فى مسيرة الدول نحو الديمقراطية لا توجد وصفة واحدة، كما أن الطريق إلى هذا النوع من نظم الحكم لا يسير فى خط مستقيم، وكم كانت كثيرة المرات التى أوصلت فيها الديمقراطية مستبدين ومجرمين إلى كرسى السلطة (هتلر على سبيل المثال)، لكن المؤكد أن المسيرة طويلة وتتطلب مزيدا من الوقت لإتمام التحول الديمقراطى.
المؤكد أن عملية انتقال دولة من نظام سياسى استبدادى فاشىّ أو ثيوقراطى إلى نظام ديمقراطى، هى عملية معقدة، تشهد تحولات عديدة، نجاحات وانتكاسات، خطوات إلى الأمام، وأخرى إلى الخلف، تستغرق وقتاً طويلاً نسبياً، بصرف النظر عن طريقة التحول والأداة المستخدمة، التى قد تكون طريقة ثورية أو عملية تحول تدريجى، المهم هنا ألا تفقد الشعوب إيمانها بقدرتها على فرض إرادتها والوصول إلى النظام الديمقراطى الذى هو فى جوهره وببساطة شديدة يعنى حكم الشعب بنفسه ولنفسه، يعنى أن الحاكم موظف عام يصعد إلى كرسى السلطة بإرادة شعبية، ويستمر بها أيضا، ويمكن أن ينزل من على الكرسى إذا أراد الشعب ذلك، فالشعب فى النظم الديمقراطية هو صاحب السيادة، وهو الذى يعطى توكيلا لحزب أو أشخاص بالإدارة،
فإن أساءوا استخدام التفويض الممنوح لهم، أمكن سحبه. طريق التحول الديمقراطى طويل ووعر وبه صعوبات كثيرة، عكس حال الطريق إلى تدشين نظام فاشى أو استبدادى، فالديمقراطية تعنى بناء دولة مؤسسات وقانون، تعنى إرساء أسس الشفافية والمحاسبة، تعنى إعلاء قيمة المواطنة والمساواة، وهى عملية تستغرق وقتا طويلا وتتطلب جهدا ضخما، هذا بينما لا يتطلب بناء نظام غير ديمقراطى، فاشى أو استبدادى، أكثر من قرار من حاكم أو نخبة تفرض سيطرتها وتخضع المؤسسات لإرادتها. والأصل فى إنشاء الدول، مع استثناءات محدودة تمثلت فى دولة المدينة اليونانية القديمة، هو نظام الحكم الثيوقراطى،
أى الدينى الذى يستند إلى نظرية الحق الإلهى، وممثلى الإله على الأرض، أو الحكم السلطوى الاستبدادى. والديمقراطية بمعناها المتعارف عليه، والتى تعنى ببساطة حكم الشعب نفسه بنفسه ولنفسه، هى صيغة طرحها وطورها الفلاسفة وعلماء السياسة فى مسيرة بحثهم عن نظم حكم تنهض على أساس نظرية العقد الاجتماعى، التى تطورت على يد فلاسفة عظام، أبرزهم الإنجليزى جون لوك، والفرنسى جان جاك روسو.
دفعت الشعوب فى طريق تحولها إلى الديمقراطية أثمانا باهظة، فقليلة هى الدول التى بدأت طريق التحول الديمقراطى بشكل تدريجى طبيعى دون أن تشهد ثورات أو حروب أهلية، هذه الدول بدأت تعرف طريق الديمقراطية بعد أن حققت طفرات هائلة فى التنمية الاقتصادية، وحققت معدلات عالية للنمو، عندها بدأ الطلب على الديمقراطية (حالة كوريا الجنوبية مثلا، والحالة المتوقعة للصين قريبا)، لكن غالبية دول العالم بدأت طريق التحول الديمقراطى من خلال أحداث عنف ثورية، بل بعضها دخل فى طور من أطوار الحرب الأهلية. وإذا تحدثنا عن تجارب التحول الديمقراطى فى دول شرق ووسط أوروبا، والتى كانت ترزح تحت حكم نظم شمولية حتى عام ١٩٨٩، نجد أن التحول بدأ بسقوط سور برلين،
ثم ثورات متتالية ضد نظم الحكم القائمة، بعضها قاوم واستخدم القوة مثل رومانيا فسقط آلاف الضحايا، وبعضها كان الثمن أقل بكثير مثل الحالة فى بولندا. وفى مجمل الأحوال لم يتحقق التحول الديمقراطى سريعا ولا تم فورا، بل استغرق فى حده الأدنى قرابة العشر سنوات، بعضها نجح فى إتمام عملية البناء الديمقراطى على نحو تدريجى، ودفع ثمنا باهظا اقتصاديا وأمنيا، وبعضها شهد تعثر عملية التحول وتعرضها لانتكاسات شهدت فى بعض مراحلها عودة بعض مكونات النظام الشمولى بمسميات جديدة تتناسب والطلب على الديمقراطية.
فى جميع الأحوال لم تكن عملية التحول من النظم الشمولية والسلطوية إلى الديمقراطية عملية سهلة أو قصيرة المدى، بل كانت عملية صعبة، دفعت فيها الشعوب أثمانا باهظة واستغرقت وقتا طويلا، وكان العامل الحاسم فيها هو إيمان الشعوب بقدرتها على فرض التغيير الذى تريد، إيمان الشعوب بقدرتها على هزيمة الشمولية والديكتاتورية، وعدم فقدانها الثقة فى قدراتها على تصحيح المسار والمسيرة، عدم اليأس مطلقا حتى لو قفز مستبد جديد إلى السلطة عبر خداع الشعب، أو مستغلاً حاجة قطاع واسع من المواطنين للمساعدات، أو موظفاً الدين فى جذب أصوات بسطاء المواطنين على النحو الذى شهدناه فى مصر عام ٢٠١٢، بوصول مرسى والجماعة إلى قصر الرئاسة.
المهم هنا هو الإيمان بالقدرة على تصحيح المسار وتصويب المسيرة، والاستعداد لدفع ثمن استرداد مسيرة التحول الديمقراطى التى سوف تستغرق فترة زمنية كافية لتحقيق معدلات تنمية مرتفعة، تنمية شاملة تتجاوز المؤشرات الاقتصادية إلى الاجتماعية (وفى القلب منها الثقافية) والسياسية أيضاً.
نقلا عن المصرى اليوم