بقلم : د. سامح فوزى | السبت ١٥ نوفمبر ٢٠١٤ -
٢٤:
٠٣ م +02:00 EET
صورة تعبيرية
بقلم : د. سامح فوزى
يٌقصد بتمكين الريف أن يكون منتجا، مستوعبا السكان الذين يعيشون فيه، ممتلكا مقومات التنمية فى ذاته. إذا لم يُمكن الريف تضعف طاقاته الانتاجية، ويمارس طردا مطردا للفائض السكاني، خاصة الطاقة الشبابية، التى ينصرف جزء كبير منها- نتيجة ضعف التعليم والتدريب- إلى الاقتصاد غير الرسمى فى المدن، أو يتحولوا إلى مهاجرين غير شرعيين.
عٌقدت الأسبوع الماضى ورشة عمل فى مكتبة الإسكندرية دارت حول تبادل الخبرات بين دول شمال وجنوب البحر المتوسط، شارك فيها عدد من الهيئات المصرية التى تمتلك تجارب مهمة وملهمة فى مجال تمكين المجتمعات الزراعية. أفرزت النقاشات التى دارت عن عدد من الدروس المستفادة فى مجال تنمية الريف، تمثل فى ذاتها خلاصة تجربة ممتدة عبر سنوات من النجاح، وتخطى العقبات، ومواجهة العثرات. أهمية هذه التجارب تنبع من أنها «مصرية»، قد تكون متأثرة بنماذج تنموية فى دول متقدمة، لكنها تكيفت مع البيئة المصرية، وعبرت فى ذاتها عن إبداع تنموى مهم فى التعامل مع إشكاليات الواقع. وحين يجتمع خبراء، وممارسون، وباحثون جادون لهم خبرات يصبح النقاش ممتعا، وتتدفق الدروس المستفادة التى يجدر التوقف أمامها.
الدرس الأول: أن المجتمعات الريفية تعانى تعثر التنمية، وضعف المرافق، وغياب الكثير من الخدمات الأساسية، لكنها لا تخلو من إبداع، انتجه الناس فى رحلة تفاعلهم مع البيئة المحيطة بهم. التنمية الحقيقية ينبغى أن تبدأ من إبداع الناس، تسعى إلى تطويره، ولا تهبط عليهم من أبراج المعرفة العاجية، كما لو أن القادمين من خارج الريف هم «أهل العلم»، الذين يسعون إلى تعليم غيرهم.
الدرس الثاني: التنمية لا يجب أن تكون فيما هو «مادي» فقط، لكنها تمتد إلى الناس، تسعى إلى ايجاد شبكات اجتماعية بينهم تقوم على الثقة، والتضامن، والتعلم المستمر. خبرات التنمية التى استطاعت استيعاب المواطن بين ارجائها، وسعت إلى تطوير قدراته نجحت فى أن توطن نفسها فى المجتمعات المحلية، وجعلت المواطن المالك الحقيقى لها، ولم ينظر لها الناس نظرة منفعة عابرة.
الدرس الثالث: التنمية المستدامة، المستمرة هى التى تسعى إلى تطوير علاقة المواطن بالبيئة التى يعيش فيها. هناك تجارب مهمة قامت على تحويل الفاقد من الزراعة إلى أعلاف، أو جريد النخيل إلى آثاث، وغيرها من التجارب التى تمنح الفرد علاقة أفضل بالبيئة المحيطة، ويجعله يفكر باستمرار فى طرق التفاعل الايجابى معها.
الدرس الرابع: البحث الاجتماعى لا ينبغى أن ينفصل عن تجارب التنمية على أرض الواقع. هناك تغيرات تحدث فى الريف، ينبغى دراستها. البحث الاجتماعى يفيد التنمية فى فهم السياق الاجتماعى والاقتصادى والثقافى بشكل أفضل، وتجارب التنمية الجادة تمد البحث الاجتماعى بنظرات واقعية للتغيرات الاجتماعية. معاهد التنمية الكبرى فى العالم تفعل ذلك، يكفى تأمل- على سبيل المثال- مطبوعات مركز دراسات التنمية بجامعة «ساسكس» ببريطانيا حتى نرى كيف أن البحث الاجتماعى ملاصق للتجارب التنموية. إحدى أزمات البحث الاجتماعى فى المجتمع المصرى أنه منفصل عن تجارب التنمية، ولا يوجد تراكم فى البحث الاجتماعى للتغيرات التى تحدث فى الريف.
الدرس الخامس: المجتمع الزراعى لم يعد فقط فى الريف التقليدي، لكنه امتد إلى الصحراء. هنا يظهر اختلاف أساسي. عقلية التنمية فى الريف تختلف عن الصحراء، وبالتالى فإن الذهاب إلى الصحراء بذهنية وفرة المياه فى الريف، وطبيعة الحياة فيه عادة ما تصادف مشكلات جمة. تحتاج الصحراء إلى الحوار الحياتى العميق معها، ومحاولة تفهم طبيعتها، والعمل على الإفادة منها.
الدرس السادس: التوثيق غائب فى تجارب التنمية. هناك تجارب تنموية مهمة نجحت، وأخرى أخفقت، توثيق كليهما يطور المشروعات التنموية. أحد الإشكاليات الكبرى فى تنمية المجتمع المصرى أن توثيق خبرات التنمية غائب أو شديد المحدودية، مما يحول دون تبادل الخبرات التنموية، ويحد من تراكم المعرفة والخبرات، ويحرم المجتمع من وجود ذاكرة تنموية.
أخيرا التنمية ليست منفصلة عن السياسات العامة للدولة، بل يفترض أن تكون جوهرها، وهى غير منبتة الصلة عن رأس المال الخاص الذى فى غمار سعيه لتحقيق الربح يتعين أن يدرك أن تطوير المجتمع الذى يعمل فيه يعود عليه بالفائدة، وكم من تجارب تلاقى فيها القطاع الخاص مع مشروعات التنمية، أثبتت نجاحا، وأكدت أهمية المسئولية الاجتماعية لرأس المال. هناك معادلة تحقق التكامل: السياسات العامة للدولة توفر السياق الناهض للتنمية، هنا تكامل وتناسق السياسات مسألة أساسية، والقطاع الخاص يوجه جزءا من ربحه للتنمية، والهيئات التنموية تغوص فى أعماق المجتمع لتحقيق الشراكة الحقيقية مع المواطن المستفيد، المشارك، والمالك الحقيقى للتجربة التنموية.
هذه بعض الدروس المستفادة التى أمكن التقاطها من نقاشات عميقة شارك فيها مشاركون من مصر، ودول عربية وأوروبية، تذكر المرء بأننا فى حاجة إلى هذه النوعية من اللقاءات، والحوارات، والكتابات التى تلائم دولة تريد إعادة بناء نفسها، ولا تكتفى نخبتها بالمساجلات الإعلامية، ومناورات السياسة، واللغة الخشنة التى تهيمن على المجال العام، وتصدير الإحباط للمواطنين.
نقلاَ عن الأهرام
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع