هند مختار
استيقظ في تمام السابعة على صوت منبه الموبايل ،قام متكاسلا فتح النافذة فواجهه حائط بلون رمادي كئيب للمبنى المجاور،دخل غرفته ضوء قليل،عاد إلى الحمام وأشعل المصباح الكهربائي لكي يرى ،وبعد أن فرغ من الحمام ،وجد زوجته تعد الإفطار ،للصغار ،تناول منها كوب الشاي الأسود سريعا وخرج ليلحق بميعاد عمله.
نزل على سلالم المنزل الكالحة،وسط حوائط رمادية وخرج إلى بداية الشارع ،وقف ينتظر الأوتوبيس وحينما جاء هرول إليه ليحشر نفسه وسط جموع الراكبين المحشورين ..
الطرقات حوله رمادية من عوادم السيارات ،والمباني حوله حولت الطريق إلى اللون الأحمر فلقد بنيت العمارات ولم يهتم أحد بطلاء المنازل من الخارج فظلت على لونها الأحمر ، وصل إلى مقر عمله في المصلحة الحكومية ،وكانت الجدران من الداخل مدهونة بلون رمادي أيضا وتطل شرفاتها على كل القبح المعماري المستحيل حدوثه في أي دولة في العالم ...
لن أكمل فأنا لا أكتب قصة قصيرة ،ولكن أتحدث عن يوم عادي في حياة إنسان مصري ،يقضي أيامه محشورا في منزل محشور وسط العمارات العالية ،محشورا بين مئات في الأوتوبيس،،وآلاف في المترو ،ومكتبه محشور في غرفه ضيقه ـوسط عشرات الموظفين و المواطنين ..
هذا المواطن مطلوب منه أن يبدع ،وأن يكون هاديء الأعصاب وأن يتعامل بهدوء مع أخيه المواطن ..
هذا المواطن المحشور محاصر بأخبار القتلى والجرحى ،والإرهاب والحداد ، هذا المواطن مكتئب بين لون أحمر شوه المعمار المصري ويجعلك شديد العصبية والرمادي البارد من حولك ..
ثقافة الحشر تجعل أغاني المهرجانات ، هي الفن كله والشيش سيد الموقف ،والكوابيس تحل محل الأحلام ..
أنا لاأعلم من أين نبدأ ،ولكن ما أعلمه جيدا أننا تم تشويهنا جيدا ،حتى أصبحنا لا نستطيع أن ننتج إلا القبح ..
فالطريق الزراعي أصبح الطريق الأحمر، والقاهرة أصبحت مدينة رمادية ،والإنسان المصري محاصر بين الرمادي والأحمر والقبح.