دوما ستجد من يحدثك عن الثعالب الصغيرة التى تفسد الكروم، ومن تكرار التأكيد على خطورة هذه الثعالب الصغيرة تظن وكأنها ترسم مصائر الناس وتتحكم فى مشاريعهم المستقبلية وخططهم للحياة.
فى الواقع وطبقا لمعطيات الأحداث اليومية تحركات الثعالب الصغيرة التى تبدو فى بعض الأحيان مجرد لهو أو أخطاء ساذجة نجحت فى إفساد المشروعات والطموحات الكبرى. هل تعرف أصلا ما هى الثعالب الصغيرة التى تفسد مزارع الكروم ومحاصيل العنب؟!! فى سفر النشيد يقول الرب: (غنوا للكرمة المشتهاة. أنا الرب حارسها، أسقها كل لحظة..
أحرسها نهاراً وليلاً»، «الثعالب الصغار تفسد ثمر الكرمة، أى أنها تفسد ثمر الروح فى النفس البشرية». فى تفسير الإصحاح الثانى والثالث من سفر نشيد الإنشاد للبابا شنودة يقول إن الثعالب الصغيرة هى الخطايا التى تبدو بسيطة ولا يلتفت إليها الإنسان ولا يشعر بخطورتها.. مجرد أفكار ومشاعر قد لا تتخذ فى بادئ الأمر صورة الخطيئة، ولا هى تتعب الضمير، وخطورة هذه الخطايا الصغيرة، أن الإنسان يهملها، يتركها فتكبر وتتطور، دون أن يحسّ، وقد يحسّ متأخرًا، عندما تكون قد أفسدت الكروم..
باختصار شديد يمكنك أن تجمل الأمر فى الكلمات الآتية: «الخطوة الأولى المؤدية إلى الخطيئة، ربما لا تكون خطيئة، ولكن توابعها ربما تمثل جبلا من الخطايا يهوى فوق رؤوس الجميع». لماذا نتكلم أصلاً عن الثعالب الصغيرة التى تفسد الكروم؟ الثعالب البشرية الصغيرة ضئيلة الحجم، ضعيفة المكانة ولكنها أكثر قدرة على الإفساد والتدمير..
إفساد خطط الأوطان السياسية، وتدمير كل الفرص المتاحة للتقدم والعمل فى هدوء، من أجل هوى نفسى أو مطمع فى رضا سلطة، أو بسبب طبيعة المناصب التى لا تجتذب لكراسيها سوى كل ساذج أو ضعيف نظر لا يرى أبعد من وضع قدميه..
وما علاقة كل ما سبق من ثعالب بشرية وحيوانية وكروم وأعناب بما يحدث فى مصر الآن؟! - أقول لك بأمانة يا سيدى إن خبرا ينشره صحفى فى موقع أو جريدة عن صورة غير موثوقة المصدر لبعض جنود القوات المسلحة داخل طائرة ويمنح الصحفى لنفسه حق التخمين بأنهم جزء من القوات المصرية التى تستعد للمشاركة بريا فى عاصفة الحزم، ثم يكتشف بعد ساعات أن الصورة تخص قوات مصرية مشاركة فى مناورة إماراتية مصرية منذ شهور، ثم يصاب بالخرس ولا يعتذر عن شائعة أطلقها فى ظرف عسكرى حساس، هذا الصحفى وتلك الجريدة تمثل ثعلبا صغيرا يفسد حقلا من التجهيزات والخطط، ومن قبل ذلك يفسد أجواء الرأى العام التى تعد جبهة قوية فى أى حرب تخوضها القوات المسلحة.
- وأقول لك بأمانة يا سيدى أن واحدا من هؤلاء الذين يدعون أنفسهم خبراء ومحللين عسكرين حينما يتطوع للإفتاء بأخبار كاذبة عن تحركات عسكرية فى باب المندب أو أخبار أسطورية عن أسر قائد الأسطول السادس الأمريكى، يتحول فى نفس ذات اللحظة إلى ثعلب صغير يفسد حقول الثقة التى نحصد من خلالها علاقة قوية بين الجيش والشعب.
- الحق أقول لك يا سيدى.. اقتلوا الثعالب الصغيرة وتخلصوا من عبثهم، إما بالمعلومات الواضحة من رجال نثق فيهم، أو بالوأد المبكر لكل هفوات تلك الثعالب، احموا كرمكم لكى ينجو الوطن.
نقلا عن اليوم السابع