فاروق عطية
مرت مصر بغترة عصيبة من القلق والخوف بعد أن أعلنت الجبهة السلفية ما أسموه “انتفاضة الشباب المسلم”، وحددوا له يوم 28 نوفمبر بهدف: “التأكيد على ضرورة فرض الهوية الإسلامية” برمزية رفع المصاحف، ومواجهة الموجة العلمانية التي انتشرت عقب ما أسموه انقلاب 3 يوليه 2013 بدعوى محاربة الإخوان. حالة من القلق إنتابت الشارع المصري والسلطات الأمنية أيضا، أفرز هذا القلق سيل من التصريحات, أكد المتحدث باسم وزارة الداخلية اللواء هاني عبد اللطيف أن: “وزارة الداخلية وضعت خطة أمنية محكمة لمواجهة دعوات يوم 28 نوفمبر الجاري، وسيتم التعامل بكل حسم وقوة وبالذخيرة الحية إذا دعت الضرورة وفقًا للقانون، مع المخربين والخارجين عن القانون”.
وصدرت فتاوى دينية من وزير الأوقاف وعلماء الأزهر بأن المشاركين في تظاهرات 28 نوفمبر “خوارج وخونة وعملاء”، وتبارت وسائل الميديا المصرية في الحديث عن مؤامرة تحاك ضد مصر يقودها محور الشر "تركيا وقطر وحماس" لنشر الفوضى في مصر.
وكانت أهداف“انتفاضة الشباب المسلم”، كما حددها الداعون لها هي: “فرض الهوية الإسلامية دون تمويه، ورفض الهيمنة الخارجية، وإسقاط حكم العسكر، والتصدي للبعد العلماني للنظام الحالي، وضخ دماء جديدة للحراك الثوري من خلال تحريك قطاع كبير من الإسلاميين يتحلي بطول النفس ويسعى للحسم في نفس الوقت”.
وتباينت ردود أفعال المحللون والنشطاءعلى مواقع التواصل الاجتماعي بتفسيرات أخرى للاهتمام الرسمي بهذه التظاهرات، حيث قلل بعضهم من أهميتها، وأشار آخرون لاحتمالية إن يكون الأمر مدبّر لإحداث رعب مصطنع لكسر وإحباط المعارضين عندما تنتهي المظاهرات الضعيفة إلى لا شيء ويبقي الحال على ما هو عليه. كما أوعز بعض الخبثاء أن هذا أمر مدبر لنشر القوات تحسبا لانتشار الفوضى عند الحكم في قضية القرن, كما دونت “الجبهة السلفية” على حسابها على الفيس بوك إن: “انتفاضة الشباب المسلم، تخاطب كل المعنيين بقضية نصرة الشريعة الإسلامية من الشباب الإسلامي وعموم المصريين، لأن قضية الشريعة عامة وشاملة”.
ومع أن أصحاب الدعوة أكدوا مرارًا أنها مظاهرة“سلمية” وسيرفعون فيها المصاحف، إلا أن تخوف الصحف الحكومية والخاصة من أن يحمل المتظاهرون السلاح مع المصاحف كان واضحا بسبب نص في البند رقم 11 من بيان الجبهة الداعي لهذه الانتفاضة يقول: “إن الهدف العام للحملة، رفع راية الشريعة، وإعادة تذكير الناس بها، ولا يوجد لازم بين الهدف العام من إظهار راية الشريعة، وبين تبني مسار عمل بعينه (سلمي أو مسلح)”. خاصة وتاريخ تظاهرات المتأسلمون غالبا ما يكون ملوثا بالدماء.
واستعدادا لتلك التهديدات تسلم الجيش المصري المنشآت السيادية المهمة مثل مبنى الإذاعة والتلفزيون "ماسبيرو" والبنك المركزي ومقرات البنوك العامة ومحطات الكهرباء والمياه، وذلك لحماية تلك المنشآت خلال التظاهرات المزمع القيام بها. كما باشرت وحدات من قوات التدخل السريع المصرية انتشارها في كل من القاهرة والإسكندرية والجيزة وبورسعيد، وذلك في إطار رفع درجات الاستعداد لتأمين الممتلكات العامة والخاصة في محيط القاهرة الكبرى والمدن المجاورة. كما انتشرت المجموعات القتالية للقوات الخاصة من وحدات المظلات والصاعقة في نقاط ثابتة ومتحركة للعمل كاحتياطيات قريبة في نطاق المراكز والأقسام للمعاونة في تأمين المنشآت والأهداف والمرافق الحيوية.
وقامت إدارة الشرطة العسكرية بتنفيذ العديد من الكمائن والدوريات المتحركة بالتعاون مع الشرطة المدنية لضبط العناصر "الإجرامية المشتبه بها" على الطرق الرئيسية والمحاور المرورية على مستوى الجمهورية. كما دفعت القوات المسلحة بتشكيلات مدربة على مستوى كل الجيوش الميدانية والمناطق العسكرية إلى محافظات الجمهورية المختلفة من أجل مواجهة أي طوارئ أو أعمال عنف من شأنها التأثير على الأمن والسلم العام. كما قرر مجلس جامعة الأزهر تسليم الجامعة إلي قوات الشرطة لتأمينها بدءاً من صباح الخميس وحتي صباح الأحد تحسباً لأي أحداث شغب محتملة خلال مظاهرات الجمعة, وقرر مجلس الجامعة تعطيل الدراسة واعتبار يومي الخميس 27 نوفمبر والسبت 29 نوفمبر، إجازة رسمية لجميع العاملين بالجامعة وطلابها.
وتمخض الجبل فولد فأرا, وفشل المتأسلمون في الحشد ولم يحدث شيئا مما كنا نخشاه, بل كانت الحشود والخسائر أقل مما كان يحدث في أيام جمع سابقة, وقد اعترفت الجبهة السلفية بالفشل علي لسان الدكتور محمد جلال عضو المكتب السياسي للجبهة السلفية حيث فال: إن قيادات «الجبهة» فشلوا في مظاهرات 28 نوفمبر، ولم نحقق طموحات الإسلاميين التي كانت تتوقع منا الكثير ووضعت الآمال على هذا اليوم, لعدم وجود ترتيبات قوية واستعدادات كافية للحشد، فقد اكتفينا بالشعارات في الوقت الذي وجه الأمن لنا ضربات متوالية في جميع صفوفنا في اتجاهات مختلفة، ولم نسلط الضوء إعلاميًا على فعاليتنا بشكل جيد. وأيضا لغياب التنسيق بين مسيرات الجبهة السلفية وجماعة الإخوان، فظهر ارتباك وعشوائية في الشارع بين المتظاهرين وترتب عليه عدم مواجهة الضربات الأمنية المستمرة طوال اليوم، بالإضافة إلى أن قيادات القوى الإسلامية تخلت عنا وخذلاتنا والتزمت الصمت ولم تكلف أنصارها بالمحافظات بالخروج معنا لنصرة الشريعة.
وفي اليوم التالي 29 نوفمبر اندلعت المظاهرات مرة أخري يسبب حكم محكمة جنايات القاهرة التي قضت بعدم جواز الدعوى بمقاضاة مبارك في قضية قتل المتظاهرين خلال الاحتجاجات الشعبية التي أنهت حكمه قبل أربعة أعوام. كما قضت المحكمة ببراءة وزير الداخلية حبيب العادلي وستة من معاونيه في القضية ذاتها. وبرأت المحكمة أيضا مبارك ورجل الأعمال (الهارب) حسين سالم في قضية تصدير الغاز لإسرائيل. وبرأت مبارك ونجليه ورجل الأعمال الهارب حسين سالم فى تلقى عطايا عبارة عن 5 فيلات للتقادم. وكانت قوات الجيش قد أغلقت منذ الصباح ميدان عبد المنعم رياض المتاخم لميدان التحرير، تحسبا لوقوع مظاهرات فيه بعد صدور قرار المحكمة. وفرقت قوات الأمن المصرية مظاهرة شارك فيها نحو ثلاثة آلاف شخص بالقرب من ميدان التحرير بوسط القاهرة احتجاجا على حكم البراءة.
وأطلقت قوات الشرطة التي كانت تتمركز أعلى كوبري السادس من أكتوبر وأمام مبنى مقر الحزب الوطني القديم أمام كورنيش النيل بالقاهرة، قنابل الغاز المسيل للدموع والطلقات التحذيرية في الهواء لتفريق المتظاهرين. وقُتل شخص واحد على الأقل في الاشتباكات, كما اعتقلت الشرطة نحو 85 متظاهرا بحسب تصريحات مسؤول أمني. ولم تتدخل القوات التابعة للجيش المصري والمتواجدة في ميدان التحرير والتي كان تفصلها عن المتظاهرين الأسلاك الشائكة في تلك الاشتباكات.
حاولت الجماعة المحظورة كعادتها ركوب الموجة بتأليب أسر الشهداء وشباب ثورة 25 يناير ونتظيم 6 أبريل ودفعهم للعنف مع الشرطة ولكنها لم تفلح بسبب الاستعدادات المحكمة لقوات الجيش والشرطة, فأطلقت سمومها وتحريضاتها لبعض لأحزاب الكرتونية والتابعة لها وبعض أصحاب التوك شو بمحطات التلفزة, فانتشرت التعليقات الحادة واتهام القضاء بالتسيس ورفض يراءة مبارك وأتباعه. وللحقيقة وليس دفاعا عن مبارك وأتباعه, لأنني أقر وما أكثر المقالات التي كتبتها ناقدا بعنف ديكتاتورية مبارك وحزبه ونظامه إبان حكمه وسطوته, الذي كان السبب المباشر لتركي مصر ولجوئي للهجرة. قطعا مبارك هو رأس الغساد الذي عم مصر بتحالفه مع الرأسمالية الجشعة وتمسكه بالحكم لأكثر من ثلاثين عاما ومحاولاته الدءوبة لتوريث حكمه البغيض لإبنه من بعده, مما أدي لما نحن فيه الأن من انهيار في كل المجالات, وكان يجب محاكمته سياسيا فور نجاح الثورة وليس جنائيا بعد خراب مالطا,
ولكن بالرغم من فساده وديكتاتوريته لم يثيت يالدليل القاطع تحريضه علي قتل المتظاهرين إبان الثورة وخاصة يوم 28 يناير (موقغة الجمل). فالقتلة معروفون وموثقة أفعالهم بالأدلة والبراهين التي لا تقبل الشك, ظهرت بقوة منذ أن اقتحمت عناصر حماس، الجناح المسلح لتنظيم الإخوان الإرهابى، السجون وهاجمت أقسام الشرطة وقتلت الجنود والضباط، وأشعلت النيران فى دواوين الحكومة ومقرات الأجهزة الأمنية، فى خطة تحدث عنها الشهيد العقيد محمد مبروك طويلا، فى محضر تحرياته، الذى تضمنته قضية التخابر الشهيرة، والتى يحاكم فيها مرسى ورفاقه. لقد رصد مبروك خطة الجماعة منذ اللحظة الأولى، وأورد فى شهادته، وقائع اللقاء الذى عقد بمدينة دمشق خلال شهر نوفمبر عام 2010، أى قبيل ثورة 25 يناير مباشرة، برعاية جماعة الإخوان فى مصر، وبالتنسيق مع التنظيم الدولى، والذى شارك فيه كل من على أكبر ولاياتى مستشار الإمام الخمينى، وعلى فدوى أحد قادة الحرس الثورى الإيرانى، وخالد مشعل رئيس المكتب السياسى لحركة حماس،
فى ذلك اللقاء اتفق «الإخوان» أن تتولى عناصر من حرس الثورة الإيرانى تدريب العناصر التى سوف يتم الدفع بها من قطاع غزة إلى مصر، وذلك عقب خروج الجماهير يوم 25 يناير، مسندين مسئولية تخطيط دخول تلك العناصر إلى مصر للفلسطينى أكرم العجورى، أحد كوادر حركة حماس، نظرا لعلاقته المتميزة مع بدو سيناء ومهربى الأسلحة بها. فى هذا اللقاء أيضا سلَّم خالد مشعل أحد عشر جواز سفر مصريًّا إلى على فدوى لمساعدة عناصر حزب الله اللبنانى فى دخول البلاد. كان الهدف الأول من الخطة ضرب جهاز الشرطة المصرية ضربة موجعة، لإفقاده القدرة على الحركة من خلال استهداف مائة وستين قسما ومركز شرطة فى توقيت متزامن، وكذا اقتحام مبانى الليمانات والسجون، بهدف تهريب عناصر حركة حماس وحزب الله والعناصر البدوية، التى سبق أن شاركت فى تفجيرات طابا وشرم الشيخ ودهب، بالإضافة إلى المسجونين الجنائيين، بهدف زيادة حالة الفوضى فى البلاد.
لم يكتف مبروك بذلك، وإنما أورد دليل براءة مبارك ومساعديه، وأدان الإخوان وحلفاءهم، عندما أكد اتفاق الجماعة الإرهابية وأعوانها من كوادر حركة حماس على الوجود بميدان التحرير وبعض الميادين الأخرى بالمحافظات، بهدف إطلاق النيران على عدد من المتظاهرين وإردائهم قتلى، مدعين بأن قوات الشرطة هى التى تطلق النيران على المتظاهرين. وشرح مبروك كيف بدأ تنفيذ المخطط يوم الثامن والعشرين من يناير عندما قامت تلك المجموعات بالتسلل إلى محافظة شمال سيناء، عبر الأنفاق، بمعاونة بعض العناصر البدوية وكوادر إخوانية من قاطنى شمال سيناء، ذكرهم بالاسم فى شهادته، مستقلين سيارات دفع رباعى، ومزودين بمدافع «آر بى جى» وأسلحة رشاشة.
كما جاءت شهادة المشير حسين طنطاوى فى قضية القرن، لتنفى تماما شائعات تواجد قناصة من الشرطة بميدان التحرير التى روجها البعض، وما زال يؤمن بها آخرون من مدعى الثورية، ليقوموا بعمليات قنص للمتظاهرين، حيث أكد الرجل أن هذا الموضوع عارٍ تماما عن الصحة، معللا ذلك بأن قيادة المنطقة المركزية كانت تقدم له تقريرا يوميا مفصلا بما يحدث، على طول البلاد وعرضها، وأنه لم تُذكر معلومات بهذا الشأن فى تلك التقارير. على عكس ذلك تماما، فقد ذكر له قائد المنطقة المركزية فى أحد تقاريره أن هناك بعض العناصر المنتمية إلى الإخوان اعتلوا أسطح المنازل المحيطة بالتحرير ويقومون بعمليات قنص للمتظاهرين.
نفس الأمر حدث فى شهادة اللواء مراد موافى، رئيس جهاز المخابرات العامة الأسبق، عندما أكد الرجل أن المرحوم عمر سليمان أخبره بوجود عناصر من حركة حماس فى ميدان التحرير. لم يكتفِ موافى بتلك الشهادة وإنما أضاف، فى قول فصل لا يقبل التأويل، أن الإخوان هم من يقفون وراء عمليات العنف والقتل التى حدثت إبان ثورة 25 يناير، وأن الهدف من وراء ذلك كان كسر مفاصل الدولة، سواء الشرطة أو القوات المسلحة.
وفي نهاية المقال لا يسعني إلا أن أوكّد علي حقيقة واضحة هي أن نظام مبارك العفن وجماعة الإخوان الخونة ليس إلا وجهين لعملة واحدة فاسدة نحمد الله علي الخلاص من كليهما.