فى منتصف الستينيات، وفى خطبة تليفزيونية للرئيس عبدالناصر، أشار إلى أنه «لما تطلع الإذاعة البريطانية وتقول إن جمال عبدالناصر كلب زى ما قالوا.. بنقولهم وإنتم كمان ولاد ستين كلب»، وخاطب الجمهور قائلاً: «إنتو فاكرين إنتو كتبتلهم إيه على الحيطة فى ٥٦.. قولتلهم ملككم إيه؟!!» (ضحك وتصفيق)، بعدها بسنوات قليلة هُزمت مصر شر هزيمة، وانكسرت الانكسار الأعظم فى تاريخها.. وفى نهاية السبعينيات وصف الرئيس السادات معارضيه بالأفندية، ومن ثاروا ضده بأنهم «حرامية»، ووصف بعض القادة الدينيين بأنهم «زى الكلاب».. وكانت النتيجة المعروفة.. وفى عام ٢٠١٠، قلل الرئيس مبارك من شأن معارضيه وقال: «خليهم يتسلوا».. وكانت السقطة الكبرى فى تاريخه.. ومنذ أيام، وعلى العكس من ذلك، طالب الرئيس السيسى بعدم الإساءة أو استخدام الألفاظ المسيئة والنابية فى وصف الدول التى لا تساند مصر أو تعارض توجهاتها السياسية.
ولقد أصاب السيسى كبد الحقيقة عندما وجه وسائل الإعلام المصرية وناشدها بعدم الإساءة.. فما أسهل أن نستخدم الألفاظ المسيئة فى وصف من يختلفون معنا، وما أسهل أن نطلق التوصيفات القبيحة على من يخالفوننا الرأى.. لكن الطريقة الصحيحة هى أن «نكبر»، وأن ننمو بخطوات واثقة ومطردة، وأن نكون قوة لها بأسها ولها سطوتها فى العلاقات الدولية، ساعتها ستحل الأفعال محل الأقوال، وستحل الإجراءات محل الأمنيات، وستحل لغة القوة محل لغة «البذاءة».. سواء فى مواجهة تركيا أو غيرها من الدول التى تناصب مصر العداء فى الفترة الحالية..
ودعونا نقولها بكل صراحة، سنكون أقدر على شتم تركيا بأقذع الألفاظ ونوجعها فعلياً عندما يكون إجمالى الناتج القومى المصرى أكبر أو على الأقل مساوياً لإجمالى الناتج القومى التركى.. الإحصاءات الحالية (٢٠١٣) تشير إلى أن إجمالى الناتج القومى التركى (٨٢٠ مليار دولار)، يزيد ثلاث مرات تقريباً عن مثيله المصرى (٢٧٢ مليار دولار).. وهذا لا يأتى إلا بالعمل الفعلى وليس بالشتيمة.. الأمر نفسه ينطبق على معدل النمو فى الاقتصاد.. بلغ معدل النمو التركى ٩% فى عامى ٢٠١٠ و٢٠١١.. بينما بلغ مثيله المصرى ٥.٢% فى عام ٢٠١٠، وحاليا ٢.٣%.. الفارق الرهيب يجعل شتائمنا لا توجع، ويجعل انتقاداتنا لا تنفع.
سنكون أقدر على توجيه الشتائم لتركيا والإساءة لها يوم أن يصبح متوسط دخل الفرد أو نصيبه من الناتج الوطنى فى مصر مساوياً لنظيره التركى.. الإحصائيات تشير إلى أن هناك فجوة ثلاثية (ثلاثة أضعاف) بين المصرى (٣٣١٤ دولارا فى السنة)، والتركى (١٠٩٥٠ دولارا فى السنة).. والأمر نفسه فى مجال معدلات الفقر.. بلغت نسبة من هم تحت خط الفقر فى تركيا (٢.٣%)، فى مقابل ما يزيد على (٢٠%) فى أقصى الإحصائيات تفاؤلاً عن مصر.. واحد من كل خمسة مصريين على الأقل لا يجد قوت يومه، ولا قوت أسرته، فى مقابل شخصين من كل مائة شخص فى تركيا.. فارق كبير لا تردمه الشتائم.
وسنكون أقدر على رد الصفعات الكلامية لتركيا الصاع صاعين عندما يكون لدينا عدد من الجامعات التى يتم تصنيفها ضمن أفضل ٥٠٠ جامعة فى العالم أكثر من تركيا.. تركيا لديها حاليا عشر جامعات مصنفة ضمن أفضل جامعات العالم.. وبعضها فى مراكز متقدمة جدا فى هذا التصنيف.. وعلى العكس من ذلك، توجد فى مصر جامعة واحدة ضمن هذا التصنيف، هى جامعة القاهرة، وإن كان ذلك غير دائم، وإن كان ترتيبها فى مركز متأخر.. عندما تتساوى الكفتان ستكون ضرباتنا موجعة.
وسنكون أقدر على ردع تركيا وغيرها عندما تكون نسبة الإنفاق على البحث العلمى من إجمالى الناتج القومى أكبر من تركيا أو مساوية لها.. فى مصر النسبة حالياً أقل من نصف فى المائة، فى مقابل نسبة تصل إلى الضعف بالنسبة لتركيا.. الإنفاق على البحث العلمى هو بوابة التقدم وبوابة المستقبل.. تركيا تفتح الباب على مصراعيه بالنسبة للمستقبل، ونحن نتبع سياسة «الباب الموارب» الذى ينحشر فيه كل الناس..
وسنكون أقدر على الإساءة لتركيا ولغيرها عندما تكون الجودة الحقيقية وليست الجودة الورقية أو الكلامية هى المعيار الحاكم لكل شىء فى مصر.. نظرة سريعة مقارنة للمنتجات التركية ولنظيرتها المصرية تجعلك تكتشف الفرق بسهولة.. وبمقدار الفرق فى الجودة يكون الفرق فى القوة.
يا سادة.. العنتريات الفضائية لا بتودى ولا بتجيب.. نحتاج إلى أن نكون أقوياء على مؤشرات حقيقية، وعندها سنواجه الدنيا كلها بلا خوف، وستصبح مصر أم الدنيا وأد الدنيا.
نقلا عن المصرى اليوم