناة السويس، الولايات المتحدة فكرت فى حل لقضية التأميم. وبعثت وفدًا من رؤساء بعض شركات الملاحة الكبرى يحمل عقدًا بمبلغ بِليونَى (ألفى مليون) دولار نظير الحق فى إدارة قناة السويس. ووصل الوفد إلى مِصر فعلًا، وطلب أعضاؤه مقابلة رئيس الجمهورية، الذى حولهم إلى نائبه وقتها السيد (عبداللطيف البغدادى)». و«فوجئ (البغدادى) بالعرض مكتوبًا ينتظر التوقيع، وأبدى دهشته. ورفض العرض حتى دون الرجوع فى شأنه إلى (جمال عبدالناصر) الذى أقره على ما تصرف به...». وقد أدى هذا إلى الدور الذى لعِبه وزير الخارجية الأمريكى آنذاك «دالاس» فى عقد مؤتمر لندن ١٩٥٦م، الذى استمر قرابة الأسبوع، ليقرر أن قناة السويس هى قناة دُولية، وأنه لذا يجب تأليف هيئة دُولية لإدارتها. فقد كانت الدول المستعمِرة فى حالة من الفزع بسبب مواقف الرئيس المِصرى «جمال عبدالناصر»، وتخشى أن تشجع أعماله باقى الدول فى اتخاذ مواقف مماثلة. وفى هذا الصدد، ذُكر فى مجلة «المصور»، فى عددها رقم ٢٠٩٨ الصادر فى يوم الـخامس والعشرين من ديسمبر ١٩٦٤م، أنه: «... ساد نوع من الذعر العام من تهديد حرية الملاحة، فالبرتغال منزعجة بشأن مواصلاتها فى جُوام، وهولندا ساخطة على إندونيسيا التى رفضت دفع ديونها لهولندا، وكان الهولنديُّون يخشَون أن تشجع أعمال (ناصر) إندونيسيا على مصادرة ممتلكات الشركات الهولندية».
مؤتمر لندن الـسادس عشَر من أغسطس ١٩٥٦م
دُعيت ست وعشرون دولة إلى حضور «مؤتمر لندن». وقد حضر منها ممثلو اثنتين وعشرين، فى حين رفضت أربع دول الحضور هى: مِصر، والنمسا، والمجر، واليونان. وفى يوم السادس عشَر من أُغسطس عام ١٩٥٦م، تَقدَّم «ﭼون فوستر دلاس»، وزير الخارجية الأمريكى، ببيان فى جِلسة المؤتمر المسائية تضمَّن المشروع الأمريكى، ليصبح هو محور مناقشات المؤتمر، وكان مضمونه «تدويل القناة». وقد طُرح المشروع للتصويت: بالرفض، أو القبول، أو التعديل، أو الامتناع.
بدأ «دالاس» بيانه بتأكيد الفكرة التى يروجون إليها، أن قناة السويس هى «قناة دُولية»، محاولًا تأكيد ادعائه ذلك من خلال مقدمة اتفاقية القسطنطينية ١٨٨٨م، فقال: «إن قناة السويس شريان مائى له أهمية كبيرة لجميع الأمم، ولها طابع دُولى منذ إنشائها، وبُنيت على آمال دُولية وبرأسمال دُولى لخدمة أغراض دُولية، وأشرفت عليها شركة القناة العالمية. والعلاقة بين مِصر والشركة نُظِّمت باتفاقيات. ومعاهدة عام ١٨٨٨م حددت فى مقدمتها: «وضع نظام محدد نهائى من شأنه أن يؤمّن فى جميع الأوقات لجميع الدول حرية استخدام القناة البحرية».
ثم تحدث عن موقف الحكومة المِصرية بقرار التأميم، وأنه هز ثقة الدول، فقال: «ثم إن الحكومة المِصرية لجأت من جانب واحد، ومِن دون أى مفاوضات دُولية سابقة، نحن حريصون عليها، إلى إصدار قانون التأميم».
١. أظهر الرئيس ناصر ردًا على سحب عرض التمويل أنه ينوى استعمال القناة لخدمة الأهداف الوطنية المِصرية. وأن قناة السويس بصفتها الدُولية من الناحيتين القانونية والفعلية «هى آخر مكان... للانتصارات المحلية ومد المطامع الوطنية».
٢. إن هناك فرقًا بين معاهدة عام ١٨٨٨م وضماناتها الدولية وبين عملية مِصرية وطنية تضع الدول فى موقف من يرجو ويلتمس... والثقة قد تزعزعت كثيرًا.
٣. إن ما نحتاج إليه هو «إجراء لوضع القناة تحت نظام دُولى يكفل الثقة للذين يحتاجون عادة إلى استخدام القناة».
وقدَّم «دالاس» مقترحًا لما سماه «الخُطة العادلة» فى إدارة شؤون القناة فقال:
إن المبادئ التى أراها أساسًا لخُطة عادلة هى:
١. أن تدار القناة بكفاءة وحرية مكفولة بصفتها ممرًا دوليًا تنفيذًا لاتفاقية عام ١٨٨٨م.
٢. يجب أن تكون إدارة القناة منفصلة عن أثر السياسات الوطنية مهما كان مصدرها.
٣. يجب الاعتراف بحقوق مِصر المشروعة، ومصالحها فى القناة، وفى إدارتها، بما فى ذلك حصولها على دخل عادل.
٤. دفع تعويض عادل لشركة القناة العالمية.
كذلك وضع «دالاس» خُطة لتنفيذ المقترح المقدَّم بتكوين إدارة دُولية للقناة المصرية- حسبما ذكر- وفقًا لمعاهدة ١٨٨٨م، ارتكزت على أن:
١. تضطلع بمسؤولياتها هيئة دُولية متصلة بالأمم المتحدة وتمثَّل مِصر فيها.
٢. يكون لمِصر نصيب عادل، مع مراعاة جميع الحقوق المشروعة وسيادتها.
٣. يُدفع تعويض عادل للشركة العالمية لقناة السويس.
٤. كل خلاف بشأن ذلك يسوَّى أمام لجنة تحكيم، تُعيِّن أعضاءها محكمة العدل الدُّولية.
ومن العجيب أن «دالاس» ذكر فى بيانه: «إن هذا الاقتراح لا يناقض سيادة مِصر».
وفى يوم الـسابع عشَر من أُغسطس ١٩٥٦م، ألقى وزير الخارجية السوفيتية «دميترى شيبيلوف» خطابًا فى المؤتمر، وذكر فيه أنه: «لا يمكن لأحد أن ينكر أن تأميم الملكية الموجودة فى الأراضى التى تشملها صلاحية الدولة عمل مشروع من وِجهة نظر القانون الدُّولى. ومن حق الدولة أن تؤمم الملكية، بغض النظر عن كَون أصحاب الملكية من مواطنى هذه الدولة أو من الأجانب، وهو ما أكدته الجمعية العامة للأمم المتحدة فى قرارها الصادر فى عام ١٩٥٢م».
كذلك أشار «شيبيلوف» فى خطابه إلى الاستعدادات العسكرية البريطانية والفرنسية لضرب مِصر فقال: «إنه ليس سرًا أن أوساطًا بعينها فى فرنسا وبريطانيا تهدد باستخدام القوة ضد مِصر، سعيًا وراء فرض خُطة (الإدارة الدُّولية) لقناة السويس، إذا لم تمتثل مِصر لهذه الخُطة...». ثم حذر من آثار أى ضربة عسكرية تتعرض لها مِصر على المنطقة بأسرها فقال: «إن مثل هذه المخططات تعنى ضمنًا تهديد السلام فى الشرقَين الأدنى والأوسط. ولابد من الإشارة إلى أن ذلك لن يقتصر على صدام جزئى فى منطقة قناة السويس، بل من الممكن أن يتحول إلى صدام كبير يشمل كل المنطقة، وربما يتعدى إطارها».
كذلك أعلن «شيبيلوف»، فى خطاب آخر ألقاه فى الحادى والعشرين من أُغسطس ١٩٥٦م، المحاولات والضغوط التى تعرضت لها مِصر لمد مدة الامتياز فقال: «إن بعض الدول الغربية حاولت قبل إعلان الجمهورية المِصرية (أى قبل ثورة يوليو ١٩٥٢م) إقناع الحكومة المِصرية بمد امتياز قناة السويس من عام ١٩٦٦ حتى عام ٢٠٠٨م، إلا أن مِصر رفضت كل هذه الاقتراحات».
وقد ناقش وزير خارجية الاتحاد السوفيتى المشروع الذى تقدمت به الوِلايات المتحدة فى المؤتمر، الذى يهدُف إلى حرمان مِصر من السيادة على جزء من أرضها، واستمرار السياسة الاستعمارية، من خلال تكوين إدارة أجنبية لقناة السويس.
وقد تقدمت الهند فى المؤتمر نفسه بمشروع قرار فى شأن الحلول التى هى أنسب لأزمة قناة السويس، الذى استند إلى احترام سيادة مِصر ومصالحها، إضافةً إلى احترام مصالح الدول المستفيدة من قناة السويس. وقد وافق الاتحاد السوفيتى على ذلك المشروع.
وفى الثانى والعشرين من أُغسطس، اختتم المؤتمر أعماله وقد حصل مشروع «دالاس» فى التصويت على تأييد سبع عشرة دولة هى: بريطانيا، وألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا، وهولندا، وتركيا، وأستراليا، ونيوزيلندا، واليابان، وباكستان، وإيران، والسويد، والنُرويج، والدِنمارك، والبرتغال، وإثيوبيا، والوِلايات المتحدة الأمريكية، فى حين أكدت إسبانيا حق مِصر فى تأميم القناة، وأن المرور فيها يمكن تنظيمه بإجراء مفاوضات معها، كذلك قدَّم مندوبها اقتراحًا بأن تكون الهيئة المشرفة على القناة هيئة مِصرية بها تمثيل دولى، إلا أنها انضمت إلى الدول الـسبع عشرة لتكون الدولة الثامنة عشرة فى قبول المشروع، فى حين رفضت أربع دول المشروع وهى: سيلان، والهند، وإندونيسيا، والاتحاد السوفيتى. وهكذا وقعت القناة بين الشرق والغرب، و... وعن مِصر الحلوة الحديث لا ينتهى...!
* الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى
نقلا عن المصرى اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع