في الإمارات، وفي الحمام المخصص للنساء في «مول» كبير، قُتلت سيدة أميركية بطعنات سكين. وأظهرت الكاميرات أن القاتل امرأة ترتدي السواد، ولا يظهر من ملامحها شيء. هي كتلة سوداء أظهرت الكاميرا حركتها وهي داخلة وخارجة من الحمام بالعرض البطيء، وكأنها الموت في أفلام الرعب. شعرت بالتشاؤم، فقد كان الأمل في العثور عليها ضعيفا للغاية. وأخذت المزيد من الأفكار السوداء تغزو عقلي؛ هذا الحادث سيكون الحافز لمتطرفات كثيرات ممن تعذبهن الرغبة في القتل في تقليدها. وفكرت في أن هذا الحادث سيكون بداية لمسلسل بشع. وفي اليوم التالي استطاع الأمن الإماراتي القبض على السيدة القاتلة، شاهدناهم في نشرات الأخبار وهم يقتحمون بيتها ويخرجون بها مقبوضا عليها.
من أهم مصادر اللذة عند المجرم الإحساس بمتعة الإنجاز بعد ارتكابه لجريمته، خاصة بعد أن تمر عليه الأيام، وربما الشهور، من غير أن يصل إليه رجال الأمن. وهذا ما يعزز إحساسه بأن عناية الله تحرسه وتحميه وستحميه للأبد، مما يضاعف إحساسه باللذة. هذا هو بالضبط ما ينشط عنصر الرغبة في التقليد عند القتلة الآخرين.
سرعة القبض على مرتكبي هذا النوع وغيره من الجرائم يحبط الآخرين من الصنف نفسه؛ فيكتفون بالاستمتاع بالرغبة فقط في قتل الآخرين. عنصر السرعة هنا لا يقتصر على عمل الجهاز الأمني فقط، بل ينطبق على كل الخطوات القضائية. وبذلك فقط يتحقق عنصر الردع بشكل عام.
قرأت، أول من أمس، خبرا طريفا عن مسؤول في جهاز التلفزيون المصري سرق مواد فيلمية بكميات كبيرة، وتم ضبطه بها وهو خارج من المبنى.. أين الطرافة في الخبر..؟ الطريف هو تاريخ القبض عليه، لقد تم القبض على سيادته بتاريخ 8 ديسمبر (كانون الأول) 2011، والأكثر طرافة هو أن الخبر لم يذكر على وجه التحديد متى سيُقدم إلى المحاكمة.
إنها ليست قضية الأمن أو الجهاز القضائي، بل هي قضية علاقتنا بالزمن وعلاقة الزمن بنا. موقفنا من الزمن أمر يستحق التوقف عنده ودراسته بعمق؛ فربما نكتشف أن الزمن يشكل بالنسبة لنا عبئا كبيرا. ولما كان الزمن هو الوجود، فمعنى ذلك أننا نشعر بأن وجودنا ذاته عبء. ما رأيك في تعبير شائع لا أعتقد أن له وجودا في اللغات الأخرى، وهو «قتل الوقت»؟! انظر حولك جيدا لتكتشف أن معظم الناس تحولوا لقتلة لا يعاقبهم أحد، لأن قتل الوقت فعل لا يجرمه القانون. خطوات العمل في أي مصلحة حكومية أكثر مما يحتاجه العمل نفسه عشرات المرات. كنت أتصور أن السبب في ذلك هو ما نسميه البطالة المقنعة، أي زيادة عدد الموظفين عما يحتاجه العمل فعلا. الواقع أن الأمر ليس له صلة بالإنجاز. المقصود هو قتل الوقت، الإجهاز عليه، إعدامه.
لعل ذلك أيضا هو السبب في أن عددا كبيرا من البشر يهاجمونك بقسوة عندما تقترح عليهم السير في طرق تجعلهم أكثر إنجازا أو أكثر استمتاعا بالحياة. وفي الغالب سيتهمونك بأنك تنفذ مخططا غربيا يعمل على دفع الناس للاستفادة من الزمن.
نقلا عن الشرق الأوسط