بقلم: مهندس عزمي إبراهيم
يُسعدني أن أقدم لأبناء مصر الذين لم يعاصروا النصف الأول من القرن العشرين، صورة مصرية "حقيقية" مُشَرِّفة من صوَر "الزمن الجميل" أعظم وأروع وأرقى عصور مصر الحديثة. حين كانت مصر دولة مدنية ديموقراطية وكانت تصون وتحترم الأديان. وقت أن كان المصريون رغم أختلاف الأديان، وبدون مبالغة، أصدقاءً وإخوة بمعنى الصداقة النقية والأخوَّة السامية. وأقسم أن كان لنا أصدقاء ما كنا نعرف لأي دين يتبعون. حيث لم يكن يعنينا أو يعنيهم لأيّ دين يتبعون، ولأيّ دين نتبع!!
كانت لغتنا حينئذ لغة المحبة والمودة والبساطة والقبول والتعايش في وطنية و"هوية مصرية نقية" غير مشوبة بعنصرية العِرق والدين!! فعلى سبيل المثال، كان تعبير "ينصر دينـك" يُتبادَل بطريقة عفوية أريحية بين المسلم والمسيحي، واليهودي والبهائي وغيرهم. يقال مِن أحدهما للآخر عند قيامه بعملٍ طيِّب أو عمل مُتقن. كانت "ينصر دينـك" تحية تشكّرية أو تشجيعية رقيقة تُقال وتُستقبَل دون تحميلها أي محملٍ عنصري. فالعنصرية وإخوتها النواقص فـُرِضت علينا للأسف باسم الدين... والأديان منها براء.
كان ذلك قبل أن يَستشري "الفيروس" الفقهي الوهابي العنصري وينفث سمومَه في شرايين مصر، مدفوعاً بالشَّرَه السلطوي والمادي الدنيوي، بل الدموي، مغلفاً بالبغضاء والنفاق الديني أو التدين المفتعل.
كنا حينئذ مصريين فقط،!! وكان فخرنا وسعادتنا أننا مصريون، أبناء الفراعنة العظام!!
وكانت مصر حينئذٍ "سيدة دول الشرق"، و"صديقة دول الغـرب" و"حبيبة العـالم أجمـع".
وكنا نؤمن بالحقيقة "الذهبيــَّـــة" التي يغفلـها الشرق العربي الإسلامي اليوم، وهي: أنَّ الإنسانَ إنسانٌ أولاً، وأن المصريَّ مصريٌّ أولا، قبل أن يكون مُسلماً أو مَسيحياً أو يَهودياً أو بهائياً أو أيَّ شيء آخر.
*******
ينصُـر دِينـَـك
وانا تلميــذ في ابتـدائي وثانــوي، كان كــل ما اجـاوب مسألة صَـح
أو كــل ما أعمــل كُـــلّ الـواجــب، كان أستاذي بيشجعـني
وكان بيقـولّي: ينصر دينـك
***
لمّـا كبــرت وبالعــــب كُــــورة، سواء في الملعـب أو في الحــارة
كان كل ما اجيـب جــون لفريـقي، كان الكابتـن بيشجعـني
وكان بيقـولّي: ينصر دينـك
***
مَــرّ الوقـــت وبقيــت شـــــاب، واتوظـَّــفت وعنـــدي اصحــــاب
وكـل ما أعمـل شـيء مُستحسَـن، كان زمـلائي أو رؤسـائي بيحيُّـوني
وبيقولولي: ينصر دينـك
***
إللي انـا عـــاوز أوضَّــح أمْــــرُه
النـاس دولا.. كان "أغلَبهم" مسلميـن
وكانـوا عارفيـــن... انّي مسيحي
وكـان شيء عـــادي بيجاملـوني
وأنـا.. بالمِثْـــل.. كنـت اجاملـــهم
بنفـس الجملـة "ينصـر دينـــك"
***
رَغـم الفــرق في الأديـــــــــــــان *** كنّــا اخــــــوات... كنّــا جيــــران
كنّــا احبـــــاب... كنّــا اصحــــاب
كنّـا مواطنيـــن لوطـــن واحِـــــد *** وكـل جهــــادنا لهـــدف واحــِـــد
كنّــا.. كُلـــِّـــــنا.. مصرييــــــــــن
ومُحبِّيـــن
رغم الفـرق في "اســم" الديـــن
***
كانـت مصــر.. امّـنـــــا وأبــــونا *** وكُـــــل العــــــــــــــالم بيحبـــونا
كـان تفكيــرنا نضيــف.. وكبيـــر *** وكانـت أحلامنــــا أكبـــر بكتيـــر
وكانـت مصــر.. مصـــــــر وبس *** وكـل ولائـــــنا لمصــــــر.. وبس
كانـت أهدافــــنا كلنـــــا وَاحــــدة *** وبتجمعـنـا كُلنــــــــــــــا وِحــــدة
لا كنـا هنـــــــادوة ولا عـربــــان *** ولا كنـا طلاينــــــة ولا أفغــــــان
وكان الديــن في القلـــب مُصــان
مُرقــــس عـايـــش مع عثمــــان *** ومَريـــم كانــت أخــــت احســان
وكــــلٍّ منـــهم.. مهمــا اختلفـــــوا
في ديـن أو مِلـَّـة
كان "إنســــان"
***
ينصر دينـك
كانت جملـة.. مجاملــة.. بسيـطة *** معنــاها حـرفيــــاً مش مقصــود
لكن مَدلـولـها.. سَـمـاح ومَـــوَدة
ودولا أهــَــم ملامِــــــح الـديــــن
بل دول اسْـمَى معـــاني الـديــــن
***
ماكانش الدين في حياتنا منافسة *** بيخلــق فيــــنا حِقــْـــــد وخِسـَّـة
ماكانش الديـن في حياتـنا قـيُــود *** وكان اللـــــه وسـطـنــا موجـــود
ماكانش الديـن في حياتـنا عَـقَبـَة *** لا كان شخشيخة.. ولا كان لِعبـَـة
لا في المدرســة ولا في الملعــب *** ولا في المصنـع ولا في المكتــب
ولا في الســوق ولا في الشــارع
كان منصان.. في كنيسة وجامـع *** وكــان الكـــــــــــــل بيحتـرمــوه
ماكانش الديــن حاجــز أو مانــع *** إن الأخ يحــــــــــب اخـــــــــــوه
رغم الفـرق في "اســم" الديـــن
***
لِيَّ رَجــــاء..!!
لـ ِعَبـد الـواحـــــد وعبـد الــــرَّب *** أصـل "الواحــد" هُـوَّا "الــرَّب"
ديــــني وديــــنك.. جُــوّا القلـــب *** واللي بيِبـني الوطـــن "الحُـــب"
إبــقى أخــــويا.. لأنـّي أخــــــوك *** آدم ابــــــــويا... وآدم أبــــــــوك
مهمــا كـذبــــــوا اللي يغـشـُّــوك
***
ينصـر دينــك.. فكــَّـــر فيــها
بـ "روح" الكلمة مش بـ النَّـصْ *** لا هيّـا لاونــدي.. ولاهي لاتيــني
لا غيــَّــرت شــيء مـن دينـــــك *** ولا غيـَّــرت شــيء مـن ديـــــني
ولا حتنقــَّـص دينـــــــَّــــــــا ذَرة *** ولا حتـــزود دينـــــــَّــــــا شـعـرة
لكن مَدلـولـها.. سَـمـاح ومَـــوَدة
ودولا أهــَــم ملامِــــــح الـديــــن
بل دول اسْـمَى معـــاني الـديــــن
***
ينصر دينـك
مش لازم "بالظبــــط" نقــولــها *** عنــدنا ألــــف مجاملــة مَثيـلــها
من غير تلـكيك *** وِبـدون تشكيك
حُسْــن النيــَّـــــــة يكــون أولــها *** ولـًـمّ الشمــل أكيــــــد مفعــولـها
ونصرة مصر أكيـــــد محصولـها
ونعـــود تــــاني لأعظـــم عَصــر *** والنـــور يرجــع تـــــاني للقصـر
وتعــود مصــر لأبنـــــــاء مصــر
مصــر وطــــن يحضــن ملاييـــن
رغم الفـرق في "اســم" الديـــن
*******
يا أبنــاء مصر العظيمة:
أبعدوا العنصرية الوهابية الصفراء بعيداً عن مصر، هذا البلاء المستورَد. فالعنصرية هي سبب تأخير مصر. وابعدوا الدين عن السياسة يُصان الدين، وترقى مصر، ويتقدم شعبها في وحدة وإخاء ورخاء، ونعود كما كنا في عصر "الزمن الجميل".