القمص أثناسيوس جورج
أنبا بولا أول المتوحدين في مصر عمومًا ، باعتباره قضى حياته كلها في الوحدة دون أن ينزل مرة واحدة إلى العالم ، وقد أخبر القديس أنطونيوس الكبير الشيء الكثير عن حياته ... كان غنيا لكنه اختلف مع أخيه علي ميراثه ، بعد موت أبيه فترك كل شئ ،بالهام الهي حيث اشده الملاك للذهاب الي البرية الشرقية في جبل يسمي نمرة ،بينما كان هو متعلمًا ويتقن الخط القبطي واليوناني ، لكنه داس علي عسل العالم تاركا الغنى والمال بإختياره ، مرتميا في حضن الله ، بعيدًا بعيدًا في سفح جبل العربة بالبحر الأحمر (دير الأنبا بولا الحالي) ، طائعًا مختارًا يعيش الوحدة مع الله، معتمدًا على شجرة نخيل في غذائه ، وفي صنع ملابسه من الليف.وهناك لم ير وجه انسان ،ساكنا مع الوحوش والطير ،في حاله انسان فردوس مقابل السقوط ،ليائتيه طعامه من عند الذي يدعم الغربان ويعول الكل ، وهو غير ملتفت الي شئ ولا بمتاسف علي شئ ،سالما من العيب واللاهواء التي ينصبها ابليس .
ظل في توحده المطلق متوحدًا عن العالم إلى سنة ٣٤١ م ، حتى أُعلن للأنبا أنطونيوس برؤيا إلهية ، فقام بزيارته وعرف منه سر حياته وتقواه ، وأذاعها للعالم كله.
ومن المعروف أن القديس چيروم ( ايرنيموس ) هو الذﻱ دوّن سيرته ، ذاكرًا أن الأنبا أنطونيوس فتش عليه في الجبال الموحشة المترامية حتى وجده طارقا بابه قائلاً له حبيبي بولا : أنت تعلم من أنا؟ ولماذا جئت و لما أتيت؟ وإنني لا أستحق النظر إليك كي أراك ، فاءذا كنت تستقبل الوحوش ولا تستقبل أﻱ إنسان ، لكني طلبت فوجدت وسأقرع حتى يفتح لي!! وبينما التقيا وتحدثا جاء الغراب ومعه خبزة كاملة بينما كان يأتي لمدة ٦٠ عامًا بنصف رغيف فقط ، لكن في حضور أنبا أنطونيوس ضاعف الله نصيب جندييه. وأخيرًا أحضر القديس أنطونيوس تونية البابا أثناسيوس الرسولي التي كان قد أهداها له ، ليدفن بها كي تكون من نصيب دفن وتكفين هذه الوديعة الغالية ، والتي لم يكد العالم أن يسمع عنها ، حتى تركته وانطلقت راحلة إلى المجد ، محمولة بالملائكة ، كمدينة على جبل ولم يكن العالم مستحقًا له.
واستطاع أنطونيوس العظيم أن يعكس شعاعها الأخير في اللحظة الأخيرة على العالم ، ذلك العالم الذﻱ ظل حتى اليوم يحلل أطياف هذه النفس الزاهده العابدة الساكنة الساجدة ، ليترجم ألوانها السمائية المبدعة وتأثير الإنجيل المباشر في سيرتها وكفافها وإحساساتها وطريقة معيشتها ، لا في حلة ليف وجسد نحيل ناسك ، لكن في حلة بهية لاتذبل منسوجة بالفضيلة ، وبصوت مسبح بلحن الانتظار للمواعيد المستمدة من الروح والرجاء الموضوع نحو الفرح الآتي ، يطعمه المسيح بخبز السماء ؛ ويكسيه برداء البر وحل العرس الابدي ، ويشده إليه ليسير بسيره على الجبال العالية من جبل التجربة للتجلي للجلجثة للزيتون ، في انجذاب المثيل إلى مثيله ، لتخبرنا هذه السير عن نموذج لمشاهد لم نراها وتخبرنا عن أمور لم نكن نعلمها عن هذا البار الذﻱ حسب عار المسيح غنىً أعظم من كل الخزائن لمن كان ينتظر المجازاة ، تائهًا في البرارﻱ والجبال وشقوق الأرض ، وهو مشهودًا له كمواطن سماوﻱ طلب الوطن الأفضل ومشتهيات الأبرار المكتوبة بمواعيد الله الصادقة غير الكاذبة؛ وبدلاً من الثياب الخشنة والجسد الهزيل الشاحب والجهالة وحياه القفروالتجرد الموحشة ؛ نال الشبع الذي افرغ نفسه كي يقتنيه وورث الجنات والفراديس والفرح الدائم ،الذي كان قد تدرب علي معيشته منذ ان عاش للرب .
السلام لك أيها الصديق أنبا بولا أول السواح ساكن البرارﻱ المرتفع بالفضائل... الذﻱ استحق أن ينال خبز السماء من يد الملاك كما إيليا النبي ، السلام لصديق الملائكة الذﻱ صار كالسمائيين ، اطلب من الرب عنا ليقبلنا ويصنع معنا رحمة كعظيم رحمته.