بقلم د. وحيد عبدالمجيد | الجمعة ١٧ اكتوبر ٢٠١٤ -
٥٢:
٠٤ م +02:00 EET
قيادة جماعة «الإخوان»
بقلم د. وحيد عبدالمجيد
تدفع جامعاتنا الثمن الأفدح لعنف أعمى أطلقته قيادة جماعة «الإخوان» بعد سقوط حكمها، فقد تحول عدد من هذه الجامعات إلى ساحات لممارسة العنف خلال العام الجامعى الماضى. والعنف خطر على الديمقراطية والحريات، كما على المجتمع. فهو يوفر مبررات وذرائع لتضييق المساحة التى يتنفس فيها الناس هواء الحرية. وهذا هو ما يحدث الآن فى جامعات مصر التى يُفترض أن يهب منها هذا الهواء لينعش المجتمع كله ويساهم فى تفتح زهور العقل والعلم والإبداع والابتكار فى ربوعه.
فها هو العام الجامعى الجديد يبدأ بسلسلة من إجراءات التقييد القاسية التى تُبعد نسيم الحرية. وإذا فقدت الجامعة، أى جامعة فى العالم، هذا النسيم صارت مهددة بأن تصبح صحراء قاحلة، وهى التى يُفترض أن تكون بستاناً يانعاً يتفتح فيه العقل ويزدهر التفكير ويزداد الإقبال على البحث، وينتعش من ثم الإبداع والاختراع والابتكار الذى يستحيل فى غيابه أن يلحق بلد بالعصر فى هذا العصر.
فقد نشطت ماكينة التقييد لإجراء تعديلات فى اللائحة الطلابية التى ناضلت أجيال من الطلاب لتحريرها من القيود، لتصبح هذه اللائحة أسوأ من لائحة ١٩٧٩ التى كنا نعتبرها الأسوأ لأنها فُرضت على أنقاض اللائحة الأفضل التى انتزعها جيلنا فى الجامعات بكفاحه السلمى الراقى عام ١٩٧٦.
ورغم أن الذريعة المستخدمة لتبرير محاصرة الحرية فى الجامعات تتعلق بخطر عنف طلاب «الإخوان»، فلا علاقة للقيود الجديدة بهؤلاء الطلاب وعنفهم، لأنها تُكَّبل الطالب صاحب الرأى الحر بل الطالب العادى جداً الذى يتطلع إلى ممارسة نشاطه دون أن يكون فوق رأسه رقيب.
ولا تقتصر القيود الجديدة على الطلاب. فهى تشمل أعضاء هيئات التدريس من خلال محاولة رفضها مجلس الدولة الشامخ لتعديل قانون تنظيم الجامعات وإعطاء رؤسائها سلطة مطلقة تتيح لهم فصل أى عضو هيئة تدريس بدون ضوابط، بالمخالفة لجملة مواد فى الدستور الذى لا نعرف أين ذهب، وبالتناقض مع القواعد المحددة فى قانون العمل أيضاً. ولا يقل خطرا عن المخالفة الدستورية والقانونية انتهاك التقاليد الجامعية التى لا تجيز فصل عضو هيئة تدريس إلا بعد تحقيق مستقل وفى أمر يتعلق بشرف العمل الجامعى على سبيل الحصر.
ومن شأن استمرار هذه الطريقة فى إدارة الجامعات مساعدة من يسعون إلى تخريبها عبر تسميم أجواء العمل فيها، على نحو ينذر بمزيد من التدهور فى مستوى التعليم بعد أن بلغ هذا التدهور مبلغاً كنا نتصور أنه ليس له ما بعده.
ولعل أخطر ما يهدد المستقبل الذى يمثله الطلاب، وليس فقط العملية التعليمية، هو ما صرح به مسؤولون فى بعض الجامعات وأجهزة الأمن بشأن الاستعانة بمن يُطلق عليهم «الطلبة والأساتذة الوطنيون» للإبلاغ عن مثيرى الشغب. ويحسب للسيد وزير التعليم العالى أنه حاول تخفيف أثر تصريحات مفجعة نسبت الى أحد رؤساء الجامعات تفيد أنه جند بالفعل «جواسيس» بين الطلاب، ولكن الوزير لم يكن مقنعا حين قال ما معناه أن رئيس الجامعة هذا لم يقصد ما نسب إليه حرفيا! ولذلك، ولخطورة هذا التوجه، لابد أن نسأل عما إذا كان طالبا أو عضو هيئة تدريس يمكن أن يجد نفسه مهدداً إذا رفض القيام بهذه المهمة المشينة، التى تعيد إلى الأذهان شخصية محجوب عبدالدايم بطل رواية «القاهرة ٣٠»، والتى يعرفها كثير من المصريين من خلال العمل الدرامى الذى استند عليها، إن لم يكن عن طريق قراءتها؟ فقد صارت هذه الشخصية «نموذجاً» للسقوط الأخلاقى وبيع الضمير. فكم «محجوب عبدالدايم» يريد من لا يجدون حرجاً فى الحديث عن سعيهم إلى تحويل طلاب وأساتذة الى «بصاصين»؟ وهل يدركون الكارثة العامة التى ستترتب على تشجيع طلاب وأساتذة للتخلى عن ضمائرهم، أومحاولة إرغامهم على ذلك؟ وهل هذا هو التحديث الذى نرجوه لجامعاتنا؟ وكيف يمكن أن نواصل التطلع إلى «مصر جديدة» تحدث عنها الرئيس عبدالفتاح السيسى مرات آخرها فى كلمته فى الأمم المتحدة، فى الوقت الذى يُراد بطلاب وأساتذة فى الجامعات أن تكون شخصية «محجوب عبدالدايم» هى قدوتهم؟ وما هو نوع البناء الذى يستطيع هؤلاء أن يبنوه على وجه التحديد؟
وليست هذه إلا عينة من أسئلة كثيرة يثيرها المنهج «الأمنوى» السائد فى التعامل مع جامعاتنا التى تحتاج إلى رافعة تنتشلها لتقوم بدورها المحتجز فى بناء «مصر جديدة»، فإذا بمعاول هدم جديدة تهددها بمزيد من التدهور.
إن مواجهة العنف والمحافظة على سير العملية التعليمية هما مهمتان أكثر من ضرورتين. ولكنهما لا تتحققان بتفريغ الجامعات من هواء الحرية الذى لا تعيش بدونه، ولا بإرهاب طلابها وأساتذتها لمنعهم من التفكير الذى يعتبر الفريضة الأولى فيها، ولا بتجريم السياسة واعتبارها جزءاً من المشكلة وليس جزءاً من الحل باعتبارها أحد سبل تعلم الحوار الموضوعى بين اتجاهات متعددة.
نقلآ عن المصري اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع