الأقباط متحدون - الرومانسية السياسية
أخر تحديث ٠٦:٠٤ | السبت ٧ فبراير ٢٠١٥ | ٣٠ طوبه ١٧٣١ ش | العدد ٣٤٦٨ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

الرومانسية السياسية

بقلم: د. وجدى ثابت غبريال
مشكلة الأفكار السياسية " اليوتوبيه " انها لا تبدا من واقع و انما تنطلق من حلم يجافى الواقع و يتعذر تنفيذه منطقا. فاقامة مشروع سياسي ابتدأ منها لا يتحقق فى اغلب الاحوال . و اذا تبنتها جماعة بدات برفض الواقع و استخدمت كافة الوسائل بما فى ذلك وسائل القهر و القوة الجبرية لتنفذ الحلم.

حلم الخلافة الاسلاميه الذى نادى به رجال الاخوان و حلم داعش ، و حلم المساواة المطلقه السوڤيتى، و حلم النازيه فى السيادة على العالم ، و الحلم الامريكى المغرى فى الهيمنة و القيادة - دون ان تتميز بفضائل القائد، وغيرها من الاحلام التى شهدتها النظم السياسية تعبر عن ذات الفكر الرومانسي السياسي اى غير الواقعى.

و هنا تكمن اخطاء القرارات السياسة و النتائج الكارثية لمواقف رجال السياسة : انها مسبوقه اولا بخطأ فى الفكر. لا يمكن ان نناقش اخطاء و جرائم رجال السياسة فى حق الامم ما لم نناقش اخطاءهم الفكرية اولا. كل تصرفاتهم يسبقها فكر منحرف يجب ضبطه، و من لا يهتم بهذا الفكر اولا يصرخ فى واد مظلم وحده.

نعرف جميعا الى اين قادت العالم الحرب الباردة . و نعرف ايضا الى اين تقود العالم اليوم الهيمنة الامريكية المنفردة على العالم العربى ، و راينا كذلك حلم الدولة الاسلامية و الخلافة الاسلامية يخور و يتبدد مع الدخان الصاعد من الحرائق و التفجيرات .

و السؤال الان و ماذا بعد تصفية نصف العالم و اعلان الخلافة الاسلامية؟ هل سيكتفون ؟
سيعيشون بينهم و بين بعض ، صور طبق الاصل يرددون ذات العته ... و بعد ذلك ؟
ماذا بعد القتل و الدم و صيحات الانتصار ؟ مع من تتعامل الدولة الاسلامية المنشودة و الحلم الاسلامى بعيد المنال ؟ كيف يكون شكل الحياة ؟ و الايدى التى تتساقط منها دماء الضحايا ، اليس مفترض فيها ان تبتهل لله و تبنى قبل ان يجف دم الابرياء . هل الله يحتاج منهم لهذه الجرائم ليهنأ بتطبيق شرعه بعدها ؟
و ماذا لو نجح الحلم الامريكى ؟ فعلى من تهيمن روما الجديده فى امبراطوريتها الحالمة ؟ و اين هى اليوم من مسوغات القائد الحقيقى : ان "يكون خادما للكل" و يغسل اقدام تلاميذه " و يضع نفسه من اجلهم " و ليس من اجل انتخابات حزبه القادمة ! اليس هذا هو الانجيل الذى يتوهم مصريون امريكا ان امريكا تتمسك به ؟ هل سيكون ماكين هذا القائد ؟ و هل ميكافيللى الحالى له صورة هذا القائد ؟ اشك علميا و منهجيا فى هذا كله . عن اى مسيحية يتكلمون فى امريكا ؟ و كيف تنجح امريكا اصلا فى ان تعيش فى سلام تشتريه على حساب امن شعوب اخرى ؟ كيف ...و هى تعيش فى زعر مستمر ممن يهدد سيادة بلا منازع ؟ كيف تتسق راحة البال مع الزعر المستمر او الاحساس بالامن مع الشعور بالتهديد الدائم و رفع حالة التاهب القصوى.

من التاريخ نتعلم المثل . الامبراطورية الرومانية سقطت و كان سقوطها عظيما لانها تنكرت لابسط مبادئ العدالة و تجبرت و انحرفت اخلاقيا و معنويا و سياسيا. و هكذا ستخبو الامبراطوريات القائمة و لذات السبب ، اذ لا يوجد ما يبرر ان نفس الاسباب لاتفضى الى ذات النتائج.

اولئك و هؤلاء لم يفهموا بعد عبارة الاديب الفرنسي پول ڤاليرى :" كلما حاول الانسان خلق الجنة على الارض تحولت الارض الى جحيم منمق" !!!
المسالة و ما فيها ثقافة تقيك ارتكاب الحماقة بشكل مستمر و مضطرد، و فكر يمنعك من ان تكون مجرما يدعى البطولة يوميا و انت تقتل و تحرق و تحول العالم الى جحيم من اجل حلم زائف.

د. وجدى ثابت غبريال
استاذ القانون الدستورى و الحريات العامة
بكلية الحقوق و العلوم السياسية
جامعة لاروشيل- فرنسا


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter