بقلم: ماجدة سيدهم
الشوارع تتسع بمساحة حياة مترامية المفاجآت والخطايا ،التنفس هو أيضا تواتر على متن شهوة الضوء للقاء عابر ربما أو مغفرة جديدة ،كل شيء ممكن وكل شيء مباح ، ليس ثمة مجال للتفكير بفعل أمر ما طالما الأبواب مغلقة حيث يزدهر فينا الاغتراب فهل آثرنا نكون بمعزل عن الغير ..أن نكون وهما أو ضدا ؟هذا مثير جدا للتوقف قليلا ، لترتيب أولويات البوح والارتطام بجموع السائرين صوب علامات التشرد دونما التفاتة أو حتى إعادة للسؤال ..كيف نكون حقيقة ؟ ..الأرصفة المبللة بالزحام تسمح بذاك السؤالأيضا -فالمشاوير على وجه الأسفلت جميعها مطعونة بفريضة التعب طالما الأولياء يمنحوننا بقايا القربان صبيحة كل حلم معطل وبعضا من أحجية وحنوط لترطيب الثغرات والعوز الصعب ،يا لشقاء بنت شعبي ذات الربيع المتهالك والحبلى بالفجوة والهزيمة ، من يجول بيننا الآن ليعبر بنا إلى خصيب الراحة والاتكاء، ينزع عن قصائدنا رداء الخرافة ويدك صوامع العزلة ومخاصمة الجمال ، مقتضب هذا الصباح نوعا ما - وفي نوفمبر تكون اللوحات ممزوجة بالضباب والنبيذ حيث لا محل للمطر كي يبحث عن مسرب للزخات سوى ذ اك المنزلق المتعرج على واجهات المحلات أو أن يتعلق صبورا بغبار المدنية المؤجلة ،المطر جسد الغيمة المنصهر بفعل لذة حرارة البرد المتراكم ..
أعود الآن للزحام حيث أتلو هبوطي على درج الإيقاع المألوف ،خراب لإيقاع الصعود والهبوط دونما انتباه - وأي مسلك هنا يطلعنا بعنوان الإنسان، الشارع بارد لكن الحركة حتمية فجوع البيوت خرّبه سوس الطحين اليابس - لكني أحتمي بالضجة ، أتدثر بصوت الباعة في الأسواق ..هرولة أطفال المدارس .. صفير السيارات..البضاعة المغشوشة تضحكني .. لا تروق لنا ..نـُقـلـِّّبها ثم نشتريها ، رائحة الطعام الشعبي تبعث الألفة مع كل المفارقات والتناقضات الحادة في خصر الزحام ، سكان الحي يعرفون أو لا يعرفون بعضا.. يخشون بعضا لكنهم يتوقون ويحتاجون جدا الالتصاق ببعض ..تسقط الوصايا إذا فليس ثمة عزلة رابحة وليس هناك مجال للهرب من مواجهة الحب ، الحب مطر بري يطاردنا .. يحس بجوعنا لذا أنهكنا التعب حين تـُجلدنا سياط الوصايا العقيمة كي نكون رفضا وحتى تصبح بواكير العمر رفاتا و انزواءً ، لن ينجو من رنم وحده قصائد الخمر ولن يبشر بالنبوءة من صدح بمفرده اسفار الفرح ، باطل من شيد صروح الحكمة بكبرياء قلب وكاذب من سبح بشهقة السموات وخشيَ عناق الأرض ممشى الآلهة ومضجع الحلم والآلام ..
اترك قربانك والحق بأخيك فبينما تفتش عن ذاتك ستكون أول من يغمس مع الضرير هذا في ذات الصحفة من البقول القديمة .. هذا أخوك ، حين وقفمعنا يبتاع من تجاعيد ذات الخبز خذلتني شجاعته ،رمقناببريق ضحكة كمن يدعونا نشاطره ملح الأغنية " ياصهبجية إيه يا لا للي .. عاوزين شوية إيه يا لا للي .. حاجة م اللي هيّه إيه يا لاللي .. " توجهت لأخرج من جيب جلبابه قروشا ..امتن بلطف بينما تدلى عن ذراعيه المبتورين كيسا الخبز اللذان علقتهما له ، تابعنا معه الصفير " حبة آهات على ليل على عين على ترا لا للي " ثم ذهب ..هذا أيضا أخي ، بائعة البقدونس البرصاء هي أختي ..المجرمون .. الكهنة .. العاهرات .. العلماء ..المتألمون .. المتسخون .. الهاربون . جموع السائرين عطشا للحب هم أخوتي .. أهجر فرائضك وفتش عن أخيك حيث روحك المصلوبة معه في حيز التعب ،ثق يبحث عنك أيضا ..مرتبك ربما أو خجل.. لذا لنبادر أولا بهطول المغفرة سنجد الإنسان فينا ونربح لمعانا في عيون كثيرين .. كن عبقريا.. كن إنسانا .. !
ولم ينته بعد ..