منذ الإعلان عن اليوم العالمي للضحك عام 1998 تأسس في العالم أكثر من 6000 نادٍ للضحك، يجتمع أعضاؤها في الشوارع سنوياً في الساعة 12 بتوقيت غرينيتش من هذا اليوم ويضحكون لمدة ثلاث دقائق تحت شعار"الضحك يحقق السلام العالمي".
قال الفيلسوف الأغريقي ارسطو(322-384 قبل الميلاد) ان ما يفرق الإنسان عن الحيوان هو القدرة على الضحك، لكنه ميز أيضا أشكالاً من الضحك يعبر فيها الحيوان عن سروره، سواء بالوصوصة عند الفئران، أو بالصهيل عند الخيول، أو بالتكشير الصريح عند الشمبانزي.
وعلى أية حال عبر ارسطو عن اعتقاده أيضا بأن الضحك مفيد للصحة، وربما ان الأبحاث الاغريقية الأولى عن الضحك هي سبب اطلاق الاسم العلمي"جيلوتولجي" على علم الضحك، حيث"جيلوز" تعني الضحك في اليونانية. ولا يوجد اليوم من يعتقد بعكس ذلك، لكن هناك الملايين في هذا العالم، ممن يجتمعون لتبادل النكات في يوم الضحك العالمي، في حين يعجز ملايين البشر في مناطق أخرى عن الضحك بسبب مآسيهم.
والحديث عن علاقة الضحك بالحروب والمآسي ليس نظرياً، وليس ناجماً عن مشاهدة الأخبار المصورة عن زلزال النيبال أو قصف حلب بالبراميل المتفجرة، أو اغتصاب الايزيديات من قبل الدواعش في سنجار. وأثبت دراسة ألمانية علمية أن الألمان فقدوا القدرة على الضحك خلال الحرب العالمية الثانية، لكنهم عادوا إلى الضحك بمعدل 18 دقيقة في اليوم بعد الحرب، ثم عاد هذا المعدل إلى الانخفاض اليوم إلى مجرد 6 دقائق في اليوم بحكم شدة العمل والتوتر النفسي.
وعلامات الضحك والابتسام التي ترتسم على وجه الإنسان تولد معه، ويبدأ الطفل بالابتسام بين الشهر الثاني والسادس من حياته، وهو تعبير عن الفرحة برؤية وجه مألوف أو التذكير بموعد رضاعة أو غير ذلك. وتشارك 17 عضلة من عضلات الوجه مباشرة في الضحك، تضاف إليها 80 عضلة جسمية أخرى تنتشر بين الكتفين والبطن والرقبة وباقي أجزاء الجسم.
يضحك الطفل السعيد أكثر من 400 مرة في اليوم، بحسب العديد من الدراسات العلمية، لكن الإنسان العادي، بمتاعبه اليومية، يعجز عن تجاوز معدل 15- 20 ضحكة وقهقهة في اليوم. وعلى أية حال يعزز الضحك مناعة الإنسان، و يزيد فرز هرمونات السعادة، وهذا سبب تأثيره الصحي الايجابي على الإنسان.
الفوائد الصحية للضحك
يمكن اختزال هذه الفوائد في نتائج العديد من الدراسات العلمية العالمية التي تناولت تأثير الضحك على مختلف وظائف الجسم. ويقول العلماء انه في عالم البدانة المستشري اليوم في الغرب يمكن للعضلات الـ100- 200 التي يحركها الضحك أن تحرق الكثير من السعرات الحرارية، كما يمكنها أن تحسن عملية التمثيل الغذائي. ويشير علماء من الولايات المتحدة إلى ان الضحك لمدة 15 دقيقة يحرق سعرات تعادل تلك التي يحصل عليها الإنسان من تناوله قطعة شوكولاتة وزنها 100 غم.
ويحسن الضحك، والقهقهة على وجه الخصوص، عملية التنفس فيصبح الشهيق طويلاً وعميقاً، والزفير قصيراً. وهذا تمرين جيد لوظيفة الرئتين ويجعلها تتلقى كمية أكبر من الهواء وزفر الكثير من السموم المتراكمة في الحويصلات الهوائية.
يخفف الضحك التوتر النفسي لأنه يزيد إفراز هرمون السعادة "اندورفين"، مع ملاحظة أن هذا الهرمون يساعد أيضاً على تخفيف الألم.
والضحك أفضل استراحة للعضلات المتوترة المتعبة بعد يوم عمل شاق، لأنه يؤدي إلى ارتخاء عضلات الجسم. وقال الباحثون إن الضحك لمدة 5 دقائق يعادل 30 – 40 دقيقة استراحة. ويشير علماء جامعة ماريلاند الأميركية، إلى أن 15 دقيقة ضحك في اليوم تعوض عن 30 دقيقة من التمارين البدنية ثلاث مرات في الأسبوع.
وأن تضحك يضحك معك القلب، وتضحك معه الدورة الدموية، لأنه، بحسب الدراسات، يجعل بطانات الشرايين والأوردة أكثر مطاطية(ضد التكلس)، حيث اتضح أن الضحك لمدة 10 دقائق يخفض ضغط الدم 10 – 20 ملم زئبق.
وتفتقر هنا مقولة أن الضحك يسبب ظهور التجاعيد مبكراً في الوجه إلى مقوماتها، لأن خبراء التجميل يقولون إن الضحك يقوي عضلات الوجه ويشد من البشرة، ويحافظ بالتالي على نضارة الجلد. وكان العالم والكاتب الفرنسي فيكتور هيجو على حق حينما قال إن "الضحك هو الشمس التي تطرد الشتاء من وجه الإنسان".
اليوغا الضاحكة
يعود الفضل إلى الطبيب الهندي مادان كانتاريا في دعوة المجتمع الدولي للاعتراف بأول يوم أحد من مطلع كل مايو/أيار كيوم عالمي للضحك. وبعد الاعتراف بهذا اليوم حقق كانتاريا رقمًا عالمياً دخل كتاب غينيس للأرقام القياسية، حينما تمت دعوته إلى كوبنهاغن عام 2000 و تمكن من جمع أكثر من 10 آلاف إنسان في ساحة البلدية، وعمل على اسعادهم طوال 3 دقائق.
وكانتاريا هو مؤسس طريقة اليوغا الضاحكة، وأول من درب الأوروبيين وأعدهم كمدربي ضحك في نوادي اليوغا المختلفة. ويمارس الناس في هذه المدارس رياضة اليوغا التأملية، كطريقة لتصفية الروح، ويعمدون بعدها إلى تبادل النكات والضحك، كطريقة أخرى لتعزيز المناعة والصحة العامة.
هناك في عالم اليوم أكثر من 6000 نادٍ لـ"اليوغا الضاحكة" التي ساهم الطبيب الهندي في الدعوة إلى تأسيسها عام 1987. وليست هناك إحصائية عن عدد هذه النوادي، التي تمزج طقوس اليوغا بالضحك، في ألمانيا، لكن هناك 10 منها في العاصمة برلين. وبدأ كانتاريا نشاطه في ألمانيا بعد دعوة فريقه الضاحك إلى مدينة أيسن الألمانية لتعليم الألمان على الضحك.
هذه الحقائق العلمية لا تغيّر بالطبع من حقيقة ان الألمان لا يضحكون كثيراً، وان الجدية غالبة عليهم إلى حد عدم فهم النكتة واستهجان روح الدعابة أحياناً، ولهذا، وبمناسبة اليوم العالمي للضحك، نشر الباحث الألماني ميشائيل تيتزة، المتخصص بطب الضحك، دراسة تقول إن الألمان يضحكون أقل بكثير من الآسيويين والأفارقة وبقية الأوروبيين. ولاحظ الباحث أن 10% من الألمان يخشون من أن يضحك عليهم الآخرون، رغم انهم لا يضحكون أكثر من مرة واحدة في اليوم كمعدل.
وفي مقابلة مع البروفيسور فيليبالد راوخ، المتخصص بالضحك من جامعة زيورخ، تحدث الباحث عن تجربة مع المعانين من انقطاع النفس، وكيف ساهم "المهرجون" في اضحاكهم وتحسين تنفسهم. أشار أيضاً، في صحيفة" نوية زيورخر تسايتونغ"، إلى دور المهرجين في اسعاد الأطفال المرضى وأولياء أمورهم في المستشفيات باستخدام "العلاج بالمهرجين".
وذكر راوخ ان الضحك مجبول بطينة الشعوب، وهناك شعوب ميالة للمرح أكثر من غيرها، وفي حين يميل الانجليز للدعابة العبثية، يميل الألمان للجدية. وعموماً، نلاحظ أن الشعوب المنهمكة في العمل الجاد، مثل اليابانيين والألمان والسويسريين، أقل ميلاً للضحك من غيرها.
وبرأي راوخ، فإن صدور الضحك عن الدماغ لم يبحث بشكل موسع بعد، وربما أن السبب يكمن في عدم وجود "مركز" ما في الدماغ يتخصص في هذه الوظيفة، وإنما مجموعة بقع صغيرة متفرقة. وتجتمع في عملها عدة مناطق صغيرة مسؤولة عن الصوت والحركة والايماءات كي يصدر عن الإنسان ما يسمى ضحكة.
واستشهد رواخ بدراسة ألمانية أثبتت ان ردة فعل دماغ الإنسان تختلف عندما يستمع إلى شخص يضحك بسبب الدغدغة أو بسبب الفرح أو السخرية. وجاء في الدراسة أن ردة فعل شبكة الدماغ المرتبطة بالضحك تختلف حسب سبب الضحك، وأن الضحك بسبب اجتماعي، سواء كان إيجابياً، كالتعبير عن الفرح، أو سلبياً كالضحك التهكمي، يعتبر أكثر تطوراً من الضحك الناجم عن الدغدغة.
استخدمت الدراسة إجراء الرنين المغناطيسي الوظيفي لمعرفة ما يحدث في دماغ 18 شخصاً، نصفهم من الإناث والآخر من الذكور، ولا يعانون من أي مرض، ولا يتناولون أي دواء، عندما يسمعون ثلاثة أنواع من الضحك، أحدها ضحك بسبب الدغدغة، والثاني ضحك بسبب الفرح، والأخير ضحك بهدف التهكم والسخرية.