كثير جداً ما كُتب عن جماعة الإخوان المسلمين، قدحاً ومدحاً، فى السنوات الثمانين الماضية، أى منذ أسس الداعية حسن البنا، تلك الجماعة عام ١٩٢٨. ولا يمكن تجاهل أو إنكار الدور الذى لعبته الجماعة، مصرياً وعربياً وإسلامياً وعالمياً، خلال العقود الثمانية الماضية، سلباً وإيجاباً.
كذلك تم التعرض بشكل كاف فى الأدبيات المنشورة، لنزعة التطرف والعُنف، فى فكر الجماعة، والإرهاب فى ممارساتها. ولعل ما رآه الشعب المصرى من سلوكيات الجماعة خلال السنتين الأخيرتين (٢٠١٣-٢٠١٤) هو أبلغ من أى حديث ومن ألف مقال.
ولكن الذى لم تتناوله هذه الأدبيات، لا كمياً ولا كيفياً، هو قضية غياب- إن لم يكن الانعدام التام- الإبداع فى أدبيات الجماعة، وبين أعضائها، الذين قاربوا المليون فى السنوات الأخيرة، ولا بين أنصارهم، الذين يُقدرهم مركز ابن خلدون بحوالى خمسة ملايين.
والمقصود بالإبداع، كما يعرف أهل الفنون والآداب، وكما يتذوقها ويستمتع بها آخرون كثيرون ممن يُصادفون أو يتلقون، هو التعبيرات الجمالية المكتوبة، أو المنحوتة، أو المرسومة، أو المعزوفة.
فهل سمع أو صادف أى من قُراء هذا المقال مُبدعا ينتمى إلى جماعة الإخوان المسلمين؟
أنا شخصياً، وقد بلغت من العُمر أرذله (٧٥ عاماً) لم أصادف عملا إبداعياً واحداً، لأى من جماعة الإخوان المسلمين، أو بين أولئك المحسوبين عليهم. وأرجو تصحيحى إن كنت مُخطئا أو مُتجاوزاً.
وحبذا، لو تعرض آخرون لمسألة غياب أو انعدام الإبداع فى صفوف الإخوان. فالأمر يتخطى الإشكالية التى ينبغى لعُلماء النفس وعُلماء الاجتماع وللفنانين المُبدعين أنفسهم أن يُساعدونا فى الإجابة عن أسباب هذا الغياب أو هذا الانعدام للإبداع عند الإخوان. فهناك مقولة سائدة فى علم اجتماع الفن والجمال، فحواها أن كل مجتمع بشرى، يحتوى على نسبة، مهما كانت ضئيلة، من النوابع والمبدعين. والتحدى أمام المجتمع هو أن يكتشف هذه النسبة وأن يدفع بأفرادها إلى السطح، فضلاً عن إزالة العوائق من طريقهم، وتشجيعهم.
ويمكن أن يحدث العكس تماماً. فيقوم المجتمع، أو أصحاب السُلطة والجاه فيه، بكبت أو مُطاردة المُبدعين من أبنائه وبناته، أو يحرمونهم من قنوات التعبير التى تُظهر إبداعاتهم.
وأظن، وبعض الظن إثم، أن الإخوان المسلمين يقومون بتنشئة وتربية أعضائهم وأبناء أعضائهم على السمع والطاعة. ويقول عُلماء النفس والاجتماع، إن هذا النمط من التربية هو الذى يكبت إن لم يقتل أى نزعة للإبداع.
والجدير بالمُلاحظة، أن قادة الإخوان من الكهول والشيوخ، لا يُشاركون فى أى من هذه العمليات الاستشهادية. كما لم نسمع أو نقرأ أن أحداً من أبنائهم، أو أشقائهم، أو شقيقاتهم قد قام بأى من هذه العمليات الاستشهادية. فهل هم يؤثرون أتباعهم على أنفسهم وعلى ذويهم للفوز بشرف الشهادة ودخول الجنة؟!
إن حقيقة الأمر هى أن الهم الأكبر والأول لدى قادة الجماعة هو السُلطة، والسُلطة، ولا شىء غير السُلطة... وما الإسلام والدعوة إليه، إلا الوسيلة لهذه الغاية... وكما قال داهية السياسة الإيطالى ميكافيلى، أن الغاية تُبرر الوسيلة، أى وسيلة.
لذلك فإن أى استراتيجية ناجحة لمُقاومة الإرهاب، وخاصة الإرهاب باسم الدين، لا بد أن تبدأ فى عقول البشر. ففى مُقابل الإيمان الأعمى الذى يسبق ويُصاحب الرغبة فى الاستشهاد، والإقدام عليه لا بد أن تبدأ بدورها فى عقول البشر.
وهنا يأتى دور التوأم المؤسسى، وهما التعليم والإعلام. وكان الأستاذ الفاضل والطبيب النابه د.حسين كامل بهاء الدين، أيام كان وزيراً للتربية، قد اقتنع بهذا التوجه الاستراتيجى. وكلف فريقاً من خُبراء التربية والتعليم وعلم النفس والاجتماع، بمُراجعة كل مناهج التربية (المُطالعة، واللغة العربية، والدين، والتاريخ) لتنقيتها من المناهج والأفكار التى تدفع إلى الغلو، والتشدد، والتطرف، والعُنف. وصياغة مناهج بديلة، تغرس فى عقول وقلوب أطفالنا قيم وسلوكيات التسامح، وقبول الآخر، والمُعاملات القويمة. وهنا، شن الإخوان المسلمون، ونوابهم فى مجلس الشعب، حملة شعواء على الوزير، أجبرت الرئيس الأسبق (حسنى مُبارك) وقتها على أن يطلب من الوزير حسين كامل بهاء الدين، سحب مشروع المناهج البديلة، وإبقاء الأمور على حالها. وهو ما حدث. وها نحن نحصد الشوك ويدفع أبناء قواتنا المُسلحة ضريبة دم يومية على رمال سيناء، كما يدفع رجال الشُرطة ضريبة مُماثلة فى شوارع المُدن المصرية، من الإسكندرية إلى أسوان.
فحبذا، لو أن وزير التربية الحالى، د. محمود أبوالنصر، بكل ما عُرف عنه من همة ومن نشاط، قام بمُبادرة مُماثلة لما فعله نظيره، قبل ثلاثين عاماً. وبما أننى كنت عضواً فى الفريق السابق، فإننى على استعداد للمشورة مع أى فريق تربوى لاحق للقيام بهذه المُهمة الجليلة.
أما دور الإعلام، فلابد للمسؤولين عنه حالياً، أن يعودوا إلى وزير الإعلام الأسبق صفوت الشريف للتعرف منه عن البرامج الحوارية المُستنيرة، التى استحدثتها وسائل الإعلام لعدة سنوات، وفى مقدمتها التليفزيون المصرى، وأسهمت فى مُناهضة المُمارسات الدينية الضلالية والخُرافية عن عذاب القبر والثعبان الأقرع، وكراهية الآخر المُختلف.
ويبدو أننا، فى مطلع القرن الحادى والعشرين، لابد أن نخوض نفس المعركة التى خاضها د. حسين كامل بهاء الدين منذ ثلاثين عاماً، وخاضها طه حسين قبل سبعين عاماً، وخاضها الإمام محمد عبده قبل مائة عام، أى فى مطلع القرن العشرين.
فلا حول ولا قوة إلا بالله.
semibrahim@gmail.com
نقلا عن المصري اليوم