تابعت كما تابع ملايين المواطنين فى مصر بل فى كل بلد عربى وقائع افتتاح المؤتمر الاقتصادى العالمى فى شرم الشيخ، وكان الإحساس الطاغى علىّ وأنا أتابع وقائع هذا المؤتمر الكبير وأستمع إلى الكلمات التى ألقاها رؤساء الدول أو رؤساء الوفود – كان الإحساس الطاغى علىّ وأنا أسمع ذلك كله أننى لست فى مجرد مؤتمر اقتصادى وإنما أنا فى عرس وفرح مصرى بل وعربى وأفريقى أيضاً.
لقد جرت وعود بأرقام وملايين من الدولارات وهذا رائع وجميل ولكن لن أقف الآن عند الأرقام وسأقف أكثر عند مصدر الأرقام ودلالات الأرقام.
لست اقتصاديا حتى أحلل الأرقام، ولكن قد أكون مهتما بما وراء الأرقام من سياسات ودوافع ثم بما بعد الأرقام من كيفية الاستيعاب والخروج بأفضل النتائج.
ولكنى أحب أن أعبر هنا عن إحساسى بعد ما استمعت إلى كلمة ولى العهد السعودى وإلى كلمة أمير الكويت وكلمة نائب رئيس الإمارات وكلمة رئيس وزراء لبنان وكلمة الرئيس السودانى وكلمة الرئيس الفلسطينى وغير ذلك من روائع الكلمات – أحب أن أعبر هنا عن معنى عميق الدلالة وراء ذلك كله وهو أن العروبة حقيقة. إن العروبة ليست وهما وليست علاقة عارضة. إنها حقيقة وجود وهوية وكيان. ما الذى يجمع الشامى والمغربى كما يقولون؟ إنها حقيقة العروبة.
إن التكامل الاقتصادى العربى يبدو واضحاً للعيان. نظرة واحدة إلى التكامل بين مصر والسودان والتكامل بين دول الخليج العربى تكفى لكى يصّدق من لا يصّدق أن العروبة حقيقة وأن التكامل الاقتصادى العربى نتيجة لازمة عن هذه الحقيقة.
وكلمات الوفود العربية كلها كانت تؤكد على أن إعمار مصر هو إعمار للأمة العربية بكل أقطارها. وأن أى استثمار فى مصر هو استثمار لكل أقطار العروبة. وأن إزاحة الإرهاب فى مصر هو إبعاد الإرهاب عن المنطقة كلها بل لقد قال البعض إن الإرهاب الذى يهدد مصر يهدد العالم كله.
هكذا أظهر المؤتمر وعبّر تماماً عن أن مصر فى قلب وطنها العربى وبعدها الأفريقى بل والعالمى من خلال ارتباط أمنها بأمن البحر الأبيض المتوسط، كما عبر بحق رئيس وزراء إيطاليا. وقد كان رئيس وزراء الصومال رائعاً عندما قال إن تنمية مصر هى بمثابة تنمية للصومال.
حقاً كان عرسا رائعاً بحق ولم يكن مجرد مؤتمر اقتصادى رائع وناجح بكل المعايير.
كان عرسا عربيا وكان عرسا أفريقيا وكان عرسا متوسطيا.
الآن وقد انفض المؤتمر الرائع الذى أسميه العرس المفرح كيف تقوم مصر باستيعاب هذه الاستثمارات بحيث تؤتى أفضل ما عندها.
أحيانا نقدم للضيف وجبة بالغة الدسامة والأمر يتوقف على كيفية أكلها واستيعابها. قد يأكلها وتقضى عليه والعياذ بالله وقد يأكلها ويفيد منها كل الفائدة.
ونحن جميعا نريد لمصر العافية والسلامة وأن تستوعب هذه الاستثمارات على أحسن ما يكون.
وهنا نعود إلى مشكلة المشاكل المتعلقة بالجهاز الإدارى وكفاءته من ناحية وإلى الفساد الذى يأكل الأخضر واليابس ويبدد كل الجهود من ناحية أخرى. ولم تكن هذه الحقائق غائبة عن بعض الذين تكلموا فى المؤتمر بل إن بعضهم أشار إليها بكل بوضوح.
طالما تكلمت عن أن الجهاز الإدارى يحتاج إلى ثورة تهزه هزا، وطالما قلت إن بلدا مثل اليابان يفتقر إلى كثير من الموارد الطبيعة ولكنها تعوّض ذلك كله بإدارة صارمة ورغبة قوية للعمل واعتبار أن العمل عبادة فعلا لا قولا.
وقد يكون من محاسن الصدف أننا بدأنا فى الفترة الأخيرة الاهتمام بالتعليم الفنى حتى إننا خصصنا فى التعديل الوزارى الأخير وزارة للتعليم الفنى الذى سنحتاج إليه فى الفترة القادمة أشد الاحتياج. ذلك فضلا عن تحسين مستوى التعليم العام والقضاء على ذلك الخليط المتنافر من أنواع التعليم الابتدائى والثانوى بل والجامعى، بين تعليم مدنى وتعليم دينى.
وفى التعليم المدنى بين تعليم مصرى وتعليم أجنبى. والتعليم الأجنبى بين فرنسى وألمانى وغير ذلك من لغات الأرض التى لا يتقنها فضلا عن أن يعرفها سوى عدد قليل من المصريين.
كل ذلك يحتاج إلى إعادة نظر. وتقديرى أنه إذا صحت النوايا وعزمنا بتصميم وإصرار فإننا سنصل إلى ما تريده مصر.
لقد من الله علينا بقيادة مخلصة مؤمنة بهذا الشعب العظيم وتستمد منه قوتها وعزمها، وهذا فى حد ذاته يمهد الباب أمام مجالات الإصلاح المختلفة.
استأذن القارئ الكريم فى أن أعود مرة أخرى إلى كلمة ممثل دولة الإمارات العربية محمد بن راشد عندما قال: مصر تستطيع بث الحياة فى الأمة العربية وتجديد سيرتها.
نعم إن العروبة حقيقة وإن التكامل الاقتصادى العربى هو النتيجة الحتمية لهذا الذى قاله سمو الشيخ محمد بن راشد حفظه الله، ورحم الله حكيم العرب الشيخ محمد بن زايد.
وحمى الله الأمة العربية.
والله المستعان.
elgamallawoffice@gmail.com
نقلا عن المصرى اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع