اعتادت رزان على المظهر الجديد الذي فُرض على النساء في مناطق شمالي سوريا، خضعت لسيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية".
وبعد أن كانت ترتدي حجابا عصريا، وملابس متعددة الألوان، فرض الجهاديون عليها وعلى غيرها من النساء ارتداء عباءات طويلة سوداء، ونقابا يغطي الوجوه باستثناء المنطقة المحيطة بالعينين.
ولم تكن رزان امرأة عادية، إذ كانت طبيبة، وناشطة في مجال مكافحة العنف، خاصة العنف ضد المرأة.
وخلال السنتين الأوليين من الانتفاضة السورية، وقبل ظهور تنظيم "الدولة الإسلامية"، كانت رزان وغيرها من الناشطين يعملون بحرية ويطالبون بالحرية والديمقراطية، "فقد كان وقتا عظيما، وكانت لدينا أحلام كبيرة".
لكن سرعان ما تحولت الأحلام إلى كوابيس، إذ أصبح النشاط العام الذي تقوم به رزان سريا، ولم تعد تستطيع مقابلة النشطاء من الرجال بسبب الفصل بين الجنسين.
عمليات رجم
وأصبح الأمر أكثر سوءا عندما وصل الجهاديات، ومعظمهن أجنبيات، وبدأن في مراقبة أنشطة النساء أمثال رزان.
وقالت رزان: "كنا نقوم بالكثير من الأنشطة ونحن مختبئات وراء النقاب لأن الرجال لا يستطيعون اكتشاف أمرنا. لكن بعد تشكيل "لواء الخنساء" من الجهاديات النساء، أصبحنا نخاف ونحن في منازلنا".
ويحق لعضوات لواء الخنساء كشف النقاب عن أوجه النساء، وإجراء تفتيش مفاجئ لمنازلهن، ومراقبة أنشطتهن.
وحُظر التجمع لأي غرض غير الأغراض الدينية، ويخضع من يحضرون الاجتماعات المخالفة للعقاب على يد لواء الخنساء.
وأصبحت أحوال المدنيين أشد قسوة بعد أن أعلن تنظيم "الدولة الإسلامية" إقامة "الخلافة" في الأراضي التي سيطر عليها في سوريا والعراق، في يونيو/ حزيران الماضي. وبحسب رزان، فإن "عنفهم يفوق الوصف. إنهم يرهبون الناس".
وتابعت: "أصبح جلد الرجال والنساء في العلن أمرا اعتياديا. وهناك عدة حالات رجم لنساء اتهمن بالزنا".
وقد يكن النساء عرضة للعقاب إذا ارتدين النوع غير الصحيح من النقاب، الذي لا يكون سميكا بما يكفي أو يكون مُقلّما. وتدخلت محاكم الشريعة في الكثير من هذه الحالات.
جثث على الطريق
وفي أحد أيام صيف 2014، واجهت رزان غضب تنظيم الدولة بنفسها، إذ زار عدد من أعضاء التنظيم المستشفى الذي تعمل فيه، واستجوبوها، وانتقدوا الطريقة التي ترتدي بها النقاب. واضطرت رزان لتغطية وجهها بالكامل لتجنب أية متاعب.
وبعد مغادرة أعضاء التنظيم للمستشفى، رجع أحدهم وقال لها: "انج بحياتك، قبل أن يحاكموك أمام إحدى محاكم الشريعة".
وتقول رزان: "أدين له بحياتي. ما زلت لا أعلم لم ساعدني، لكنه أنقذ حياتي. غادرت المستشفى من باب خلفي، وطلبت من والدي أن يقلني. كنت أخشى أن يصيبونني بسوء. وذهبت إلى منزل أختي، ولم أعد إلى بيتي أو إلى المستشفى أبدا".
وبعد عدة أيام، علمت رزان من أصدقائها أن أعضاء تنظيم "الدولة الإسلامية" سألوا عنها. "كنت أخشى القبض علي، أو الجلد، أو القتل".
واستطاعت لاحقا أن تغادر البلاد باستخدام هوية امرأة أخرى. وتقول إن الرحلة إلى الحدود التركية كانت مروعة، "فما زلت أتذكر الجثث مقطوعة الرأس على الطريق. وكان في السيارة طفلان بكيا عند رؤيتهما هذ المشهد. وصُفّت الرؤوس على جانبي الطريق. كان مشهدا مروعا".
"الحقيقة المرة"
وكانت رزان محظوظة بالحصول على تأشيرة للإقامة في بريطانيا. وهي تعيش بمأمن هناك، لكنها تخشى الكشف عن هويتها حتى لا يتعرض أقاربها للأذى.
وتقول رزان إنها مصرة على تحقيق حلمها باستكمال دراستها ودعم نشطاء المجتمع المدني في سوريا.
الحقيقة مُرّة بالنسبة لرزان والكثير من أبناء جيلها، الذين كانت لديهم آمال في إرساء الحرية والديمقراطية في سوريا. "أحلامي تختلف عن الحقيقة. العالم مشغول بالتصدي للدولة الإسلامية، ويتجاهل أصل المشكلة، وهو بشار الأسد".
وترى رزان أنها لن تعود إلى بلادها إلا بعد خروج الأسد من السلطة، "فأنا أحمل مفاتيح بيتي في سوريا. وأنا على يقين أنني سأستخدمها يوما ما، آمل أن يكون قريبا".