بقلم م.مدحت ناجى

 نيويورك 
أثناء ذهابى لإحدى المكتبات العامة فى مدينة مانهاتن (أمريكا)،وقد وصلت قبل موعد بدء عمل المكتبة بنصف ساعة،وجدت شاباً فى الثلاثينات من عمره،جالساً على رصيف عالى أمام المكتبة (مسموح بالجلوس عليه أثناء الإنتظار)،وأمامه لاب توبمفتوح يعمل عليه بجدية وسرعة ،ولكن حركته كان بها شيئاً ما متميزاً على غير المعتاد.

إقتربت منه لأساله عن شيئاً ما وإذ بى  أُفاجأ بأننى أمام شاب له ذراعين قصيرين (أو قل إن شئت ذراع واحد) تبلغ طول الذراع الطويلة حوالى 15 سم! ليس هذا فحسب بل لا يملك سوى صابعين فقط فى يده اليمنى،وأطولهما متباينان جدا !

وكنت مندهشاً كثيرا،فكيف له بهذه الامكانيات الخاصة أن يستخدم اللاب توب بهذه الجودة،بل ويستخدم التليفون المحمول ببراعة شديدة...وتناولنا أطراف الحديث فى موضوعات عديدة،وإذ بالمفاجآت تتوالى فى الظهور تدريجياًلتؤكد لى إننى أمام  شخص متميز جداً،فكيف هذا؟

عندما تحدثنا عن طبيعة السكن فى نيويورك والأسعار المرتفعة،فإذ به يقول،وفى بساطة شديدة، (إننى بلا سكن).وهنا ظهرت أمامى أسئلة كثيرة،وأعتقد أنها تدور فى ذهنك الآن عزيزى القارئ....،

وكان أولها:أين تسكن؟
وببساطته المعهودة يجيب إننى أنام هناك،مشيراً بيديه إلى الحديقة التى أمام المكتبة،ومكملاً:أنا أنام فى الليل على الدكك.وفى النهار أقضى يومى فى المكتبة.وقد سألته فى حياء:فما هى طبيعة عملك؟

وكانت مفاجأة جديدة،وأجاب قائلاً: مصمم مواقع إنترنت،وعلى وجه ابتسامة جميلة...

وهنا انتابنى الفضول أن أسأله:إن كنت مصمم مواقع إنترنت،فطبيعة عملك تحتاج أن تكون على النت،فكيف تحقق هذا؟

فأجاب:المكتبة تقدم خدمة الإنترنت مجاناً للجميع وبكفاءة عالية،لذا تجدنى إما داخل المكتبة (أثناء فترة عملها) أو أمام المكتبة (قبل أو بعد فترة عملها حيث خدمة الإنترنت متاحة).

وأكمل حديثه قائلاً:أنا سأستمر بلا مسكن حتى بدء الشتاء القادم،حيث أكون تمكنت من إدخار المبلغ المناسب لتأجير شقة.

فى الحقيقة،قد امتدحت ذلك الشاب وقلت له :أنت مبدع وأكيد لك مستقبل رائع،فأجاب مبتسماً:أرجو ذلك مع العلم إن المنافسة فى أمريكا صعبة جداً....فقلت له:كلامك صحيح والمنافسة جبارة،آخذا فى الإعتبار أنك تملك العزيمة،والعزيمة أهم من الإمكانيات...وإنصرفت وأنا افكر فى هذا الشاب الذى
1-    لم يكن يملك أطراف كاملة،لكنه كان يملك عزيمة.

2-    لم يكن يملك سكن،لكنه كان يملك رؤية.

3-    لم يكن متبرماً من حاله،بل كان يملك طموحاً رائعاً.

4-    تقبَّل الواقع،وتعايش معه،وسيتعايش معه لمدة عام،حتى يحقق ما يرجوه...

عزيزى القارئ،هذا اللقاء الفريد هو درس رائع،لمن يريد أن يستفيد،وأكثر عمقاً من كتبكثيرة...

ونحن نعتقد بأن
1-    مَنْ يريد أن يستفيد،سيستفيد.حتى لو من زقزقة العصافير.

2-    والعزيمة أهم من الإمكانيات.

ولدروسنا الحياتية بقية....