مينا ملاك عازر
كتب الأستاذ محمود بيومي، مقالاً متساءلاً في عنوانه عن "هل تحتاج مصر حقاً إلى التدخل العسكري بليبيا؟" وهو سؤال مشروع وقد قرر الأستاذ أن يناقش الأمر من زاوية مدى منطقية التدخل المصري بليبيا وهل هو مبرر أم لا؟
وبدأ حديثه بضرورة مراجعة العقيدة العسكرية المصرية، مشيراً أنها قد تغيرت بعد الخسائر التي ألمت بنا بعد تدخلنا في حرب اليمن ثم يربط بين حربي اليمن ويونيو بأنهما تسببتا في انكفاء السياسي المصري داخلياً بعد نشاط زائد خارجياً في الحقبة الناصرية، ويؤكد وفي هذا هو محق، أن سياسة السادات ومبارك شكلت المزيد من التأكيد على هذا الانكفاء بالسياسة الداخلية وفي هذا غير محق، وأختلف معه اختلافاً جذرياً فأن ما يراه الأستاذ محمود بيومي من انكفاء كان انكفاءاً لوزارة الخارجية المصرية منذ انتقال بطرس غالي من وزارة الخارجية للأمم المتحدة،
أما غير هذا فكانت السياسة الخارجية ذات اهتمام وصل للحد الأقصى من الرئيسين السادات ومبارك، فكانا يمتلكان في أيديهما كل خيوطها بيد أن ما يراه هو انكفاءاً أراه أنا تحولاً فبعد أن كنا مهتمين بقضايا العالم الثالث، صرنا مهتمين بالعلاقات مع الدول الكبرى الأوربية والأمريكية وما شابه، لكن لم نعزز وجودنا في دول أفريقيا ودول عدم الانحياز وما إلى ذلك، وهذا لا يعد انكفاءاً وإنما في حقيقته تحول لاتجاهات بوصلة السياسة الخارجية المصرية.
ويستمر الاستاذ بيومي في زعمه هذا، مدللاً بأن مشاركتنا في حرب الخليج لا تعد مغامرة مصرية واسعة كتلك التي باليمن، وإنما هي في إيطار تحالف دولي واسع وغطاء عربي، نظير مكاسب، وهذا يؤسفني، إذ يُظهر مصر وقواتها المسلحة وكأنها قامت بعملها هذا الذي أشاد به العالم كله، وتمتن به الكويت للآن بوازع اقتصادي، وتصور قواتنا المسلحة على أنها مرتزقة، وهذا ليس صحيحاً، كما أنني أنبه إلى أن تدخل مصر بحرب الخليج كان قد سبقه جهود سياسية خارجية من قبل مبارك لتوفيق الأوضاع بين البلدين، وتهيئة للمسرح العالمي لتهدئة الأوضاع، ومسألة تهيئة المسرح العالمي تلت اجتياح الكويت، وهذا بدوره ينفي مزاعم الانكفائية في سياستنا الخارجية التي ذهب إليها المحترم محمود بيومي.
ويؤكد الكاتب، أن ثورة يناير وثورات الربيع العربي رسخت هذا في عقيدة القوات المسلحة بعد اضطرابات الدولة والدول المجاورة، وتساقط الأنظمة، وقد يكون في هذا له حق، فعدم تدخلنا في سقوط وإسقاط الأنظمة المقتربة من السقوط كما فعلت السعودية بمساندتها النظام البحريني، أمر واقع، لكنه نسى أن مرسي قُبيل خلعه مباشرة أعلن رسمياً مساندته لثوار سوريا ودعمه لهم بالسلاح والرجال، وهو ما كان يُتبع من قبل بحسب إعلان صفوت حجازي عن هذا في نفس يوم إعلان مرسي عنه، وهو مؤشر لتدخل مصري استخدمه الإخوان لتغطية تدخلهم الفعلي،
صحيح مصر لم تكن هي المتُدخلة وإنما الإخوان لكنه يحسب بكل الأحوال تدخلاً مصرياً من مؤسسة السياسة الخارجية المصرية في شئون الدول الأخرى، ما ينفي ما ذهبت إليه حضرتك، من أن ما جرى على القوات المسلحة أثر على مؤسسة السياسة الخارجية المصرية التي كانت ولم تزل تتدخل في الشئون الداخلية للدول الأخرى، هو ليس صحيح بدوره إذ أن مصر تتدخل في شئون غيرها بأعمال محترمة، بمحاولاتها مثلاً إتمام المصالحة بين الفصائل الفلسطينية المتناحرة، وكم شهدت مصر من جلسات قبل ثورة يناير وبعد ثورة الثلاثين من يوينو بين فتح وحماس لإتمام صلح بينهما، وإعلان حكومة وفاق وطني.
أيها السادة القراء، أسمحوا لي أن أتوقف عند هذا الحد لتفنيد المقال المشار إليه، لنلتقي الإثنين لقادم- بإذن الله- لاستكمال تحليله.
المختصر المفيد الاحترام لآراء الجميع.