كرهت الكرة التى صارت مصدر كآبة وتعاسة بعد أن كانت مصدر تسلية وسعادة، وكرهت فبراير الذى تحدث فيه كوارث الكرة. كرهت ارتباك المؤسسات التى لا تجيد التعامل مع حدث مثل تنظيم مباراة كرة سواء اتحاد كرة أو داخلية أو مجالس إدارات أندية أو وزارة رياضة.
كرهت نظام مبارك، نظام التجريف الثقافى والجدب الفكرى والروحى الذى أفرز لنا ملايين العشوائيين الذين بلا أخلاق وبلا تربية وبلا تعليم ممن تحولوا إلى طاقة غضب وبلطجة وتدمير، ردود فعلهم سواء على مواقع التواصل الاجتماعى أو فى مدرجات الكرة أو فى الشوارع والميكروباصات فيها تجاوز ولا يحكمها أى سلوك متحضر، سباب فاحش وألفاظ بذيئة وتدن أخلاقى، لا فرق بين شباب المرشد وشباب الكابو، ما يربطهما هو سهولة الانقياد وروح القطيع، المشهد مرتبك وهناك من ينتظر الدم ليزيد المشهد إرباكاً. استيقظنا على كارثة تقول باختصار، ومن الآخر، إننا نحتاج إلى تربية جديدة، استيقظنا من وهم المجد التليد على مصيبة أن هناك فى مصر كتلة ضخمة تحتاج إلى تربية على كافة المستويات، تربية عقلية ووجدانية وليست تربية قمعية لنتحول من شعب سهل الإيحاء إليه إلى شعب يستخدم المنطق فى تفكيره، من مواطنين يكرهون العلم والتفكير العلمى إلى مواطنين يحترمون العلم ويقدرونه، لنتحول من أفراد متكالبين إلى أفراد متناغمين فى نسيج شعب واحد يعلى من قيمة الوطن. عندما وجدت أن أهم ما شغل قطاعاً عريضاً من المصريين بعد ثورة 25 يناير أن يقوموا بتبوير الأرض الزراعية فى طول مصر وعرضها لتتحول إلى أرض مبان، وتتحول غيطان الأخضر إلى قلاع خرسانة، عندما شاهدت أبراج الأربعين طابقاً تعلو بسرعة الصاروخ فى شوارع مصر الضيقة بنظام «الحق يا جدع واقلبها أمر واقع قبل ما حد يوقفنا»، عندما وجدت كل دكان ومحل يزحف على الرصيف بسرعة ثم إلى الشارع ليفرش بضاعته... إلخ،
قلت حينها عندما شاهدت وراقبت كل هذه السلوكيات إن الثورة لم تمس النواة بل مرت مرور الكرام على السطح، الكل ينهش فى الكل، لا وجود للانسجام الاجتماعى، لا وجود لشىء اسمه مصلحة المجموع لا مصلحة الفرد. أسترجع شريط مباريات الستينات لأتساءل كيف تحولنا وتبدلنا وكأن شعباً جديداً قد خرج من الطرف الآخر للماكينة الجهنمية كالمسخ المشوه.. مدرجات تجلس فيها الجماهير المتنافسة إلى جوار بعضها البعض فى هدوء وبدون صدور ألفاظ بذيئة عنها، ناس جالسة على الخط خلف اللاعب الذى يلعب الآوت مباشرة بدون خوف أو فزع، أفراد شرطة متناثرون فى المدرجات معظمهم بيتفرج على الماتش وليست كما نرى الآن جحافل أمن مركزى وكأننا داخلين حرب، الجمهور جالس مثلما يجلس رواد حفلات أم كلثوم، ماذا حدث لنا؟
ماذا حدث لكى يتحول المجتمع إلى قاعة حفلة زار جماعية الكل فيها يتحرك بلا وعى وبلا تجانس وبلا تناغم، كل فرد له إيقاعه الخاص، للأسف التخبط والتدافع الذى حدث للغلابة المساكين ضحايا تنويم الكابو المغناطيسى وعمى الشرطة الحيثى وانتظار ضباع الإخوان لرائحة الدم، تخبطهم وتدافعهم أمام باب الاستاد، هو نفس التخبط والتدافع الذى يعيش فيه وبه شعب فقد البوصلة.
نقلا عن خالد منتصر دوت كوم