بقلم : عماد رسن | السبت ٢٥ ابريل ٢٠١٥ -
٤٧:
٠٥ م +02:00 EET
تجديد الخطاب الديني
يدعو الكثير من المثقفين والمفكرين وغيرهم من السياسيين وباحثين في مؤسسات دينية معتبرة كالأزهر وغيرها بأوامر من السلطات أو من خلال الشعور بالمسؤولية إلى تجديد الخطاب الديني للخروج من أزمة التطرف الديني ,فهل يمكن تجديد الخطاب الديني؟ سؤال يتبعه كم هائل من الأسئلة سأطرح منها سؤالين مهمين الأول هو, هل أن هناك خطاباً دينيا ً واحدا ً ليتم تجديده؟ والثاني هل سيحل تجديد الخطاب (الخطابات) إشكالية التطرف الديني في المجتمعات الإسلامية والمسلمة؟ الواقع يفرض الإجابة على السؤال الأول, بالتأكيد لايوجد هناك خطاب ديني واحد ليتم تجديده, فهناك خطابات متعددة منها الخطاب الديني السلفي, والمحافظ, والمتحرر ومايسمى بالمعتدل وغيرها. اضف إلى ذلك بأن هناك خطابا ً للمؤسسات الدينية وخطابات تنتجها مجموعات دينية خارج أطار المؤسسات الدينية ليس لأحد السيطرة عليها كالخطاب السلفي الجهادي والخطاب الديني المتحرر الذي يتماهى مع القيم الغربية. إذن, نحن أمام مجموعة كبيرة من الخطابات الدينية التي لايمكن تجديدها مرة واحدة وبسلة واحدة. هذه صعوبة لايمكن تجاوزها بسهولة.
أما الاجابة على السؤال الثاني في مدى فاعلية تجديد الخطاب الديني من عدمه فلابد من معرفة ماذا يعني الخطاب أولا ً. الخطاب هو مجموعة من المعايير المعرفية والأخلاقية متناسقة في منظومة فكرية ولغوية واحدة لها حدودها التي تفصلها عن باقي المعايير والخطابات الأخرى. والخطاب, أو تلك المنظومة ليست منفصلة عن الواقع بل هي تتحرك في سياقات محددة ومعينة من خلال اللغة المحكية والمكتوبة وطرق التواصل في مجتمع صغير أو كبير تحدد تلك اللغة طريقة التعامل بين من يتبنون ذلك الخطاب ومع من يتبنون خطابات أخرى. ومثل على ذلك أن الخطاب السلفي والذي له رؤية معينة في طريقة قراءة النص الديني من خلال العودة للسلف الصالح الذي قرأ النص وفهمه ونحن ملزمون بهذا الفهم وتطبيقه. فالخطاب السلفي له منظومة معيارية ملتزم بها ترفض كل قيمة عقلية متجددة وترفض كل قيمة لها جذور غربية وأن هذا الخطاب له بيئة يتحرك بها سياسيا ً من خلال الأحزاب السلفية وإجتماعيا ً من خلال مجموعة من المساجد والأحياء السكنية حيث يبدو للعيان طريقة الكلام والملبس بالنسبة للنساء والرجال والذي يميزهم عن باقي المجموعات الدينية الإسلامية, فطريقة الملبس والتعامل مع الآخرين تحدد من يتبنى هذا الخطاب ويعبر عنه لغة وتواصلا ً. فالخطاب مسؤول بدرجة ما بصياغة العقلية الفردية والوعي الجمعي لمجموعات معينة ولكل خطاب مراكز قوى أيضا ً وناشطين يتبنونه ويسوقونه في مجال عام محدد. فمركز قوة الخطاب السلفي هي النص المقدس وقول السلف ومن يحمله فهم الدعاة وشيوخ الدين وخطباء الجوامع.
لنعود هنا لمصطلح التجديد والذي يعني بأن هناك خطابا ً فاعلا ً كان يلبي متطلبات الواقع ولما أن ذلك الواقع تطور بسرعة كبيرة فلابد من التجديد لذلك الخطاب ليتلائم مرة أخرة مع الواقع الجديد. لابد من الإعتراف بأن الخطاب الديني الإسلامي بأغلب فروعه كان ومازال يعيش أزمات متتالية, منذ غلق باب الإجتهاد إلى يومنا هذا, إذ أنه عجز من أن يطور نفسه في مخاطبة مريديه. آخر المحاولات كانت في نهايات القرت التاسع عشر في حركة الإصلاح الديني أو مايسمى بالنهضة الإسلامية لجمال الدين الافغاني ومحمد عبده وغيرهما كرشيد رضا. أن تجديد الخطاب هو تجديد اللغة المحكية وطرق التواصل لتلائم المتلقي بشكل يناسب الواقع, إذ أنه لايمس جوهر الفكر بالتجديد بل فقط بطريقة طرحه وتوصيله من جديد. نعم, لقد كان للخطاب المتشدد دور كبير في ظهور التيارات الراديكالية المتشددة, ولكن, هذا لايعني بأن النص المقدس وطريقة تفسيره كانا رافدين مهمين لذلك الخطاب المتجدد إضافة لدور السرد الديني كقصص الشهادة وحياة الرسول وصحابته في مجتمع نقي ناصع البياض كما تصوره كتب التاريخ, فقد اصبح ذلك السرد, ومنه السرد القرآني, جزء لايتجزء من الوعي الجمعي وذاكرة المجتمعات الإسلامية. فيمكن لأي شخص أو مجموعة من خارج المؤسسة الدينية التي تتبنى خطابا ً معينا ً من تفسير النصوص المقدسة والتزود من المعين السردي للقيام بفعل إرهابي وعلى هذا الأساس فأن مقولة تجديد الخطاب الديني لاتبدو فكرة جيدة لأن المشكلة لازالت قائمة في أصل النص وطريقة التواصل معه.
هل نرفض النص الديني كليا ً, هل نقبله كليا ً, أم أن هناك طريق آخر؟ لايمكن منطقيا ً وأخلاقيا ً رفض نص ديني لأنه جزء لايتجزء من التراث الإنساني وهو رافد مهم من روافد المنظومة الإخلاقية المعيارية لكم هائل من المجموعات بشرية. إذن, هل يمكن أن نقبله كليا ً بلا نقد؟ (لايعني مصطلح النقد هنا التقليل من شأن النص كما في الترجمة العربية للمصطلح بل هو منهج فكري قائم على معايير أخلاقية) أن قبوله كليا ً سيوصلنا لما نحن عليه الآن. لايبقى غير الطريق الآخر وهو تجديد طريقة التعامل مع النص. أن أكبر مشكلة تواجه المؤسسات الدينية هي المنهجية التي تتعامل بها مع النصوص الدينية فهي منهجية قديمة إذ لايريد القائمون على تلك المؤسسات الأحتكاك بالمناهج الحديثة التي تطورت في الغرب والشرق بدعوى الحفاظ على الهوية والتراث لأنهم بقبولها سيفقدون أمتيازاتهم لأنهم الوحيدون ممن يحتكرون تفسير النص الديني بدعم من مراكز القوى السياسية وعلى رأسها السلطات الرسمية التي تتبنى الخطاب المحافظ.
إذن, ليس تجديد الخطاب الديني ماينفع لتجنب ظاهرة التشدد الديني بل تجديد الفكر الديني وذلك باستخدام مناهج علمية متطورة في التعامل مع النص الديني والتاريخي من خارج المؤسسات الدينية التي لابد أن تتحول إلى مؤسسات أكاديمية بعيدا ً عن القدسية الموروثة, فالمتدينون إلى الآن مازالوا يدورون في فلك المنهج الوضعي وإن خرجوا من ذلك الفلك فهم لايصلون إلا اضطرارا ً للمنهج التأويلي إذ لم يصلوا وربما سيكون متأخرا ً الوصول للمنهج النقدي الذي ينطلق من مبادئ معيارية أولها الأخلاق في طريقة تعاطيه مع النص الذي لايرى به قدسية بقدر التفاعل معه كنتاج إنساني بحت ليتم التعامل معه بموضوعية. أن ذلك ينسجم أيضا ً مع روح الدين الذي يكمن في جوهرة فكرا ً معياريا ً يدعو لتغيير المجتمع نحو الأفضل. القدسية في المنهج النقدي لاتكمن في النص نفسه لكن في المبدأ الأخلاقي الذي يتضمنه المنهج والعاملون عليه. هناك طريق طويل لتجديد الفكر الديني وحتى الوصول إلى ذلك سنظل ندور في فكرة جوفاء أسمها تجديد الخطاب الديني ولكن بعد أن تذهب الكثير من الدماء وسنكون حينها في الدرك الأسفل من الحضارة إن لم نصل لذلك الدرك لحد الآن.
نقلا عن إيلاف
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع