أمسك شيخ الأزهر الجليل أحمد الطيب قلمه وكتب عدة مقالات للرد على المشروع الفكرى للدكتور حسن حنفى ورؤيته للتراث، ثم رأى الشيخ أن المقالات كانت عميقة ومبهرة، فجمعها فى كتيب صغير ونشرها كملحق لمجلة الأزهر فى العام الفائت، فبها ونعمت، وجزاه الله خيراً على تصديه للإرهاب والإرهابيين، ودفاعه عن العلم والاستنارة، ولم ينس شيخنا الجليل أحمد الطيب إمام الأمة ومرشدها أن يشيد بأستاذه سيد قطب الذى تأثر به وبأفكاره على أساس أن «قطب» واحد من عظماء مفكرى مصر، الذين صمدوا للفكر التغريبى الوافد من شرق ومن غرب، وكشفوا عن كثير من عوراته ونقائصه ونقائضه أيضاً، وبينوا للتائهين من القراء والشباب مواطن الضعف والتهافت فى هذه المذاهب السياسية والاقتصادية من اشتراكية ورأسمالية ومدنية وليبرالية، وكيف أنها «مذاهب هدامة».
أمسك واحد من الشباب الذين قرأوا لسيد قطب وتأثروا بمدرسته الفكرية قنبلته، ووضع مسدسه فى جرابه، واقترب من كمين للشرطة فوضع ابتسامة على وجهه كواحد من المواطنين الودعاء الطيبين الذين من فرط طيبتهم يقرأون ما يكتبه شيخ الأزهر ويثقون فى تقريظه لشيوخه وأساتذته، ثم ازداد المواطن اقتراباً من الكمين، فابتسم له أحد الجنود، ولمَ لا؟ فهذا مواطن مصرى اكتوى -فى ظنه- بنيران الإرهاب، وبغتة أخرج المواطن قنبلته وألقاها على الكمين، فانتشرت أشلاء الجندى المصرى فى المكان وفر الإرهابى وهو يطلق الرصاص من مسدسه على من نجا من كمين الشرطة.
أمسك شيخ الأزهر الطيب أحمد الطيب قلمه وهم بالكتابة ثم طرأ له طارئ، فنظر إلى القلم قليلاً ثم نحاه جانباً واستغرق فى أفكاره، الآن ينبغى أن يصبح بحق رائداً من رواد الاستنارة، لا ينبغى له أن يخاف من أحد، أو يجفل من سطوة أحد، فهو الشيخ، وهو الإمام، وسيكتب عنه التاريخ، كلنا رجالك أيها الشيخ فَقُدنا وكن إمامنا فى قافلة الاستنارة والتجديد، عاد الشيخ إلى قلمه وقدح زناد فكره ثم كتب «ما كتبه الأستاذ الشهيد سيد قطب من كتب يصور فيها عدالة الإسلام تقف دونها الأنظمة الاقتصادية والاجتماعية فى الشيوعية والاشتراكية والرأسمالية حسرى كليلة الطرف» كل الأنظمة تقف حسرى كليلة الطرف، مُتعبة متقطعة الأطراف أمام ما شرحه لنا سيد قطب.
أمسك إرهابىٌ من الذين قرأوا لسيد قطب وتأثروا بأفكاره بعض المتفجرات، وأخذ يرصها بمهارة فائقة هو وبعض رفاقه من الإخوان الإرهابيين فى شاحنة نقل مهيأة لنقل الماء فى الصحراء، انتهوا من عملهم، فهم اليوم سيشنون عملية تدميرية يطبقون فيها دروس سيد قطب فى ضرورة مواجهة المجتمع الجاهلى وتدميره عن آخره، فهذا المجتمع يحكم بغير ما أنزل الله، يتحاكم إلى قوانين وضعية تُغَلِّب الرأسمالية البغيضة التى يكرهها شيخ الأزهر، وترفع راية الليبرالية والمدنية التى تتلمذ عليها وزير الثقافة الدكتور جابر عصفور، فهكذا سمع الإرهابيون من وكيل شيخ الأزهر عباس شومان، اليوم سيتم تدمير جنود فرعون وهامان، فقد تحدث عنهم سيد قطب وعن وجوب قتلهم جميعاً فهم سواء، دارت هذه الأفكار فى عقل أحد أفراد الركب وهو يقود قافلته الإرهابية، وحين اتجهوا إلى مقر إحدى الوحدات العسكرية فى شمال سيناء قام أحدهم بوضع حزام ناسف حول خاصرته ثم اقتحم بشاحنة المتفجرات المعسكر، وفجّر نفسه فى ذات الوقت الذى انفجرت فيه الشاحنة، فوقع العشرات من جنودنا شهداء.
أمسك شيخ الأزهر الطيب قلمه وكتب منتقداً الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، فهو الذى هاجم الإخوان وحبسهم ثم انتصر للمذهب الاشتراكى الذى تحولت إليه مصر فى الفترة من 1954 حتى 1970 قائلاً إنه و«إن كان مذهباً اقتصادياً بحتاً فى تطبيقاته المالية، إلا أنه مذهب ذو جذور فلسفية وأيدلوجية، وله فى بلاد المنبع والنشأة موقف معلن من الدين» ثم نعى على تلك الفترة كاتباً: «هكذا عشنا نحن طلاب الأزهر فى هذه الحقبة، تهب علينا الرياح الثقافية العاتية من شرق أوروبا وغربها، وكنا بين طريقين: إما فتح النوافذ لهذه الرياح ومعاناة الاغتراب، وإما الانغلاق فى مقررات التراث ومعاناة الاغتراب كذلك، ولم ينقذنا من هذا الصراع إلا هذه النخبة من عظماء مفكرى مصر، الذين صمدوا لهذا الفكر الوافد من شرق وغرب، وكشفوا عن كثير من عوراته ونقائصه ونقائضه أيضاً، وبينوا للتائهين من القراء والشباب مواطن الضعف والتهافت فى هذه المذاهب، وكيف أنها مذاهب هدامة» وهكذا قيّض الله لشيخ الأزهر أن يعيش منكباً على كتب التراث يلوذ بها من هجمات الغرب الفكرية، ثم أنقذه الله من فلسفات الغرب العاتية حينما وقفت نخبة من العلماء تصد عنا غوائل الغرب وعلومه وثقافاته.
أمسك إرهابىٌ قنبلة سهر الليل على صناعتها، إنها قنبلة محلية الصنع، قد لا تحدث أثراً كبيراً، ولكنه اعتنى بحشوها بكل ما يستطيع من متفجرات لكى يجعلها عظيمة التأثير، الآن ينبغى أن يضع هذه القنبلة أمام كنيسة للصليبيين: هكذا قال لنفسه، ثم استرسل فى أفكاره لكى يحفز نفسه: «أنا لا أقتل إلا من أجل الله سبحانه وتعالى، فقد التحقت بالأزهر الشريف لكى أتلقى العلم على أصوله، وأنا الآن فى السنة الجامعية الأولى فى كلية من كليات الشريعة، أذكر أننى فى العام الفائت قرأت فى كتاب من المقررات الدراسية أننى يجب أن أكره النصارى وأحاربهم، وأننى يجب أن أقتلهم إن لم يقبلوا الإسلام، هكذا أجمعت كتب التراث التى تم تدريسها لنا فى الأزهر والتى يشيد بها الشيخ الإمام دائماً، بل إنه كان يلوذ بها حماية له من ثقافات الغرب الكافر، ثم كان أن قرأت شرح العلماء فى كتب التراث لحديث: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا قالوها عصموا منى دماءهم وأموالهم) فوجدت أن الإجماع على القتل والاستيلاء على المال، وفى الحصة بفصلى الدراسى حاول أحد المدرسين أن يجعل للحديث وجهاً مختلفاً فقال: إن الأمر هنا بالقتال لا بالقتل! ولكن دخل بعده مدرس آخر وقال إن ما قاله الأول غير صحيح، إنما أمرنا الرسول بالقتل، فالقتال يؤدى إلى القتل، والدليل على ذلك قوله فى آخر الحديث: (عصموا منى دماءهم وأموالهم) فكيف لا يكون الأمر هنا بالقتل؟ استحسنت قول هذا المدرس، وكان من فضل الله علىّ أن التحقت بجماعة الإخوان، وأنا الآن فى طريقى لوضع القنبلة أمام كنيسة عُباد الصليب، فهم لا يعبدون الله، سأقتلهم وأمزقهم إرباً، ولن يشفى غليلى إلا رؤيتهم أشلاء» وضع الإرهابى قنبلته ثم قام بتفجيرها عن بعد وهو آمن على نفسه، وسقط كل من طالته المتفجرات شهيداً.
أمسك شيخ الأزهر قلمه وكتب بياناً عن فض اعتصام رابعة العدوية، استنكر الشيخ الإمام فض الاعتصام، وطالب الأطراف؛ الدولة وعصابة الإخوان الإرهابية.. بضبط النفس والاستجابة لجهود المصالحة، واستنكر سيادته قتل الأبرياء وإسالة الدماء الزكية، وأنكر وقلمه يرتعش من الخوف علمه بإجراءات فض اعتصام رابعة وطالب الجميع بعدم إقحام الأزهر بالصراع السياسى، إذ وفق ظنه المستتر وراء عبارات البيان أن ما كان يحدث فى مصر هو مجرد صراع سياسى وليس ثورة شعب.
وقف رئيس الدولة الجديد فى حفل تنصيبه يخطب فى الأمة فقال للأزهر: يجب أن تبذل كل جهدك لتجديد الخطاب الدينى، فأمسك شيخ الأزهر قلمه وكتب بياناً قال فيه سنبذل جهدنا فى «ضبط الخطاب الدينى»! وكان يظن أن الرئيس لن يفهم الفرق بين الضبط والتجديد، فالكل عند العرب «صابون» كما يقولون، وعلى منصة مُعَدة مسبقاً على مسرح فخيم بدولة الإمارات فى مدينة أبوظبى تم تكريم شيخ الأزهر كشخصية العام بحسب أنه أحد المقامات الكبيرة التى قاومت الإخوان وقامت بجهد كبير فى طريق الاستنارة ومقاومة الإرهاب! أليس الكل عند العرب «صابون»؟!
نقلا عن الوطن